الهجرة النبوية الشريفة: تراث الإيمان والوحدة
كتبت : د.زينة حمدان الفحماوي
بينما نحتفل ببداية العام الهجري، فإننا نتأمل في أحد أهم الأحداث في التاريخ الإسلامي - هجرة النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى المدينة المنورة. لم تكن هذه الرحلة الضخمة بمثابة بداية التقويم الإسلامي فحسب، بل أرست أيضًا الأساس لتأسيس أول دولة إسلامية.
كانت الهجرة ردًا على الاضطهاد المتزايد الذي واجهه المسلمون في مكة. حيث قرر سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) ، مسترشداً بالوحي الإلهي، الهجرة إلى المدينة المنورة، وهي المدينة التي كانت تعرف آنذاك باسم يثرب. ولم تكن هذه الهجرة مجرد هروب من الاضطهاد، بل كانت خطوة استراتيجية لإنشاء مجتمع يمكن أن تزدهر فيه مبادئ الإسلام بحرية، وفي هذه المرحلة الحرجة، أظهر الأنصار، سكان المدينة المنورة، كرمًا ودعمًا لا مثيل لهما.
كان وصول النبي سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة المنورة بمثابة بداية عهد جديد. أصبحت المدينة مركزًا للحكم الإسلامي والتعليم والروحانية. كان دستور المدينة المنورة، الذي تمت صياغته بتوجيه من النبي، بمثابة وثيقة رائدة أنشأت إطارًا لمجتمع تعددي، يضمن العدالة والمساواة لجميع سكانها، بغض النظر عن عقيدتهم.
وباعتباري من سلالة جابر الأنصاري، أشعر بارتباط عميق بهذا التراث الغني، إن تراث الأنصار، هو مصدر فخر وإلهام كبيرين. ويعكس سلوكهم المثالي أثناء الهجرة القيم الأساسية للإسلام، وهي الرحمة والتضامن والإيمان الذي لا يتزعزع في مواجهة الشدائد.
ومن المعلوم لدى المؤرخين ان عائلة جابر الأنصاري اعتنقت الإسلام مبكراً، حيث حضر جدنا جابر الانصاري البيعة الثانية في السنة الثالثة عشرة للبعثة عندما كان عمره ست سنوات فقط. حيث كان والد جابر، عبد الله، من بين أوائل من امنوا بالرسالة المحمدية.
لقد تلقى جدانا جابر الانصاري الحب والعناية والرعاية من نبي البشرية محمد (صلى الله عليه وسلم) وكان إخلاص جدنا الصحابي الجليل جابر للنبي واضحا في حياته اللاحقة، حيث أصبح واحدا من أبرز رواة الحديث النبوي، حيث ساهم بحوالي 1500 حديث في العلوم الإسلامية.
وعلى الرغم من أن جابر كان حاضرا أثناء هجرة النبي إلى المدينة المنورة، إلا أنه لم يشارك في معركتي بدر وأحد بسبب إصرار والده على البقاء لرعاية إخوته التسعة. ومع ذلك، بعد استشهاد والده في غزوة بدر، شارك جابر في جميع الحملات العسكرية اللاحقة إلى جانب النبي (صلى الله عليه وسلم). كما شهد بيعة الرضوان الكبيرة، وكان له دور في الفتح الإسلامي للشام، تحت قيادة خالد بن الوليد.
امتدت مساهمات جدنا جابر إلى ما هو أبعد من ساحة المعركة حيث كرّس حياته لتدريس الحديث والإرشاد الديني كمفتي في المدينة المنورة. وجمع فتاويه فيما بعد موسى بن علي بن محمد الأمير في كتاب بعنوان "جابر بن عبد الله وفقهه"، مما عزز إرثه كشخصية رئيسية في العلوم الإسلامية المبكرة.
وباعتباري من نسل هذا الصحابي الجليل ، يشرفني بشدة أن أواصل هذا الإرث. إن بداية العام الهجري هي وقت للتأمل والتجديد، واستخلاص الإلهام من شجاعة وإيمان أسلافنا. الهجرة ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي تذكير بمبادئ الإسلام الثابتة - الرحمة والوحدة والمثابرة.
ونسأل الله أن يجعلنا هذا العام الهجري أقرب إلى هذه القيم، وأن يرشدنا في جهودنا لبناء مجتمع عادل ومتناغم. دعونا نكرم ذكرى هجرة النبي محمد والمساهمات الرائعة للأنصار، لضمان استمرار إرثهم في إلهام الأجيال القادمة.