ولاية سنّار.. موطن أول دولة إسلامية في السودان

ولاية سودانية، تقع في جنوب شرق البلاد، كانت مهدا لأول دولة إسلامية موحدة في السودان، وقد شكلت الأساس الذي قامت عليه الجمهورية الحديثة، حيث مثلت نموذجا مميزا ومبكرا للوحدة الوطنية السياسية والاجتماعية، وكانت منارة للعلم والثقافة في أفريقيا، مما جعلها مؤهلة للتتويج عاصمةً للثقافة الإسلامية عام 2017.

تتمتع سنّار بموقع إستراتيجي مهم، فهي تمثل حلقة وصل بين وسط السودان وشرقه، وتربط بين عدد من المدن الإستراتيجية في شرق وغرب البلاد وجنوبها، وهي واحدة من أكبر المراكز التجارية ومن أغنى المناطق بالبلاد، وتضم مشاريع إنتاجية كبرى، مثل مشروع السوكي الزراعي.

تعيش الولاية أوضاعا إنسانية مأساوية، منذ نهاية يونيو/حزيران 2024، بسبب المعارك الدامية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حيث نزح أكثر من 55 ألفا و400 شخص، في ظل ظروف تنعدم فيها مقومات الحياة الأساسية من المأكل والمشرب والمأوى، وأحوال جوية حرجة.

الموقع والجغرافيا
تقع ولاية سنّار جنوب شرق السودان، في قلب الحزام الطيني الذي يغطي وسط البلاد. وتحدها من الشمال ولاية الجزيرة، ومن الجنوب ولاية النيل الأزرق، ومن الشرق ولاية القضارف وجزء من الخط الحدودي الفاصل بين السودان وإثيوبيا، ومن الغرب ولاية النيل الأبيض، وولاية أعالي النيل التابعة لدولة جنوب السودان.

وتغطي سطح الولاية سهول منبسطة وشبه منبسطة تنحدر قليلا نحو الشمال، وتمتاز في غالبها بسطح مستوٍ، مع وجود تلال وجبال متفرقة مثل: جبال موية وسقدي وكردوس وأبو قرود ولوزي.

وتشغل سنّار مساحة تقدر بـ40 ألفا و680 مترا مربعا، بما يعادل نحو 2.7% من مساحة الدولة، وتقسم إلى 7 محليات (محافظات)، هي: "سنّار" و"سنجة" و"الدندر" و"الدالي والمزموم" و"شرق سنّار" و"السوكي" و"أبو حجار"، وتضم 21 وحدة إدارية، ونحو 1000 قرية. وتشكل مدينة سنجة مركز الولاية وعاصمتها.

خريطة السودان وولاية سنار

المناخ
تتمتع الولاية بمناخ قاري ذي فصلين: صيف حار ممطر وشتاء جاف. وتتميز مناطق الجنوب بمعدلات هطول أعلى، حيث تقع في حزام السافانا الغنية، التي يصل معدل الهطول فيها إلى 600 مليمتر في السنة، في حين تقع المناطق الشمالية في حزام السافانا الفقيرة، التي تتراوح فيها معدلات الهطول بين 300 و400 مليمتر.

أما درجات الحرارة، فتتراوح في الصيف بين 35 و40 درجة مئوية في أعلى معدلاتها، وتبلغ في الشتاء ما بين 20 و25 درجة مئوية.

الأهمية
تتمتع سنّار بموقع إستراتيجي مهم، فهي عبارة عن حلقة وصل بين وسط السودان وشرقه، وتربط بين عدد من المدن الإستراتيجية في شرق وغرب البلاد وجنوبها، كما تشكل عمقا مهما لمناطق ولايات كردفان، إذ تصلها مع موانئ البحر الأحمر. وإلى جانب ذلك، تضم أبرز نقطة تقاطع لخطوط السكك الحديدية في السودان.

 
وتعد سنّار منطقة حيوية اقتصاديا، فهي واحدة من أكبر المراكز التجارية ومن أغنى المناطق بالبلاد، حيث تضم مشاريع إنتاجية كبرى، مثل مشروع السوكي الزراعي.

وتضم كذلك خزاني الروصيرص وسنّار اللذين يسهمان بنحو 52% من الإمداد الكهربائي للبلاد، ويرتكز عليهما مشروع الجزيرة الزراعي، الذي يمتد على مساحة تبلغ 2.3 مليون فدان.

التسمية
اختلف في أصل اسم "سنّار" ومعناه، فرأى بعض العلماء أن أصله نوبي من كلمة "إسينّارتى" أي جزيرة الماء، وقيل إن الكلمة تعني عاصفة المطر، لوقوع المنطقة في النطاق المداري المطير.

إعلان

ويرى البعض أن أصل التسمية عربي، وأن المنطقة كانت قرية لتعليم القرآن، ولفظ "سنار" مركب من لفظين: سن ونار، نسبة إلى النيران التي كانت تُشعل لتضيء حلقات تعليم القرآن في القرية ليلا. ويرى آخرون، أن الاسم لامرأة كانت أول من سكن المنطقة، فنسبت إليها.


السكان
يبلغ عدد سكان ولاية سنّار 1.4 مليون نسمة، وتتكون من شريحة وافرة من المجموعات الإثنية، التي وفدت إلى المنطقة على مدى تاريخها الطويل، وأصبحت جزءا من التركيبة السكانية للمجتمع، وتعود في غالبها إلى أصول عربية ونوبية وأفريقية، ومن هذه الجماعات: الجعليون والشايقية والتعايشة والفور والفلاتة والدينكا والنوير.

وتسكن الولاية حوالي 18 قبيلة رئيسية تتكلم اللغة العربية إضافة إلى لغات ولهجات محلية أخرى مثل: لغة الفونج ولهجات البرتا والأنقسنا والرقاريق والكوسا والبرون والأدوك ولغة الهمج.

التاريخ
عاش الإنسان في منطقة سنّار منذ العصر الحجري، وتشهد الدلائل التاريخية على أن الولاية، وعلى وجه التحديد مدينة سنجة، كانت موطن أقدم المستوطنات البشرية في السودان.

وعلى أرض سنّار عاشت أعراق وأجناس مختلفة، وازدهرت حضارات عديدة، فمنذ عصور ما قبل التاريخ، نشأت على أراضيها حضارة مملكة مروي، واستمرت حتى انهيارها في القرن الرابع الميلادي.

وعلى أنقاض مروي قامت مملكة علوة المسيحية، التي حكمت من شلال النيل الرابع وحتى أعالي سنّار، وكانت عاصمتها سوبا على النيل الأزرق.

وكانت مملكة علوة إحدى الممالك المسيحية الثلاث التي حكمت السودان سياسيا وروحيا منذ منتصف القرن السادس الميلادي، واستمر حكمها على مدى 10 قرون.


 دولة سنّار
بدأ الإسلام ينتشر في وسط السودان، بفضل العرب الذين أخذوا يستقرون في المنطقة، ويرتبطون بأهلها عبر وشائج المصاهرة والنسب.

وبحلول مطلع القرن السادس عشر، كون العرب في وسط وشمال السودان بقيادة عبد الله جماع، رئيس قبيلة العبدلاب، تحالفا مع الفونج من مناطق النيل الأزرق، بقيادة عمارة بن الملك عدلان، المعروف بـ"عمارة دنقس"، واستطاع التحالف إسقاط مملكة علوة المسيحية، وإقامة مملكة سنار في عام 1504.

وكانت مملكة سنّار أول دولة إسلامية في السودان، استمرت أكثر من 3 قرون. واعتُبرت النموذج الذي قامت عليه الدولة السودانية الحديثة، وكانت أراضيها تغطي مساحة جمهورية السودان، عدا بعض الأجزاء من دارفور، واعتمدت المملكة نظام الحكم اللامركزي في بعض فتراتها.

وقد أُطلق على المملكة أيضا اسم سلطنة الفونج أو السلطنة السنارية أو السلطنة الزرقاء، لسواد بشرة سكانها، وهو سواد أشبه بالأزرق. وكان أهلها يعرفون بالسنَّارية وربما وصفوا بالسنانير.

وقد انصهرت الأعراق والأجناس والثقافات المختلفة التي تألف منها المجتمع في بوتقة واحدة، لتكوين نسيج متآلف يجمع معظمه الانتماء للإسلام، واستطاعت المملكة تقديم إسهامات حضارية وثقافية، وازدهرت البلاد اقتصاديا وتجاريا، وبلغ التطور ذروته في عهد الملك بادي الرابع، حيث امتدت قوافل سنّار التجارية إلى الهند، ووصلت إلى أجزاء واسعة من الجزيرة العربية وأفريقيا.

وعلاوة على ذلك، أصبحت المملكة منارة للعلم والثقافة، ومركزا لنشر الإسلام وتعليم اللغة العربية. وخلال العصر السنّاري ازدهرت الصوفية، وانتشرت "الكتاتيب" التي أقامتها الجماعات الصوفية لتدريس القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية.

وفي أواخر عهد الدولة، بدأت الخلافات والفتن الداخلية تدب بين القبائل، وتصاعد النزاع، وبرزت بعض التمردات، مما أدى إلى إضعاف الحكم. وفي عام 1821، انهارت الدولة تماما على يد محمد علي باشا حاكم مصر، الموكل من قبل الدولة العثمانية، وباتت المنطقة تابعة للدولة المصرية. وفي هذه الحقبة أصبحت الخرطوم عاصمة السودان بدلا من مدينة سنّار.


الدولة المهدية والحكم الثنائي
قامت الثورة المهدية في السودان عام 1821، وبقيت في صراع مع السلطات حتى استطاعت إسقاط الحكم المصري في البلاد عام 1885، وفي عام 1887، قامت قبائل رفاعة الهوي بحركة تمرد ضد الحكم المهدي، الذي قمع التمرد وأخضع المنطقة من جديد.

وفي عام 1899 أسقطت مصر ـ بالاتفاق مع بريطانياـ الدولة المهدية، وأصبح السودان تحت إدارة الحكم الثنائي المصري-البريطاني. وفي هذه الفترة انتعشت منطقة سنّار، وشملتها العديد من التحسينات.

وكان بناء خزان سنّار عام 1925 من أهم الإنجازات، حيث تم تشييد سد على مجرى النيل الأزرق، يعمل على خدمة المشاريع الزراعية. ومن المشاريع المهمة أيضا إقامة خطوط السكك الحديدية، التي تربط مواقع الإنتاج بميناء بورتسودان، وهو ما أسهم في جعل المنطقة مركزا زراعيا وتجاريا حيويا.

كما شهدت المنطقة في الأربعينيات والخمسينيات نهضة عمرانية، وشُيدت المرافق العامة والمنشآت الخدمية والتعليمية والصحية، وأصبحت سنّار مركزا للعديد من المصالح الحكومية.

النزاع المسلح عام 2023
في عام 1956 حصلت جمهورية السودان على الاستقلال، وكانت سنّار ضمن حدودها الوطنية، وفي عام 1974، أعادت الحكومة تقسيم الولايات الوسطى، وأصبحت سنّار ولاية عاصمتها مدينة سنجة.

وبقيت الولاية منذ الاستقلال في منأى عن الصراعات والحروب الأهلية التي عصفت بولايات أخرى في البلاد، وكانت آخر مرة تعرضت فيها الولاية لهجوم مسلح في عام 1899، أثناء الغزو الإنجليزي-المصري.


 غير أن الاضطرابات التي بدأت في أواخر عام 2018، والتطورات التي تلتها وانتهت بنزاع مسلح في أبريل/نيسان 2023، بين القوات المسلحة السودانية بقيادة رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، أثرت على كافة أنحاء البلاد، بما فيها ولاية سنّار.

وبعد عام ونصف تقريبا من بدء الاشتباكات، وبالتحديد مع نهاية يونيو/حزيران 2024، بدأت قوات الدعم السريع محاولات للسيطرة على سنّار المدينة إلا إنها فشلت في ذلك فتحولت عبر طريق التفافي يمر بجبل موية غرب المدينة واستطاعت الوصول إلى سنجة عاصمة ولاية سنار ومركزها الإداري وبعد عدة معارك استطاعت السيطرة على أجزاء منها.

وكان الهدف من هذه الخطوة هو عزل ولاية سنار عن النيل الأبيض وشرق السودان وموانئ البحر الأحمر، وقطع طرق الإمداد عن القوات المسلحة عبر تلك المناطق، وتضييق الخناق على الفرق العسكرية الرئيسية في ولايات وسط السودان وهي النيل الأزرق والنيل الأبيض.

كما تطمح قوات الدعم السريع عبر الاستيلاء على سنجة للوصول إلى الحدود مع كل من جمهورية جنوب السودان وإثيوبيا، مما يضمن لها تدفق الجنود المرتزقة من الدولتين، والحصول على الدعم اللوجستي عبر الجنوب.

وأسفرت المعارك الدامية في مدينة سنجة ومحيطها، عن حالة من الهلع الشديد أصابت سكان المنطقة، ودفعتهم للفرار من بيوتهم.

ووفقا لبيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الصادرة في بداية شهر يوليو/تموز من العام نفسه، فإن أكثر من 55 ألفا و400 شخص فروا من مدينة سنجة ومناطق أخرى في ولاية سنّار.

وذكرت البيانات نفسها، أن التقارير أفادت بأن عناصر من قوات الدعم السريع، نهبوا المنازل والمتاجر واحتلوا المباني الحكومية والسوق الرئيسي في مدينة سنجة.

وقد اتهمت وزارة الخارجية السودانية، قوات الدعم السريع بارتكاب مجزرة في ولاية سنّار، أدت إلى مقتل 40 مدنيا، وقالت إن هذه القوات حولت مستشفى سنجة إلى ثكنة تنطلق منها هجماتها العسكرية.


الاقتصاد
يعتبر قطاع الزراعة من أهم مقومات الاقتصاد في ولاية سنّار، وقد أسهم في ازدهار هذا القطاع توفر الموارد الطبيعية، إذ تضم الولاية مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، والتي تشكل نحو 62% من المساحة الكلية للولاية، و3% من مساحة الأراضي الزراعية في عموم البلاد، إضافة إلى وفرة المياه التي يتم الحصول عليها من مصادر عديدة، كالأنهار والمياه الجوفية والأمطار.

ومن أهم المحاصيل الزراعية: القطن والفول السوداني والذرة والسمسم والدخن والصمغ العربي وزهرة الشمس، وهذه المحاصيل تسهم كذلك في التجارة ودعم الدخل القومي. كما تنتج سنّار العديد من أنواع الخضراوات والفواكه، وخصوصا الاستوائية، مثل: الموز والمانجو.

ويشكل الإنتاج الحيواني مصدر دخل لكثير من السكان، وتضم الولاية مساحات كبيرة من المراعي والغابات، فهي موطن لأكبر الغابات في السودان، وتشكل أكثر من 80% من مساحات غابات البلاد، ويعمل السكان في تربية الأبقار والأغنام والماعز، كما يعيش كثيرون على صيد الأسماك.

وتمثل الصناعة أحد النشاطات الاقتصادية الحيوية، والتي تعتمد في إنتاجها إلى حد بعيد على المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، مثل صناعة الأغذية والنسيج. ويرتبط النشاط التجاري بتسويق المحاصيل الزراعية، والصناعات التي ترتكز عليها.

ويعمل العديد من السكان، في الوظائف الحكومية وقطاع الخدمات، مثل قطاع التعليم والصحة والسكك الحديدية ومحطات الكهرباء والمياه ومراكز الشرطة.

وقد سببت المواجهات العسكرية التي ضربت عمق الولاية، اضطرابا في النشاط الاقتصادي، وعطلت الصادرات إلى المناطق الأخرى من البلاد.


المعالم البارزة
تتميز ولاية سنّار بمقومات ثقافية وإرث حضاري ودور تاريخي وديني مميز، لذلك تم اختيارها من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2017. وعلاوة على ذلك، تتمتع بمقومات طبيعية فريدة. وتضم الولاية عددا من المعالم التاريخية والطبيعية، أبرزها:

أطلال مجمع قصر السلطان: ويعود القصر ومحيطه إلى عصر مملكة سنّار، وهو عبارة عن موقع أثري مهدم، وقد ذكرت المخطوطات أن القصر كان عبارة عن بناء فسيح متعدد الطبقات، ومزين بالنقوش والزخارف، وله مرافق كثيرة، منها: المسجد الكبير ومباني إدارة الدولة ومساكن الطلبة وحوش النساء.
محمية الدندر الوطنية: تقع على جانبي نهري الدندر والرهد، قرب الحدود مع إثيوبيا، تأسست عام 1935، وتعتبر أكبر محمية طبيعية في أفريقيا، وتشغل مساحة تبلغ 10 آلاف كيلومتر مربع، وتوجد بها عشرات الممرات والبرك المائية، وتتميز بتنوع حيوي ونباتي فريد، وتضم غابات كثيفة، تشتمل على نحو 176 نوعا من الأشجار والأعشاب النباتية والعطرية. وتعد المحمية واحدة من عشر محميات عالمية مصنفة من محميات المحيط الحيوي، لاحتوائها على أندر سلالات الحيوانات والطيور، وتضم 3 أنظمة بيئية مختلفة، جعلت منها موطنا لـ27 نوعا كبيرا من الثديات، وأكثر من 160 نوعا من الطيور، و32 نوعا من الأسماك، والعديد من أنواع الزواحف والبرمائيات.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية