إلى اي مستوى حربي وصلت اليه المقاومة في غزة وحزب الله في جنوب لبنان ؟
كتب العميد الركن المتقاعد صالح الشرّاب العبادي -
للحرب مراحل وكل مرحلة لها مراحل فرعية حتى تصل كل مرحلة رئيسة الى نهاية مستوى الحرب لتنتقل إلى المستوى الثاني والثالث والرابع ، والمستوى الرابع هو آخر مستويات الحرب ..
إذا من هذه المقدمة نستنتج ان للحروب اربعة مستويات ..
المستوى الاول : يتكون من عدة مراحل فرعية عديدة وهو مستمر حتى من خلال الوصول الى اعلى مستويات الحرب ..
ويسمى هذا المستوى ( الحرب الاستخباراتية ) او ( حرب المعلومات ) او ( حرب التجسس ) وهذه الحرب تعيشها معظم الدول وهو مستوى حتمي وضروري جداً لمعظم الدول سواءاً عدوة او غير عدوة ..حدودية او حدودية الحدودية ..
هذه الحرب مستمرة لا تتوقف ، فلكل دولة بنك معلومات كامل عن الدول العدوة او الجارة او الحدودية ، او حدودية الحدودية ..معلومات عن التسليح والتدريب والإعداد والتخطيط والتنظيم والتقيم والتحديث ، التاهيل، الاستعدادات ، التحركات العسكرية، المناورات ، العقيدة القتالية ، تجمع القوات ، معلومات عن القوات المسلحة البرية والبحرية والجوية، أنواع الأسلحة ومدياتها ، المطارات ، الاستعدادات للحروب غير التقليدية، الكيماوية والجرثومية والذرية …
معلومات عن الحاضنات الشعبية ، المعارضة ، الولاء ، الانتماء ..
إذا هي كم هائل من المعلومات .. تتطور ويتم تحديثها باستمرار .. لتكون على آخر إحداثية ، الهدف بناء الخطط لخدمة كل مستويات ومراحل الحرب اللاحقة .. وخاصة المرحلة الرابعة ..
حرب الاستخبارات او المعلومات تتعامل به جميع الدول وتهتم به جميع القوات المسلحة في اي دولة ، مخابرات واستخبارات تلك الدول والجماعات المسلحة والمقاومة اياً كان نوعها .. تستخدم في هذه المرحلة كل الامكانيات المتاحة ، البشرية والتكنولوجية والفضائية السبيرانبة .. ومقياس هذا المستوى يكون بحجم المعلومات المتوفر الحقيقي عن اي دولة ودرجة حجب تلك المعلومات والقدرة على حجبها ضد الدول الأخرى .. والقدرة والسرعة في التحول إلى المستوى الثاني بكفاءة ..علماً انها متداخلة ليكون رد الفعل جاهز ..
المستوى الثاني : مرحلة التمويه والتخفية والتستر والخداع ، والإقناع وحرب إخفاء النوايا بغض النظر عن العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، فهذه تعتبر حرب الذكاء والإقناع ان لا يوجد اي عداء او السماح للاطلاع على معلومات وهمية او مغلوطة مقصودة او تمويهية او مغلوطة ذات مصداقية تجعل الطرف الثاني يبنى خططه وتصرفاته بناءاً عليها ، التخفية تحت الارض وفوق الارض وعدم الإفصاح عن العدد الحقيقي للقوات والاسلحة.. إضافة إلى التخطيط من اجل عمليات الدفاع المشترك من اجل حسن النوايا .. ومع كل ذلك فان إخفاء الخطط المستقبلية والخطط العملياتية وخطط الدعم اللوجيستي والطرق البديلة وبعض أنواع التدريب الخاص هو احد مراحل هذا المستوى.. وفروع هذا المستوى يمكن أن يكون كلي جمعي .. او فرعي خاص .. حسب المهمة المطلوبة.. مثل إخفاء التحركات العسكرية، وإخفاء التحصينات العسكرية..
المستوى الثالث : الاستطلاع بالنار ، والقصف العشوائي والمتبادل ، وعمليات الاختراقات السرية المخفية ، وارسال الدوريات الاستطلاعية ،حرب الاغتيالات والقنص للقادة ، والفعل ورد الفعل ، بالنار والمسيرات والاستطلاع الميداني والقصف الجوي والبري والبحري.. والرد بالمثل على هذا القصف او يزيد ..
هذا المستوى ، من اهم المستويات حيث إنه مؤشر ومقياس لقوة الجيش وقدرته ، ومقياس حدود القصف .. تبنى عليه خطة المعركة ومدى تقدمها ..
هذا المستوى القصف المتبادل يهدف الى :
تدمير التحصينات، تدمير مراكز القيادة والسيطرة، تدمير طرق التزويد والإخلاء ، تدمير المنشآت الحيوية التي من الممكن ان تخدم العمليات العسكرية للعدو ..
تهجير السكان على حدود المعركة لتحميل الأعباء على الدول العدوة .. قصف الموانىء وتحييد الدعم عبر الحدود البرية والبحرية والجوية..
في هذا المستوى، تبدأ عمليات إحصاء الخسائر البشرية والمادية من جراء القصف المتبادل والاختراقات .. وهي مرحلة حاسمة قد تستمر لفترات طويلة وهي تهيئ للمستوى الرابع .. ..
المستوى الرابع : وهو مستوى التلاحم والتصادم والمواجهة والقتال المباشر ..حيث يتم استخدام كافة أنواع الأسلحة المتوفرة في القتال مع استخدام صفحات الحرب جميعها .. ( هجوم ، دفاع ، انسحاب ، اعاقة .. ) مع استمرار حرب الاستخبارات الميدانية ( المستوى الاول ) ( والمستوى الثاني ) والتي تخدم جميعها مستوى التلاحم والمواجهة ..وتوجيه كل الجهود من اجل نجاح المستوى الرابع .
بالمحصلة يجب ان يكون تراكم مستويات الحرب الثلاث تصب جميعها لدعم وإسناد القوات على الارض في حالة التلاحم وتخدم القوات المتحاربة والمتحركة..وحماية طرق التزويد اللوجيستية ، والحفاظ على معنويات الجنود ..ومعرفة استخدام الأسلحة حسب المديات المؤثرة، وكذلك يستمر المستوى الثاني فعال في التخفية من القوات الأرضية والتستر من القوات الجوية وحرب الإعلام الحربي والاستخباراتي المستمر .. والذي يجب ان يتماهى مع المعارك على الارض ..
في واقعنا العربي الاقليمي .،
فان المستوى الاول والثاني تقوم به معظم دول الاقليم بدون استثناء، وتتوسع مراحله وتتقدم حسب طبيعة الدول والعلاقات والظروف الحربية والسياسية… وهو ضروري جداً للتحضير لاي مستوى من الحرب المنتظرة ..والمحتملة .. وتبنى الخطط العسكرية على تلك المعلومات وخاصة المعلومات الموثوقة..
اما المستوى الثالث : فقد وصلت له كلاً من التنظيمات العسكرية مثل ( حزب الله في لبنان ) و ( الحوثيين ) في اليمن .. وبعض التنظيمات المسلحة في العراق والتي حاولت الوصول إلى هذا المستوى في بعض المواقف .. وقد كان لايران اثناء محاولة قصف ( اسرائيل) من خلال الهجوم عليها بالمسيرات مرحلة موقتة للوصول إلى هذا المستوى الثالث وهو القصف المتبادل ) ثم ما لبثت ان عادت الى المستوى الثاني ..
فتنظيم حزب الله في جنوب لبنان.. هو الان يعيش المرحلة الاخيرة للمستوى الثالث وهو في مرحلة الإنتقال إلى المستوى الرابع .. المواجهة المباشرة والالتحام مع قوات الاحتلال الإسرائيلي .. من هنا يسعى العالم وخاصة الدول المؤثرة الى وقف جماح الحرب .. والوقوف على حافتها ..
اما المقاومة في غزة ، فقد استنفذت كل هذه المستويات وهي الان في مرحلة الالتحام المباشر مع قوات الاحتلال الإسرائيلي .. وهي تخطت هذه المراحل مرحلة مرحلة .. وقد كانت قد ابدعت بالفعل في المستوى الاول والثاني، فقد اخفت كل مراحل حرب الاستخبارات والمعلومات الاستخباراتية وعمليات التمويه والتخفية والتستر والاستعدادات السرية وإيهام العدو بالسكون والرضا بالواقع ..حتى تمكنت من الوصول الى المستوى الثالث وهو حرب القصف والاختراق لأقوى حواجز مادية وتكنولوجية وبصرية وبشرية ..
ومن ثم استعدت الى المستوى الرابع وهو حرب المواجهة المباشرة والالتحام مع قوات العدو الاسرائيلي .. وهي ما زالت مستمرة في عمليات المواجهة العسكرية..
علاوة على الاستمرار في حرب الاستخبارات وحرب التخفية والتمويه والتستر .. وهذا ما يعطي المقاومة ميزة الحسم والنصر المتتالي والتفوق النوعي بالرغم انه يواجه اعتى قوة عسكرية عالمية مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بشكل منقطع النظير ..
* الكاتب محلل وباحث في الشؤون السياسية والعسكرية.