جريمة المواصي.. من يحمي الفلسطينيين؟
لم يكن هجوم السابع من أكتوبر مجرد هجوم ناجح من الناحية العسكرية والإستراتيجية بل حمل في طياته بعداً خطيراً بالنسبة لدولة الاحتلال لا يمكن أن تتساهل فيه أو تمرّ عليه مرور الكرام، فبالإضافة إلى النتائج العسكرية والسياسية لذلك الهجوم كان له أثر إستراتيجي كبير، لقد زعزع وبشكل كبير فكرة إسرائيل القلعة الحامية لكل يهود العالم وأنها قادرة بفعل ما لديها من قوة عسكرية وتقنية ونووية أن تؤمّن لكل اليهود الاستقرار والأمن والحماية، لقد مزق الطوفان هذا القول وجعل فكرته هشةً وغير مقنعة للكثير من اليهود في إسرائيل والعالم على حدٍ سواء، وخلخلة هذا المفهوم الذي حاولت إسرائيل بناءه على مدى عقود جعلها في مأزق كبير، وكان سؤالها وسؤال قادتها العريض عن الكيفية التي يمكن بواسطتها إعادة ترميم مفهوم القلعة أو ربماء بناء قلعة أخرى وبمفهوم جديد يخرجها من هذا المأزق.
ليس لدى قادة دولة الاحتلال أمام هذا المأزق سوى العودة إلى مفاهيم القادة المؤسسين وأهمهم زئيف جابوتنسكي مؤسس الحركة الصهيونية القومية وأهم أعلامه مناحيم بيجن الابن البار عقائدياً له ومؤسس حزب حيروت والذي تحول لاحقاً إلى حزب الليكود وأبرز قادته نتنياهو، هذا الجابوتنسكي كتب مقالاً في العام 1923 تحت عنوان الجدار الحديدي (نحن والعرب) قال فيه لو كنت عربياً لقاومت الاستيطان اليهودي وحينها لم تكن (دولة إسرائيل) قد قامت وأضاف قائلاً (وحتى نكسر هذه المقاومة يجب أن ننهيها كفكرة أي لا يجب على الفلسطيني أن يفكر بها مجرد تفكير، وهذا لن يكون إلا باستخدام القوة المفرطة غاية الإفراط كأن تقتل نملة بقنبلة، مثل هذه القوة هي الوحيدة القادرة على إنهاء وقتل فكرة المقاومة لدى الفلسطيني وهذا ما أطلق عليه الجدار الحديدي)، وفعلاً طبقت الحركة الاستيطانية الصهيونية كل مفاهيم جابوتنسكي والتي أدت إلى المجازر الكبرى ضد الفلسطينيين في بداية تأسيس دولة الكيان وأدت إلى تهجير وقتل مئات الآلاف منهم، وهذا بالضبط ما يحدث بعد الطوفان إذ يشهد العالم وعلى الهواء مباشرة عملية ممنهجة تعتمد على استخدام القوة المفرطة بدون حدود بغاية قتل وتهجير الفلسطينيين، بدون أدنى تدخل حقيقي من العالم لحمايتهم.
لقد استغلت إسرائيل طوفان الأقصى لتنفيذ أجندتها ضد الفلسطينيين عموماً ونكلت بهم شرّ تنكيل وهم يفتقدون إلى أبسط وسائل الدفاع عن النفس، فحجم القوة المستخدم ضدهم يفوق عشرات آلاف المرات ما لدى الفلسطينيين وقوة النيران الهائلة تفتك بهم بلا رحمة، كل ذلك تحت ذريعة الرد على حماس وتحت بند أنها قوة (إرهابية) هذا البند مكّن إسرائيل التي تعد نفسها دولة ديمقراطية أن تتعايش مع فكرة قتل الفلسطيني بدون ضوابط، بل ونَحّتْ جانباً كل المعايير الأخلاقية والإنسانية وأصبحت مشاهدة جثث الأطفال أمراً عادياً لا يطرح أي استنكار أو تذمر على المستوى الإسرائيلي حيث لم نسمع لمفكر أو قائد سياسي إسرائيلي أن استنكر أو ذمّ الحكومة الإسرائيلية على هذه المجازر الشنيعة، بل انصب جُل احتجاجهم على إطلاق سراح المحتجزين لدى حماس، حتى على الصعيد العالمي صارت المشاهد اليومية للمقتلة الفلسطينية أمراً مألوفاً لا يستحق حتى الاستنكار، وحتى على المستوى العربي والإعلامي بالذات وجدنا أصوات الساسة الإسرائيليين تعلو على جميع الأصوات وأصبحت هذه الأصوات رأياً آخر تروج للقتل وتبرره تحت ذرائع لا توصف إلا بأنها واهية.
على الجانب الآخر لا تستطيع حماس والفصائل الفلسطينية المقاومة تأمين حماية للفلسطينيين من القوة الجوية والبرية الإسرائيلية، وقد أثبتت جريمة المواصي أنه لأجل قتل قائد فلسطيني أو اثنين تم قتل عشرات الفلسطينيين وجرح المئات ومثل المواصي مئات الجرائم التي ترتكب في كل لحظة، فالفلسطينيون عُزّل تماماً أمام قوة إسرائيلية مفرطة وحاقدة تريد استعادة هيبتها ومكانتها كقلعة آمنة ليهود العالم، والمدخل الوحيد إلى ذلك هو إعادة بناء جدار جابوتنسكي الحديدي من جديد والطريق الوحيد له هو نشر الذعر والخوف في قلوب وعقول الفلسطينيين والجرائم البشعة التي نشاهدها في كل لحظة ويذهب ضحيتها مواطنون عُزل لا حول لهم ولا قوة ليست سوى نتائج عملية لتلك الهمجية وذلك الهدف، بالتالي فإن المطالبة بقوات حماية دولية حسب اتفاقيات جنيف الرابعة في العام 1949 وملاحقها في العام 1977 بات أمراً لا مناص منه برغم العقبات التي قد تفرضها قواعد مجلس الأمن وحسابات القوى دائمة العضوية لأن السكوت عن هذه الجرائم يُعد بمثابة القبول بها أو الاستسلام لمنطق القوة ونشر الذعر على أقل تقدير.