نظام الموارد البشرية الجديد.. سياسات عقابية وتطفيش للموظفين!
* سياسات ومواد نظام الموارد البشرية الجديد ومنع الموظف في القطاع العام من العمل خارج أوقات الدوام
* سياسات عقابية وتهجيريه للموظفين
* تسعير الوظائف واطلاق الصلاحيات وغيرها في ظل الثقافة المؤسسية السائدة ستدمر ما تبقى من القطاع العام
لا يوجد عاقل يقف ضد التطوير والتحديث في المجالات كافة وخاصة في مجال إدارة منظومة الموارد البشرية التي تعد العصب الرئيس لأي دولة وخاصة في الدول التي تعد الموارد البشرية هي الكنز والبترول لها وفي ظل افتقارها للموارد الطبيعية كما في الأردن ، ولا يوجد ناكر لبعض ما ورد من سياسات و مواد في نظام الموارد البشرية رقم (33) لسنة 2024 من إيجابيات ستنعكس حتما على تطوير الأداء والإدارة العامة للقطاع العام في الدولة، كما لا يخفى على أحد أن معظم ما ورد في النظام هي أصلا مواد تنظيمية وردت سابقا في نظام الخدمة المدنية المعدل بنسخة المختلفة، وهي التي كانت تنظم الوظيفة العامة والتي اعتقد أن كان لها دور إيجابي كبير في إدارة وتنظيم العمل بالقطاع العام رغم بعض التجاوزات التي كانت تحدث من قبل المسؤولين عن تطبيق هذا النظام في الدولة، لكن من الأهم أيضا أن نشير إلى أن سياسات الموارد البشرية التي تتعلق بواجبات بأهداف الوظائف العامة ومسؤوليات وحقوق الأفراد العاملين في القطاع العام الحكومي بشكل خاص والتي تستورد، أو لم تعد بمنهجيات علمية تقوم على دراسة الواقع وتفهم السياق وتستمع إلى أراء المعنيين بهذه السياسات وتواءمها، وبما يتناسب مع المستجدات ومع أفضل الممارسات ستشكل عبئا كبيرا على إدارة منظومة الموارد البشرية في الدولة ، وستلعب أيضا دورا حاسما في تحديد ثقافة الوزارة أو المؤسسة التي يعملون فيها ، وحتى تحديد التوقعات لسلوك الموظف وأدائه وبالتالي النتائج المتوقعة لأداء هذه المؤسسات، وعليه لا يجب أن نتكئ على التوجيهات الملكية في مسارات التحديث في الرؤية الاقتصادية20233 لتقديم سياسات وممارسات خاطئة لا تحقق الغايات منها وهي لا تعكس أصلا ما تهدف إليه مخرجات الرؤية في مسارتها المختلفة ونفرضها على الجميع .
ولا شكك أن المبررات المعلن عنها لسياسات ونصوص مواد نظام إدارة الموارد البشرية الجديد ، والتعديلات على نظام الخدمة المدنية رقم (9) لسنة 2022 وتعديلاته حتى تاريخ 2024/7/1، وذلك بالانتقال إلى اللامركزية في تنفيذ محتواهما من قبل الوزرات والمؤسسات، لمحاكاته مع ما يتم من ممارسات في القطاع الخاص في مجال التعيين ، وتحفيز الأداء الاستثنائي للموظفين، واستقطاب الكفاءات، وتنظيم عقود العمل وتجديدها، وبما يضمن تحقيق الكفاءة في تحقيق الأهداف المؤسسية ، إلا أنني أرى إن بعض هذه السياسات والمواد التي وردت في نظام إدارة الموارد البشرية الجديد في ظاهرها تنظيمية تطويرية، لكن في باطنها سياسات عقابية ستسهم تفريط وتهجير للموارد البشرية المؤهلة والتي نفخر بها بالأردن، وفيها اطلاق للسلطة المطلقة للمسؤول والتي عادة تكون مفسدة مطلقة وخاصة في تسعير الوظائف وفي الاختيار والتعيين والاستقطاب، وطريقة تنظيم العقد، ومنع العمل خارج أوقات العمل، وعدم احتساب المؤهلات العملية، وتعديل أوضاع الموظفين على الرغم من أهميتها في تجويد العمل، وتقييد الاجازات، وهذه سياسات بعض منها كان يجيزها نظام الخدمة السابق، واستغرب من منظري الإدارة الطارئين كيف لهم أن يطلقوا صلاحيات مطلقة في التعيين وفق النسب المحددة للوزارة او المؤسسة في ظل الثقافة السائدة في المحسوبية والواسطة والتدخلات والتوصيات وفي ظل غياب نظم المساءلة للمسؤولين؟ ألا يعلمون السادة أن الصلاحية المطلقة هي مفسدة مطلقة في يد المسؤول الفاسد؟ كما كيف يمكن لهم تسعير الوظائف التعليمية في بعض التخصصات الحرجة وغير المتوفرة أصلا بسبب ارتفاع الطلب عليها خارجيا؟ فهل يكفي اجترار البطاقة والمتطلبات والاختبارات والتي أصلا كانت في النظام السابق ولم يتم العمل بها ؟، وهل يعلمون كيف ستكون ردود فعل حملة هذه التخصصات الذين يدرسون نفس هذه المواد في المدرسة نفسها أو في المدارس الأخرى؟ وهل ضمنوا واضعي هذه السياسات عدالة تسعير هذه الوظائف، وآليات التعيين المعلن عنها والتي لا تختلف عن سابقتها في نظام الخدمة والتي كانت تخترق وحتى المقابلات اليتيمة المصورة التي عملت للقيادات وتم تجاوزها وعدم الاعتماد عليها؟ ، وهل يعرفون كيف ستكون الروح المعنوية فيي بيئة العمل التي يعمل بها هؤلاء الموظفون في القطاع التعليمي أو في أي مؤسسة وهم يعيشون تحت ضغط عقد سنوي يمكن تجديده او لا؟ فهل يعرف من سن هذه السياسات ووضع هذه المواد كيف سيكون الأداء لهذا الموظف وأثرة على متلقي الخدمة ؟، وهل يعرفون كيف ستكون ردود فعل العاملين في القطاع العام الحالين والذين سيعنون وفق النظام الجديد عندما يمنعون من العمل خارج أوقات الدوام الرسمي بموجب (ي) من المدة (67) من النظام على الرغم من أن النظام السابق كان يجيزها وفق تعليمات منظمة لهذه الغاية؟، فهل يعتقدن أن تسعيرة الوظائف ستكون كافية لسداد التزاماتهم الحالية والمستقبلية؟، أم هل وفر من وضع هذه السياسات برامج تعويضية للعاملين في مجال توفير تعليم مجاني جامعي لهم ولأبنائهم، ووفر لهم سكن معيشي مناسب، أو تأمين طبي مجاني لا يوجد فيه نسب مقتطعة من الراتب كانت تبلغ اكثر من كلفة المعالجة لدى طبيب خاص، أو وفر لها قطع أرض تدر عليهم دخلا أو أية برامج مؤسسية أخرى تغنيهم عن العمل خارج أوقات العمل؟ وهل فكر من وضع هذا النظام بشكل شمولي وبحجم الوظائف وفرص العمل التي وفرها القطاع وتسهم في رصد الاقتصاد بالموارد بعد أن يتم الغائها، ونوعية شاغلي الوظائف التي تحل محلهم هذا إذا أراد القطاع الخاص توفيرها ومدى مساهمتهم في إيرادات الدولة؟ وهل أدرك من وضع نص المادة ( 56) المتعلق بتقييد إجازة الموظف العام وحصرها في4أربعة أشهر الآثار المترتبة على الموظفين من قطاعي التعليم والصحة وهي من المهن المطلوبة خارجيا وهي التي تعمل في الخارج، وتدر دخلا يقدر بثلاثة مليار ونصف مع باقي المهن على اقتصاد الدولة، وهؤلاء قد تحملوا مسؤولياتهم تجاه وطنهم في ضخ واستثمار أموالهم في وطنهم؛ وأسهموا في حل مشاكل اقتصادية واجتماعية أساسية في المجتمع إضافة إلى ما رفدوا به الوطن من أبناء متعلمين ومثقفين يشكلون مصدرا غنيا للموارد البشرية المستقبلية لا يعرفون عنها من يضعون هذه السياسات وستكبد الأردن الكثير من التحويلات التي كانت تدعم الاقتصاد الأردني. وهل فكر من وضع الدراسة بإجراء دراسة استشرافي للآثار المستقبلية على عدد الكوادر المؤهلة التي ستغادر القطاع العام والتي ستغادر جلها ظلما بسبب الممارسات في تطبيق هذه السياسات أو حتى الكوادر العاملة في الخارج والتي لن تعود للعمل في ظل هذه السياسات بعد تقييد الاجازات ومنع العمل خارج أوقات وظلم آلية التسعير من المسؤولين والمحسوبيات وغيرها من السياسات الجديدة؟، أم أن هذه السياسات جاءت لترشيد القطاع العام الحكومي المتضخم والبطالة المقنعة من الموارد البشرية العاملة غير الضرورية، ولكنها غير معلنه وبالتالي ستقود هذه السياسات إلى تهجير الصالح والطالح؟
وعلى جميع الأحوال فإن غالبية المسوغات لمثل هذه السياسات لا يمكن أن تقنع الغالبية العظمي من الموظفين ولا العاملين في مجال التنمية البشرية ولا في المجال الاقتصادي ولا حتى السياسي بنجاعة هذه السياسات وسيثبت عدم فاعليتها ويعاد النظر بها بعد البدء بتطبيقها لاسيما أن هذا النظام لا يعكس الإصلاحات المطلوبة وفق الرؤية الاقتصادية 20233 في مسار التحديث الإداري للقطاع العام ، والتي في الأصل دعت إلى السعي لتحقيق التنمية المنشودة بسياسات تنمية للموارد البشرية بطرق مستدامة وحقيقة، وعليه ما ورد في نظام الموارد البشرية من بعض سياسات ومواد يعتقد بأنها تنظيمية سياسات غير رشيدة لأن غالبية موظفي الدولة في القطاع العام وجل هؤلاء يعملون في مهنة التعليم والصحة ورواتبهم بالكاد تسد رمق العيش في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها الدولة نتيجة العوامل السياسية والاقتصادية والنزاعات وانحسار الدعم للاقتصاد الأردني من مصادره المختلفة ناهيك عن الأعباء المادية التي ترتب على الجميع وخاصة الهجرات القسرية ، لذا يبحثون عن أعمال أخرى خارج أوقات عملهم الرسمي على الرغم من أن غالبية الدول التي تتبع سياسات في إدارة أنظمتها البشرية تسمح بالعمل خارج أوقات الدوام الرسمي للمعلمين وغيرهم من أبناء الوطن وفق تعليمات خاصة لدى المؤسسة المعنية من أجل تبادل الخبرات ونقلها وضمان سير أعمال هذه المؤسسات ، وتسمح لهم بالإجازات دون تحديد ووفق تعليمات نظام لذلك ، كما تتيح لهم فرصة التنقل والعمل في القطاع الخاص، وتحسب لهم ضمن مدة خدمتهم الحكومية، وتوفير كل سبل الراحة والطمأنينة للموظف العام أو حتى الخاص كما تسعى إلى دفعهم للتنمية المهنية والأكاديمية للحصول على مؤهلات أكاديمية تعزز من أدائهم وتمنح العلاوات على ذلك لا أن تعاقبهم بمنع تعديل أوضاعهم واحتساب مؤهلاتهم، لذا يقوم الموظف بأداء واجباته الوظيفية بأمانة ونزاهة وموضوعية، ويعمها عندها جاهدا وباستمرار على تحقيق أهداف مؤسسته التي يعمل بها، ولا يرتكب المخالفات نتيجة تمتعه بمثل هذه السياسات التحفيزية، وبالتالي يكون عمله غير مخالف للقوانين والأنظمة ، والغريب بالأمر أن نظام الخدمة المدنية السابق قد نص على ذلك فلما هذا التراجع والعام يتقدم ، ولا أعرف إذا كل التقدم التي وصلت إليه الإدارة الأردنية في المؤسسات سابقا وفي ظل وجود نظام الخدمة المدنية السابق كان تقدما غير حقيقيا.
لذا أرى من المهم أن يتم إعادة النظر بهذه السياسات إذا كنا نريد أن ننمي مواردنا البشرية في القطاع التعليمي وغيره ونوفر لهم كل سبل الحياة الكريمة ، وأن نبتعد عن التأثيرات السلبية للسياسات التي تم إقرار ها في النظام، والتي ستؤدي بالطبع لخلق بيئة عمل عدائية، وستقوض هذه الممارسات الثقة والاحترام بين العاملين في مكان العمل، وستعزز الاستياء وانعدام الأمن بينهم، كما ستؤدي إلى انخفاض الرضا الوظيفي الروح المعنوية المتدنية أصلا، وهذا سينعكس سلبا على بيئة العمل نتيجة سياسات وضعت من قبل جيل من المسؤولين لا يعرفون عن القطاع العام الا رواتب مناصبهم، وبالتالي من المهم العودة للرشد ووضع مصلحة الوطن والموظفين كأولوية لتحسين أوضاعهم وتحفيزهم وتوفير البيئات المناسبة للعمل، وعليها أن تقدم بسياسيات تتعلق بإدارة الموارد البشرية وتوفير الحية الكريمة لهم وفق نظما عادلة إذا كانت تريد تطوير القطاع العام وتريد أن تأخذ بما اخذت به الدول المتقدمة بأنظمة متكاملة ومحكمة في إدارة الموارد البشرية لا فقط اجتزاء ما يرد في بعض هذه الأنظمة لأن الأخذ بتكاملها ووفق السياق الخاص بكل دولة سيعود بالنفع على المؤسسات وعلى الدولة، وبالتالي زيادةالمشاركة والإنتاجية في العملالمؤسسي إذا كنا نسعى لتنمية بشرية حقيقية في وطننا.