موجة الجدل والقلق: تصريحات سمير الحباشنة وتحديات الديمقراطية في الأردن



في الأيام الماضية ، أثارت تصريحات الوزير الأسبق سمير الحباشنة حول عمليات شراء وبيع المقاعد والأصوات في الانتخابات الأردنية موجة من الجدل والقلق بين الناخبين والمتابعين للشأن العام. حيث أشار الحباشنة إلى أن هذه الظاهرة ليست مجرد شائعات، بل واقع يتجلى فيه بيع المواقع البرلمانية والحزبية بمقابل مادي، مما يعكس تدهوراً في الممارسات الانتخابية والقيم الأخلاقية ، ويهدد بإضعاف الديمقراطية في الأردن.

المشهد السياسي في الأردن يمر بحالة من التوتر والقلق، حيث تعد الانتخابات القادمة في شهر سبتمبر نقطة بارزة في مسيرة الإصلاح السياسي التي دعا إليها الملك عبدالله الثاني، منذ تشكيل لجنة التحديث السياسي وإجراء التعديلات الدستورية وتغييرات على قوانين الانتخاب والأحزاب السياسية. بتخصيصه 41 مقعدًا للأحزاب السياسية، يهدف الملك عبدالله الثاني إلى توسيع هذه النسبة في المستقبل، مما يجعل نصف عدد مقاعد البرلمان مخصصة للأحزاب السياسية، ويسعى من خلال هذا التحرك إلى إعادة هيكلة العمل البرلماني نحو آفاق جديدة، بعيداً عن الطابع الخدمي الذي ساد البرلمان لسنوات وأدى إلى تهميشه وضعفه.

الهدف من هذه الانتخابات ليس تغيير الأشخاص فقط، بل تصحيح الممارسات واستعادة الدور البرلماني والثقة بالمؤسسة البرلمانية كممثل حقيقي لإرادة الشعب الأردني. ونتيجة لذلك، نحن أمام اختبار حاسم للتجربة التي يقودها الملك عبدالله الثاني في سبيل تعزيز الديمقراطية والمشاركة السياسية الفعالة في الأردن.

هذه الخطوات تأتي في سياق تطلعات الملك عبدالله الثاني وتطلعات الشعب الأردني نحو مستقبل أفضل، حيث يبحث الجميع عن تحسينات جوهرية في النظام السياسي تعزز الشفافية وتقلل من الفساد وتعزز دور المؤسسات الديمقراطية. الإصلاحات التي قادها الملك عبدالله الثاني وما تلاها من إجراءات تشريعية تهدف إلى تحقيق هذه الأهداف، وتعتبر الانتخابات القادمة اختباراً حقيقياً لنضوج هذه العملية والتزام السلطات بالمعايير الديمقراطية الدولية.

في ظل تواتر الحديث عن بيع الأصوات الانتخابية والمقاعد في القوائم الانتخابية ، مما يهدد بتقويض شفافية العملية الانتخابية ويضعف مستقبل المؤسسات الديمقراطية في الأردن، تزايدت المخاوف من أن تكون هذه الخطوة مجرد مسرحية تسمح لأصحاب رؤوس الأموال بالسيطرة على القرار السياسي، بدلاً من تعزيز الشفافية والمساءلة العامة، وبتقديري سيكون العزوف عن الانتخابات والمشاركة في الحياة السياسية بشكل عام احد ثمار هذه المسالة .

وبالتالي، كان من الضروري التوقف عند ما قاله الحباشنة، الذي يعتبر أول من أطلق ناقوس الخطر. الرجل ليس أميناً عاماً لحزب لديه قائمة مرشحة للانتخابات تتنافس مع قوائم أحزاب أخرى، ولا هو مرشح شخصياً. لذا، تصريحاته تأتي من حرص واضح على المصلحة الوطنية. هو لا يسعى للظهور بمظهر الإصلاحي أو الترويج لنفسه، خاصة وأنه اشغل أكثر من منصب في السلطتين التشريعية والتنفيذية في الدولة الأردنية ولا يمكن لأحد أن يشكك في وطنيته، فهو يعبر عن انتمائه الأردني بكل فخر وهو يحمل العروبة في قلبه. في هذا السياق، تحذيرات الحباشنة تعبر عن قلق عميق حيال تأثيرات هذه الممارسات على مصداقية العملية الانتخابية ومستقبل المؤسسات الديمقراطية في الأردن.

إن الانتخابات القادمة تمثل اختباراً حقيقياً لالتزام الجميع بالمبادئ الديمقراطية ولنزاهة المؤسسات الانتخابية، وهي فرصة لتعزيز الثقة في النظام السياسي وتحقيق إصلاحات جوهرية تعزز دور البرلمان وتعكس إرادة حقيقية للشعب الأردني.

يجب أن نفهم أن الديمقراطية لا تكون حقيقية إلا إذا كانت الانتخابات حرة ونزيهة وتعبر عن إرادة حقيقية للشعب ، وليس عن بيع وشراء للأصوات والمقاعد. استمرار هذه الممارسات يهدد استقرار الأردن السياسي والاجتماعي، ويزيد من الاستقطاب والتوترات الاجتماعية ، ويفتح الباب أمام التدخلات الخارجية والتأثيرات السلبية على الاستقرار. كما أن هذه الممارسات تعكس نقصاً في الرقابة وفي دور الهيئات الرسمية المعنية بمراقبة الانتخابات، مما يطرح التساؤل عن فعالية هذه الهيئات وعن قدرتها على تأمين بيئة انتخابية نزيهة ومحايدة.

التحدي الذي يواجهه الأردن اليوم يتطلب تحركاً سريعاً وفعّالاً من الجهات المختصة، حيث يجب على الحكومة والهيئة المستقلة للانتخابات والسلطات القضائية أن تتخذ إجراءات حاسمة لمنع هذه الممارسات غير القانونية ولمحاسبة المتورطين فيها بشكل صارم وعادل.

من الواضح أن الحل ليس في إصدار بيانات إعلامية أو تصريحات رسمية فقط، بل يتطلب تحويل الكلمات إلى أفعال عملية وفعّالة، تعيد الثقة إلى العملية الانتخابية وتضمن حق الشعب الأردني في اختيار ممثليه بحرية ومسؤولية. نأمل من جميع الجهات المسؤولة معالجة هذه المسألة مبكراً، فالأردن ليس دولة رخوة تسن القوانين دون تطبيق، وبالتالي يجب تطبيق القانون وردع المخالفين بدون اللجوء إلى التصريحات الاعلامية والشعارات الفارغة. في الأردن، لا يوجد مرشح أهم من وطنه وسمعته، وثقة الشعب ليست سلعة يمكن شراؤها أو بيعها، بل تمثل جزءًا لا يتجزأ من تاريخ وتراث وقيم واصالة الشعب الأردني.

يجب على الأطراف السياسية والمدنية تعزيز الوعي بأهمية النزاهة الانتخابية وتعزيز المشاركة السياسية التي تستند على المبادئ الديمقراطية الحقيقية. العبث بإرادة الناخبين وشراء الأصوات أو بيع المقاعد في القوائم الانتخابية أمر خطير للغاية، حيث إذا نجحت هذه الممارسات فسيؤدي ذلك إلى فقدان قيمة الانتخابات وجوهر الديمقراطية. من يسعى للوصول إلى البرلمان بطرق ملتوية لا يمثل الشعب الأردني ويفتقد إلى الشرعية والمصداقية، ولن يؤدي دوره بالشكل المطلوب في الرقابة والتشريع ومراقبة المال العام ومحاربة الفساد. البرلمان الناتج عن مثل هذه الممارسات لن يكون له أي مشروعية أو احترام أو مصداقية.

لن يكون لدينا مستقبل ديمقراطي قوي ومستقر ما لم نحافظ على نزاهة العملية الانتخابية وما لم نمنع بيع وشراء الأصوات والمقاعد. إن استمرار هذه الممارسات يعرض للخطر الاستقرار السياسي والاجتماعي في الأردن، ويسئ لسمعتنا ويشوه صورتنا في الخارج ، ويجعلنا عرضة للتدخلات والضغوطات الخارجية التي تستهدف استقرارنا.

رسالتي لكل مواطن أردني هي أن الإضرار بمصلحة الأردن في الداخل وسمعته في الخارج هو مسؤولية مشتركة. من يبيع صوته كأمانة اليوم، سيكون مستعداً لبيع المزيد في المستقبل، مما يفرض على الأجيال القادمة ثمناً باهظاً لهذا السلوك الفاسد. وفي ختام الرسالة، نذكر بأن الأردن يرتبط بحدود مع ثلاث دول متأزمة، وقد تشهد المنطقة تحولات كبيرة وتحديات عميقة. لذا، يجب على الأردن أن يكون مستعداً لجميع السيناريوهات بجبهة داخلية قوية ومؤسسات وطنية متينة تتمتع بالشرعية والمصداقية، بما في ذلك البرلمان. نحن نساند جلالة الملك عبدالله الثاني الذي راهن على استقرار البلاد ووعي الشعب، بإجراء الانتخابات النيابية قبل اربع سنوات اثناء جائحة كورونا ، واصدر ارادته بأجراء الانتخابات هذا العام في هذه الفترة الحساسة ، ونحث على كسر ظهر الفساد ومنع المزاوجة غير الشرعية بين الثروة والسلطة.

في الختام، يجب أن نفهم أن ما يحدث اليوم في الانتخابات الأردنية ليس مجرد قضية داخلية بل هو اختبار حقيقي لالتزامنا بالديمقراطية ولقدرتنا على بناء مستقبل يستند إلى الشفافية والنزاهة. على الجميع أن يعمل بروح المسؤولية لحماية هذه القيم ولضمان أن تكون الانتخابات القادمة خطوة إيجابية نحو مستقبل أفضل للأردن ولشعبه.



* الكاتب أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك وخبير دولي في دراسات الديمقراطية وحقوق الانسان