سلامة يكتب: المعادلة المعقدة في الانتخابات البرلمانية الأردنية!



كتب ايهاب سلامة - 

قانون الانتخاب الذي خصص 41 مقعدًا للأحزاب التي ستخوض الانتخابات النيابية القادمة، قد يضع الحسابات الرسمية أمام نتائج ربما تكون غير متوقعة، ومفاجئة.

فقد حسم القانون مقاعد الفوز بالقوائم الوطنية / الحزبية، والمحلية التي تتمكن من حصد أصوات تتجاوز العتبة الانتخابية فقط، وهذا يعني، أن القوائم الحزبية إلتي لن تبلغ رقم العتبة، ستخرج تلقائيًا من الحسبة الانتخابية، وبالتالي، سيتم تقاسم بقية المقاعد النيابية على القوائم التي تجتازها فقط، وفق حسابات رياضية صرفة.

المعادلة المعقدة، أنه كلما زاد عدد الناخبين، كلما ارتفع رقم العتبة، وهذا يضع الحسابات الرسمية أمام خيارين معقدين، لأن ارتفاع نسبة الاقتراع، مطلب وغاية رسمية، يرفع منسوب الشرعية البرلمانية، ويعطي دلالات على نجاح العملية الانتخابية، لكنها في الوقت ذاته، كلما ارتفعت، ترفع معها رقم العتبة الانتخابية، الأمر الذي يقصي القوائم التي لن تتمكن من الوصول إلى بر أمان العتبة، ويوزع بقية المقاعد الحزبية الـ (41) على القوائم التي تجاوزتها فقط، وهنا قد تكمن المفاجأة.

الإسلاميون من باب الحسابات السياسية الأمينة، ربما هم الأكثر حظًا حينها باغتنام المقاعد البرلمانية التي سيتم توزيعها على القوائم، وستهديها لهم لوغاريتمات قانون الانتخاب على طبق من فضة، إضافة لمقاعد القوائم المحلية التي سيحصدونها، والمقاعد الأخرى، الصديقة والحليفة.

العيون الرسمية التي تراقب المشهد، ربما تدرك أن الرقم الذي ستحصده قوائم الإسلاميين، الوطنية والمحلية والمتحالفة، سيصبح مؤشر قياس، وقراءة دلالية مسبقة، للنسبة المئوية التي سيحصدونها من مقاعد البرلمان ما بعد القادم، الذي رفع عدد المقاعد الحزبية إلى 65 مقعدًا، والذي يليه أيضًا، الذي سيصطبغ كله باللون الحزبي، وهنا يمكن حساب المعادلة بسهولة، عبر قياس النسبة المئوية من حصة الإسلاميين في البرلمان القادم، مع حصصهم في البرلمانيين اللاحقين وفق ذات النسبة المئوية، وربما تتوشح مقاعد البرلمان مرة تلو مرة، بـ"اللون الأخضر"، بمساعدة حسابات كسور وعتبات القانون الانتخابي!

التعويل على قوائم لأحزاب خداج، لم تتشكل ملامحها وهويتها السياسية بعد، ولا حتى برامجها الحزبية، وتواجه ما تواجه من تعقيدات وتحديات داخلية، لضمان معادلة التركيبة البرلمانية الحزبية، كالتعويل على أحزاب معروفة غابرة، حصدت في تسعينيات القرن الماضي مساحة برلمانية شاسعة في دورة واحدة، واختلفت في اليوم التالي على تقاسم الغنائم، فعادت في البرلمان الذي تلاه، بخفي حنين، ولم تحجز سوى مقعدًا واحدًا لأمينها العام، الذي فاز به حينها، بثقله العشائري، وليس الحزبي!

ربما يكون وصول عشر قوائم حزبية على أقل تقدير، إلى مقاعد البرلمان، بتفاوت عددي بشكل مؤكد، هو الرقم الأكثر أريحية لمطبخ الدولة السياسي، لأنها تضمن توزيعًا حزبيًا مريحًا، ومتنوعًا، تحت القبة، ويبعد الحسابات عن "أغلبية مطلقة" أو "نسبية"، لهذا أو ذاك، سيما وأن معالم الحكومة البرلمانية لن يتشكل على أقل تقدير في البرلمانين القادمين.

بعض الأحزاب التي يروج لها إعلاميًا بقدرتها على حصد مقاعد برلمانية، تبالغ في توقعاتها، وتتكىء في حصولها مقاعد برلمانية، على مرشحين بقواعد عشائرية ومناطقية، وليست حزبية، كما أنها واجهت تعقيدات داخلية في تشكيل قوائمها، ولم تستطع إرضاء الطوابير المصطفة على الدور فيها، لحجز مقعد، وهو أمر قد يلقي بظلاله على تلك الأحزاب حالما تضع الانتخابات أوزارها.

تواضع القواعد الشعبية للأحزاب المستجدة المشاركة، وغياب برامجها حتى اللحظة، وافتقادها لقيادات أمامية منظرة مؤثرة، وافتقارها لخطاب سياسي جديد مؤثر، واعتمادها على الخطابات المستهلكة، ومنتهية الصلاحية، غير القادرة على الاستقطاب، يجعلها في أمس الحاجة إلى ترتيب هياكلها الحزبية الداخلية، والتنظيمية، ومأسسة أحزابها، بعيدًا عن الشخصنة، والغايات النفعية المؤقتة، حتى لا تعيد استنساخ أحزاب الـ "one man show" ، التي سبق أن جربت، وفشلت فشلًا ذريعًا.

إن رؤية الدولة الأردنية بعد مئويتها الأولى، التي طرحت مشروع التحديث السياسي، كمشروع وطني جامع، يؤسس أركانًا يبنى عليها المستقبل السياسي للدولة، يضع جميع المشاركين في العملية السياسية، أمام مسؤوليات وطنية تاريخية، تحتم عليهم تغليب مصلحة الدولة، على أية مصالح شخصية وحزبية وفئوية، وإلا سنبقى ندور مع الرحى، ونحرث في الماء، ونعيد إنتاج سيناريوهات سابقة مجربة، بنتائج مأسوفة معلومة!