مروان المعشر يكتب: التحديث السياسي والكاتب احمد حسن الزعبي



كتب مروان المعشر * 

أطلق الملك عبد الله الثاني قبل ثلاث سنوات عملية تحديث سياسي جاءت لتنقل الأردن إلى حالة جديدة تهدف لتطوير نظامه السياسي، بما يضمن المزيد من المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار وعدم تغول سلطة على أخرى. ونتج عن عملية التحديث هذه إقرار قوانين جديدة للأحزاب والانتخابات، من شأنها زيادة التمثيل الحزبي في البلاد تدريجيا، وصولا لحكومات برلمانية تستمد قوتها من ثقة شعبية، تأخذها عن طريق تقديمها لبرامج سياسية تخدم الوطن وتحاكي تطلعات الناس المستقبلية.

من المفهوم أيضأ ان التحديث السياسي، لا يمكن أن يتم في فترة زمنية قصيرة، أو أن يختزل بتغيير بعض القوانين، من دون تغيير «الحالة السياسية» السائدة التي تحكم عقلية البعض من صناع القرار. إن أردنا ترجمة رغبة الملك عبدالله الثاني ترجمة جادة، فهذا يتضمن على سبيل المثال أن تتم عملية قيام ونضوج الأحزاب بشكل عضوي ينبع من القاعدة وينضج بمرور الزمن، حتى نصل للهدف المنشود، من دون تدخل من أي جهة رسمية تحاول التأثير على مجرى هذه العملية. ليس الهدف المنشود هو فقط تغيير قوانين الأحزاب والانتخاب، فيفترض أن هذه القوانين ما هي إلا وسائل لتغيير «الحالة» السياسية، أما أن يصبح تغيير القوانين هدفا بحد ذاته، من دون ان يلازم ذلك تطور العقلية السياسية السائدة، فلن يؤدي ذلك إلى تحقيق الهدف المنشود الذي يطمح إليه الملك، ويطمح اليه أيضا الشعب الأردني، الذي أعرب عنه ليس قبل ثلاث سنوات فقط، ولكن من خلال عدة مبادرات سابقة كالأجندة الوطنية والأوراق النقاشية التي أجهضتها معارضة محافظة لا تريد المس «بالحالة السياسية» التي أعرب النظام على لسان الملك عبدالله رغبته بتطويرها.

يقودني ذلك للحديث عن حبس الكاتب الشعبي أحمد حسن الزعبي بسبب منشور إلكتروني قديم له تضامن فيه مع إضراب شاحنات النقل في معان قبل عدة سنوات. وقد استند النائب العام في قضيته على الزعبي بقانون الجرائم الإلكترونية، الذي يضع عقوبات صارمة على كل من ينشر مادة إلكترونية تعتبر مخالفة له لما جاء فيه. التهمة التي حبس بموجبها الكاتب أحمد حسن الزعبي هي «إثارة النعرات العنصرية والطائفية والحضّ على النزاع بين مكونات الأمة». 

هناك شعور شعبي كبير أن أحمد حسن الزعبي يعاقب اليوم ليس بسبب مثل هذه التهم، ولكن بسبب رأيه السياسي حول موضوع شغل بال الأردنيين والأردنيات في فترة من الفترات. بغض النظر عن أية تبريرات قد تقدمها الدولة من أنها تطبق القانون، أو أنها لا تتدخل في شؤون القضاء، يبدو من الواضح أن قانون الجرائم الإلكترونية نفسه لا يتماهى مع الرغبة الملكية بتحديث سياسي جاد يؤدي إلى مناخ جديد، يترك للناس فيه التعبير عن آرائهم السياسية، من دون تسليط قوانين عليهم لا تمت لهذه الحقبة الجديدة من تاريخ الأردن بصلة، وبما يتفق مع ما قاله الملك عبدالله أن «الاختلاف في الرأي ليس شكلا لانعدام الولاء». 

كان بالإمكان للدولة استبدال عقوبة السجن بغرامة، ولكنها لم تفعل. جل الأردنيين والأردنيات متفقون مع الملك عبدالله حول ضرورة انتقال الأردن في مئويته الثانية نحو نظام سياسي اكثر تشاركية وأكثر انفتاحا. ومن أهم عناصر نظام كهذا ضمان حرية الرأي تطبيقا للمادة الخامسة عشرة من الدستور. لقد حان الوقت لإعادة النظر بقانون الجرائم الإلكترونية، وفي حبس الصحافيين بسبب آرائهم، والأهم ضرورة تغيير العقلية الرسمية السائدة لدى البعض، التي تعامل الصحافيين والصحافيات كأعداء بدلا من شركاء في إعلام الناس بما يجري. هذا ما سيعزز ثقة الناس في التطبيق الأمين لرغبة الملك عبد الله إحداث نقلة نوعية في المناخ السياسي الأردني.


* الكاتب وزير الخارجية الأردني الأسبق

(القدس العربي)