بعد اقرار نظامي الخدمة المدنية والموارد البشرية .. القطاع العام سيكون مجحفا ومفقرا ومذلا وطاردا للكفاءات



كتب احمد الحراسيس - 

تحثّ حكومة الدكتور بشر الخصاونة الخطى في فرض وإقرار ما أمكن من أنظمة وتشريعات من شأنها تكبيل وتقييد حريات الأردنيين، والتضييق على معيشتهم ، وتحويل الأردنيين من مواطنين إلى رعايا لا يتمتعون بالحقوق الاساسية والحريات التي كفلها الدستور .  

بالأمس فقط ، صدر في الجريدة الرسمية نظاما الموارد البشرية والخدمة المدنية، ليدخلا حيّز التنفيذ اعتبارا من تاريخه، والواقع أن النظامين لن يرتقيا بالقطاع العام قيد أنملة، بل على العكس تماما، سيكونان سببا في تردّي أوضاعه  وتراجع ادائه وهروب الكفاءات وهجرتها منه .

تخيّلوا أن نعرض على شخص ذوو كفاءة عالية، فرصة عمل، ونقول له: "هذا العقد لا يضمن أمنك الوظيفي، ويربط وجودك في الوظيفة برضى المسؤول المباشر، ويسلبك حريتك حتى خارج أوقات العمل الرسمي، ويحرمك حقّك الانساني في التعبير عن رأيك أو الاحتجاج على أي ظلم قد يلحق بك، وكلّ ذلك مقابل دخل شهري محدود، ويُحظر عليك في ذات السياق أن تعمل بوظيفة أو مهنة ثانية خارج اوقات دوامك الرسمي لزيادة دخلك الشهري"، فهل سيقبل بهذا العقد وهذه الوظيفة؟ الجواب قطعا "لا".. والنتيجة الحتمية أن أصحاب الكفاءة لن يلتحقوا بالقطاع العام الذي  سيصبح مجحفا ومفقرا ومذلا في ان معا . 

نظام الموارد البشرية، لا يحظر على الموظف العام الاضراب عن العمل فقط، بل ويحظر عليه أيضا القيام أو الاشتراك بأي مظاهرة أو اضراب أو اعتصام أو التحريض عليها، أي أن الأمر ليس مرتبطا باحتجاج عمالي فقط ، بل  بجميع نشاطات الموظف وآرائه، وفي هذا إرهاب للموظف العام وسلب لحريّته. وكان الموظف الحكومي عليه ان يخلع كينونته وحقوقه وحرياته جميعا قبل ان يرتدي بزته الرسمية !!!

النظام لم يكتفِ بتلك المادة العرفية، فأضاف مادة أخرى نصّ فيها على عزل الموظف في حال صدر ضدّه قرار بالحبس لمدة تزيد عن ستة أشهر، رغم أن الجريمة قد لا تكون مخلّة بالشرف أو الأخلاق العامة، وقد تكون مرتبطة برأي عبّر عنه الموظف عبر مواقع التواصل الاجتماعي وجرى اعتبار الرأي جريمة الكترونية.

ورغم محدودية رواتب القطاع العام وانخفاضها، فإن نظام الخدمة المدنية يحظر على الموظف العام العمل في وظيفة أخرى، فيما تجاهلت الحكومة حقيقة أن راتب موظف القطاع العام لا يكاد يكفيه، وأن عشرات آلاف موظفي القطاع العام يعملون في وظيفتين على الاقل لسد  احتياجاتهم الاساسية، خاصة ونحن نعرف أن غالبية الأردنيين مدينون للبنوك ومؤسسات التمويل المختلفة، وتكاد القروض تلتهم الجزء الأكبر من رواتبهم..

النظامان الجديدان يدفعان الشارع لمزيد من التأزيم، وهما أشبه بقنابل موقوتة ستنسف أساس القطاع العام الذي يشكّل العمود الفقري للدولة الاردنية ، وهي بذلك تضرب هذه البنى المؤسسية الراسخة في مقتل رغم كل ما تعرضت له من هزات وتفكيك ممنهج طوال العقديين الماضيين  .

ما الذي يريده رئيس الوزراء بشر الخصاونة من هذه النصوص ، او للدقة ما الذي تريده الدولة العميقة ؟ وبالمقابل ما الذي كان ينتظره المراهنون على القطاع العام والمراهنون عليه تاريخيا ؟!! افقار المراهنين على القطاع العام واذلالهم بهذه اللامبالاة خطير للغاية ، وسيتسبب في مشكلات  عميقة ستضرب المرتكزات والثوابت ، ومن بين هذه المشكلات التي ستفرضها النصوص الجديدة : الاختلاس والرشوة والتحرش والترهل والشللية والمحسوبية والواسطة وفي مقدمة هذه المشكلات هي حالة انعدام الانتماء لتلك المؤسسات بقدر السعي لارضاء ارباب السلطة والتماهي مع رغباتهم وامزجتهم لان مستقبل الموظف العام - بقاءه وتطوره وتحسن دخله -مرتبط بهؤلاء فقط ... 

كاريكاتيرات معبرة اسفل الخبر :