مصممة الأزياء العراقية هناء صادق: الأزياء والحلي العربية وسيلة مقاومة


تعمل الفنانة العربية العراقية هناء صادق على تطوير الزي العربي في قالب عصري، وإلى جانب شهرتها العالمية في تصميم الأزياء العربية، صدر لها عدة كتب عن الوشم، والحنة، وزينة المرأة العربية، وتثمينا لكتابها الأخير (الأزياء والحلي العربية) حصلت على شهادة من جامعة كامبردج (Cambridge) تخولها لتكون محاضرة معتمدة في تاريخ الأزياء وتطورها في كافة أنحاء العالم.

ولدت هناء صادق في بغداد لعائلة عراقية تعشق التراث، وفي أكاديمية الفنون الجميلة تعرفت على رواد الفن التشكيلي العراقي. غادرت العراق عام 1970 لتكمل دراستها بفرنسا في مجال تصميم الأقمشة والرسم بالحرير والسيراميك.

 
خلال رحلاتها الكثيرة للبلدان العربية جمعت نحو 5 آلاف قطعة فضية عربية تعكس مختلف مرجعيات التراث العربي المشرقي والمغربي. و300 قطعة ملابس تعكس خصب التنوع التراثي العربي، تأمل أن يضمها متحف خاص، كما قالت للجزيرة نت في هذا الحوار الخاص:
 
هناك مؤثرات كثيرة تساعد على الإلهام، وأولها أنني حريصة على أن أكون محاطة بعبق التاريخ الأصيل، من أثاث وفراش وموسيقى، وحتى طقوس الطعام، كونها تعطيني الرغبة والدافع للتصميمات العربية، ولكن بروح معاصرة تتماشى مع متطلباتنا الحديثة والملائمة لما تقوم به المرأة من أعمال.

كنت ولا أزال فخورة بارتداء ما يدل على هويتي العربية، ولذا ربما كنت من الرائدات باستخدام تطريز الخط العربي في أكثر تصاميمي، حتى عندما سكنت في باريس.

أتسوق من الدول العربية الشرقية أو الأفريقية، ما يتوفر من الأشغال اليدوية، وأتباهى بما أجمعه من تراث عربي شامل خصوصا ما تصنعه النساء في بلداننا، أزور بتمعن كبير المتاحف في جميع الدول العربية، أقرأ وأبحث كثيرا عن أصول الأزياء والحلي العربية وفلسفتها ومعانيها، وكل هذا يلهمني.

ولا أبوح بسر عندما أقول إنني لا أتصفح مجلات الموضة، ولا أتابع محطات التلفزة المختصة بالأزياء الغربية، ولا اقتني الماركات الأجنبية.
 
العمل على تطوير الزي العربي في قالب عصري، كيف أسهم في نشر تصاميمك؟
يوجد فراغ وتهميش واضح للزي العربي منذ هجمة المدنية الغربية المقنعة بالتقدم، إذ أصبحت النساء العربيات يتباهين بتقليد الغرب، حتى في قصات الشعر والحلي الغربية التي لا تليق بأجوائنا الشرقية ولا تتناسب مع أجسامنا وبشرتنا ونوعية شعرنا.
لهذا استلهمت حضارتنا وروائع فنونها، وسخرت قدراتي لأسد جزءا من هذا الفراغ، عبر تصمم أزياء جميلة وعصرية والأهم لها طابع عربي، وكنت مصممة على النجاح، لأنني امتلك القدرة على المثابرة والتعلم من أخطائي، والتفاني في عملي بعيدا عن التقليد.

كما سعدت بجعل المرأة مساهمة في إثراء الاقتصاد المحلي، والمساهمة برفد دخل الأسرة، من خلال إعطاء فرص عمل للنساء في الحياكة والتطريز.

كيف برزت شهرتك العالمية في تصميم الأزياء العربية؟
منذ البداية سعيت لتنوير المرأة العربية بفنون تراثنا المسروق منذ الأندلس وإعادة الثقة بما هو شرقي. والهدف الثاني هو إبراز الجمال والرقي في عالم الموضة خصوصا أن الصهاينة يتكالبون على إظهارنا "إرهابيين".

 
مسؤوليتي كانت كبيرة لإظهار تصاميم عربية مشبعة بالإبداع والجمال غنية بالجمال العربي. وأقر بأن الغرب لا يقاوم إعجابه بمنتج مبتكر راق ومتقن.

وبالتأكيد المنافسة ليست سهلة في هذا العالم الممتد، خصوصا بدون دعم إعلامي أو رسمي أو مادي. لكن الكفاح والإصرار والإيمان بالنجاح بعد التعب ساعدني على انتزاع الإعجاب والتقدير والوصول إلى العالمية.
 
أحب هذا اللقب، وفعليا أقوم بدور الحارس للموروث حتى آخر نفس، أما كلمة الحسن فهي مناسبة لوصف جمال المرأة العربية شاملة الأنوثة مع الرقة، وأفخر بأن جمال تصاميمي لا ينطفئ فهو "على الموضة" حتى لو مر عليه عشرات السنين.

ارتدت أزياءك ملكات وأميرات وفنانات عربيات وعالميات.. نود منك الإحاطة بأسمائهن؟
أتشرف بذلك، تماما كما أتشرف أيضا أن ترتدي أزيائي شاعرة متميزة أو مخرجة أو كاتبة كمثقفات تليق بهن تصميماتي.
وأنا ممتنة لهن لتقدير مجهودي وحسن اختيارهن لملابس محتشمة وأنثوية، يساعد على إبراز جمالهن.

وبالفعل كثير من أميرات وشيخات الخليج، وملكات وأميرات الأردن اقتنين الكثير من أعمالي، حتى إن الملكة نور الحسين كانت تهدي لضيفاتها المبجلات أثوابا من أعمالي ومنهن ملكة إسبانيا صوفيا.

كما ارتدت تصاميمي مذيعات وممثلات عالميات مثل كلوديا كاردينال، وكذلك ظهرت تصاميمي في مسلسلات تاريخية وبدوية ومنها "مسلسل جواهر"، وعروض مسرحية واستعراضية.. وفي أفلام وصلت إلى مهرجان كان.
 
لنشأتي البغدادية في الزمن الجميل، تأثير كبير وبخاصة أن والدي ووالدتي كانا مثقفين جدا، من طبقة متوسطة تهتم كثيرا بالتعليم، وتؤمن بحرية الإنسان والديمقراطية الأسرية وعلمانا ممارسة حرية الرأي.
وكذلك والدي كان يهوى جمع القطع التراثية لذلك نشأت في بيت يحافظ على الطابع التراثي الراقي -وأنا أكملت المسيرة في بيتي أينما حللت- وكان بيتنا في بغداد يجمع الفنانين والشعراء ومنهم: محمد مهدي الجواهري صديق والدي.. كذلك بعض المغنين ومنهم ياس خضر وحسين نعمة.

لكن اهتمامي الأكبر كان الرسم الذي شجعني عليه البيت والمدرسة (مدرسة راهبات المتقدمة)، حتى زوجي كان متفهما جدا، وترك لي المساحة والوقت الكافي لبحوثي ودراستي في باريس.

كل هذا ساعد في بناء شخصيتي القوية والواثقة مع التزامي بكل واجباتي. حتى عندما سكنت باريس التي أبهرتني من كثرة اهتمامها بالفنون لكنها لم تنسني أبدا أصالتي العربية، ولم أتخل عن ملابسي وحلي ذات الطابع العربي وليس فقط العراقي.

 
حديثنا عن اهتمامك بجمع المقتنيات التراثية ما هي وكيف تعرضينها للجمهور؟ هل تفكرين بوضعها في متحف مثلا؟
هناك الكثير من المقتنيات التراثية ورثتها من أهلي، ولا تزال ترافقني أينما حللت، لأنها فعلا مصدر إلهام لي.

أما ما اقتنيته، فمن خلال الترحال في ربوع الدول العربية أثناء بحوثي من أزياء وحلي فضية لحفظها من الاندثار والسرقة، خصوصا عندما سكنت في الأردن، واكتشفت كيف سرق الصهاينة التراث الفلسطيني من أزياء وحلي ونسبوها لأنفسهم، لكنني والحمد لله أسرعت واقتنيت ما استطعت بحسب إمكانياتي طبعا.

وهذه المجموعة الموثقة والغنية، والتي اقتنيتها من جميع الدول العربية، ربما بعد حين لن أستطيع الاحتفاظ بها، خصوصا أن أولادي يعيشون في الخارج وظروفهم لا تسمح أن يحتفظوا بها، ولذلك بدأت أفتش عمن يهتم لأمرها، متحف أو مكان مهتم، ولديه الإمكانية لتكملة رسالتي، وأنا بدوري سأقوم بمساعدته وأرشفتها ليتحقق حلمي وهو أن يطلع عليها الأجيال القادمة، ليفخروا بهذا الإرث الحضاري المبهر، ويؤمنوا أننا كلنا عرب يجمعنا الدين اللغة والتراث.

جاء كتابك (الأزياء والحلي العربية) بثلاث لغات: عربية وإنجليزية وفرنسية، ما الرسالة التي تبعثينها للعالم؟
هو بحث توضيحي مختصر مع صور عن تقنيات وجذور ومعاني الأزياء والحلي العربية بلا حدود من المغرب إلى اليمن.
تماما كما في الماضي، قبل التقسيم حيث تشترك كل هذه الدول بنفس أنواع النسيج والقصات الفضفاضة لتشابه المناخات الحارة، كما تشترك عند صناعتها بنفس المناسبات الموسمية، والأهم لها نفس مفهوم الأنوثة عند العرب، والتي تختلف كليا عنها عند الغرب.
أما وفرة الحلي فهي ظاهرة مشتركة بين النساء العربيات، بحسب المثل القائل "زينة وخزينة".

صحيح أن فنون التطريز متعددة، وتختلف من بلد لآخر، وأيضا رسومات الحلي تختلف، لكنها تحمل المعاني نفسها.
ولا ننسى أن الحرفيين العرب القدماء كانوا يتنقلون من بلد لآخر من اليمن إلى نجد، أو من العراق لحلب أو مصر، أو من ليبيا للمغرب حسب الفرص المعيشة التفضيلية.
قمت بترجمته إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية للمساعدة بإيصال المعلومات للغرب، وتوثيقها خشية سرقتها لظروف سياسية، كما سرق التطريز الفلسطيني.

ووصل الكتاب إلى جامعات عديدة ومنها كامبردج التي كرمتني بشهادة رفيعة، وكذلك اليونسكو ومنظمات عالمية ومكتبات وطنية في دول عربية عديدة منها: قطر، والبحرين والمغرب، ودبي ولكل من يهتم بالتوثيق.
 
ترفعين شعار محاربة العولمة في الأزياء وفي الفنون كافة، كيف تطبقين هذا الشعار؟
نعم، هذا شعاري دوما، حتى مل مني بعض المقربين، لتعصبي المستميت في محاربة العولمة بكل أطيافها ولا أرى أي حكمة في أن نلبس كلنا رجال ونساء "تي شيرت" (T shirt)، وبنطال جينز وحذاء كاوتشوك للرياضة.. وكلنا نأكل الوجبات السريعة!! لأن الغرب سخر كل إعلامه لتسويق أفكاره والمشكلة أننا غافلون عن تعليم أطفالنا بالمدارس حب تراثنا العربي كله، وليس الإقليمي فقط، وصون آثارنا الغنية وعدم المساس بها وتوعية الأهالي والحكومات بالبيئة النظيفة بدل تلويثها، والوقوف بوجه العولمة الهمجية.
من طرفي أحاول ذلك بما يتاح لي من محاضرات ومقالات وبرامج ومواقع اجتماعية، رغم تقصيري في هذه بالذات.
 
ما دور الأزياء والحلي في ثقافة المقاومة، خصوصا في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة وعموم فلسطين؟
للعلم منذ بدأت عملي في الأزياء أواسط الثمانينيات من القرن الماضي، كنت أسكن عمان، حين اندلعت الانتفاضة الأولى ورأيت أن من واجبي المساهمة في الانتفاضة العربية، وليس الفلسطينية فقط، لأن الخطر يزحف علينا جميعا.

إذن كيف نقاوم؟ تركت الرسم واعتبرته ترفا في هذه الظروف وبدأت المقاطعة والاستغناء، وأيضا توفير المحلي بدل المستورد من أزياء وحلي، وهذا سلاح اقتصادي مؤثر. فأرقام المليارات التي تنفق على الأزياء والحلي والمكياج ومواد الشعر والعطور والحقائب والأحذية وكريمات التجميل، صادمة جدا. ونشرت كثيرا من البدائل تحت اسم "زينة المرأة العربية في الأمس القريب".

واليوم نحن أحوج ما نكون للمقاطعة والاستغناء بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، وربما هذا هو كل ما نستطيع عمله لمساعدة إخواننا هناك، وهو أضعف الإيمان، لما يقاسيه شعبنا المنكوب، والأهم أنه وسيلة لحفظ كرامتنا ضد المحتل الصهيوني والغرب اللاإنساني.

المصدر : الجزيرة