فيْ ذِكْرى الهِجْرَة " إِنّيْ عَزَمْتُ على الرَّحيْلِ مُهاجِرا "

 
 
إِنّيْ عَزَمْتُ على الرَّحيْلِ مُهاجِرا
كالدَّمعِ يَهجُرُ مِنْ أَسـاهُ مَحاجِرا

وَالدَّمعُ وَهجٌ في الفُؤادِ إِذا اكْتَوى
فَيَفيضُ مِنْ وَجَعِ المَشاعِرِ ثائِرا

وَلَطالَما الشُّعَراءُ دَمْعُ عُيونِهِمْ
جَرَحَ المآقيَ فَاستَحالَ مَحابِرا

تَرويْ ظَمـا أَقلامِهِمْ بِمِدادِهـا
فَتَرى القَوافيَ في القَصيْدِ جَواهِرا

أَو يَستَحيلُ الحَرفُ رُمْحاً راعِفاً
فَتَرى القوافيَ وَالرَّوِيَّ عَساكِرا

فَلتَعذُرينيْ يا بِلاديْ إِنْ جَرى
دَمعيْ عَلَيكِ فَسالَ حِبْراً وافِرا

وَلتَعذُرينيْ إِنْ رَحَلتُ مُقاتِلاً
حتّى أَعودَ إِلى وِصالِكِ ظافِرا

أَو فَاكتُبينيْ فيْ عِدادِ الراحليْنَ
الجاعِليْنَ مِنَ الضَّياعِ مَقابِرا

أَنا لا أُطيقَ الأَسرَ حَتّى لَوْ بِعَيْـ
ـنِكِ كانَ أَسريْ بالصَّبابَةِ زاخِرا

إِنَّ الهَوى رِقٌّ وَسِجنٌ موحِشٌ
إِنْ كانَ قَد عَشِقَ الأَسيرُ الآسِرا

حُرِّيَّتيْ هِيَ أَنْ أُحِبَّكِ مِثلَما
أَحبَبتِنيْ لا خادِعاً أَو غادِرا

لا كاللَذينَ يَرَونَ ثَوبَكِ مَغنَماً
وَسَوادَ شَعرِكِ وَالعُيونَ مَتاجِرا

وَيَرَونَ أَنَّكِ يا بِلاديْ مُلكَهُمْ
وَيَرَونَنا عُبدانَهمْ وَنَواطِرا

لَمْ يُبقِ خَيْراً في البِلادِ فَسادُهُمْ
أَنّى اتَجَهْتَ تَرى شَقاءً ظاهِرا

فَقرٌ وَجُوعٌ والبَطالَةُ قَد طَغَتْ
والبُؤسُ أَنشَبَ في الوُجوهِ أَظافِرا

قَد أَثقَلوا دَيْنَ البِلادِ بِمكرِهِمْ
وَالنَّجمُ يَسمَعُ لِلبطونِ قَراقِرا

مَلَأوا البِلادَ قَواعِداً لِعَدُونا
وَيُطِلُّ وَغدٌ بِالهَوانِ مُفاخِرا

ماذا أَقولُ وَهَلْ لِقولٍ عائِدٌ
إِلّا بِحُكمِ الجائِريْنَ جَرائِرا

قانونُهُمْ أنَّ الّذيْ يَشكو الأَسى
يُؤتى بِهِ لِلسِجنِ حالاً صاغِرا

لا يَملِكُ المَظلومُ إلّا أَنْ يَكونَ
مُسَبِّحـاً لِلظالميـنَ وَشاكِرا

لكِنَّنيْ تَأَبى عَليَّ كَرامَتيْ
أَنْ أَنحَنيْ أَو أَنْ أُوالِيَ جائِرا

دِيْنيْ وَمِيراثُ الجُدودِ وَفِطرَتيْ
كالباسِقـاتِ مِنَ الجِبـالِ مآثرا

أَحنيْ جَناحي لِلضَعيفِ تَواضُعاً
وأَطيْرُ فَوقَ الحاقِديْنَ مُفاخِرا

يا مَوطِنيْ لا تَبتَئِس مِن هِجرَتيْ
إِنّيْ إِليكَ أَغيبُ فيكَ مُهاجِرا

أَنا فيْ فُوادِكَ لا أُغادِرُ ساعَةً
إِنْ كانَ وَجهيْ غائِباً أَو حاضِرا

ومَعيْ سأَحمِلُ مُقلَتيْكَ وَهُدبَها
أَنَّىْ حَلَلْتُ قَصائِداً وَمَنابِرا

أُردُنُّ وَيْحيْ إِنْ سَلَوتُكَ ساعَةً
يا أَوَّلاً حَتّى المَماتِ وَآخِرا