ازمة الدواء في الاسواق الاقليمية.. والمربع الذهبي الاردني



كتب د. هايل عبيدات * 

يعود تاريخ الصناعات الدوائية الى العصور الوسطى، حيث تم انشاء اول مخزن دوائي اسلامي في بغداد عام 754، بينما تعود الصناعات الدوائية العربية الى عام 1938 حيث انشات اول صناعة دوائية عربية في مصر تلتها سوريا عام 1956 والاردن عام 1960 والسعودية ودول الخليج العربي عام 1980.

وفي القرن التاسع عشر، تطورت الصناعات الدوائية في اوروبا وامريكا، وفي الخمسينات من القرن الماضي بدأ تطوير الصناعات يتجه نحو وضع نهج علمي ومنهجي اكثر تطورا الى ان دخلت الصناعات الدوائية المبتكرة و البيولوجية وشبيهات البيولوجية ومنها اللقاحات اضافة الى دخول منظومة الذكاء الاصطناعي مؤخرا في التصنيع والانتاج والتسويق والى كافة مكونات المنظومة الصحية كاملا لتشكل التطور الاهم والابرز وقد ثبت اهمية ذلك اثناء جائحة كورونا.

ولم تتمكن معظم الصناعات الدوائية العربية من دخول هذا المجال نظرا للتكلفة العالية وعدم توفر البنى التحتية احيانا واعتمادها على انتاج المستحضرات الجنيسة والشبيهة اضافة الى اغراق الاسواق بمنتجات متشابهة من قبل الشركات المحلية, وفي المستقبل سوف تستكمل معظم الصناعات الدوائية دخولها في هذا المجال كونه يشكل اهم عناصر التقدم وبوابة الاستثمار العلمي والتقني .

ومن الجدير بالذكر ان حجم السوق الدوائي العالمي يبلغ ما يقارب 1.5 تريليون دولار , بينما يبلغ حجم السوق الدوائي العربي ما يقارب 38 مليار دولار والخليجي حوالي 18 مليار دولار ويعتبر السوق السعودي الاكبر حيث يقارب من9.2 مليار دولار والاماراتي 4.5 مليار دولار, بينما يبلغ حجم السوق التركي 33 مليار دولار والافريقي 100 مليار دولار والمصري ما يقارب 8 ملياردولار وتقوم معظم الدول العربية باستيراد 95% من المواد الخام و ما يقارب من 44-68% من احتياجاتها من الادوية من مختلف الشركات الاوروبية والامريكية والتي تستحوذان على اكثر من 65% من حصة السوق العالمي , ونظرة سريعة على حجم الاستثمار في قطاع الصناعات الدوائية في تركيا حيث يبلغ حجم الاستثمار في القطاع الدوائي 6 مليار دولار من خلال 760 مصنع للدواء و 11مصنغ للمواد الخام .

وفي مصر حيث يبلغ حجم الاستثمار في القطاع الدوائي 3 مليار دولار هناك 191 مصنع و799 خط انتاج ومئات الشركات المصنعة و81 الف صيدلية و1200 مستودع دوائي وفي المملكة العربية السعودية حيث تقود حملة كبرى من تشجيع وتوطين الاستثمارات في مجال الصناعات الدوائية والتقنيات الحيوية وتركيزها على البحث والتطوير حيث تعمل على استقطاب كبرى الشركات العالمية فقد ازداد عدد المصانع مؤخرا ليصل الى 50 مصنع تعمل على تلبية 28% من حاجة السوق السعودي كما تسعى الى زيادة حجم السوق السوق الدوائي الذي يشكل 30% من حجم سوق الشرق الاوسط وتعمل دولة الامارات العربية المتحدة كذلك على تعزيز الاستثمار في القطاع الدوائي داخل الدولة وخارجها حيث يبلغ حجم السوق الدوائي ما يقارب 4 مليار دولار.

في الاعوام الماضية ابلغت الهيئات الدوائية في اكثر من27 دولة اوروبية ابلغت عن عن نقصان وفقدان في الادوية وامتدت الازمة منذ عام 2022 وتفاقمت في العامين الاخرين لتصل الى الاسواق المجاورة في مصر وتركيا ولبنان حيث تم فقدان اكثر من500 صنف دوائي في تونس و 1000 دواء في السوق المصري و2000 دواء في السوق التركي وتتصاعد التساولات حول اسباب الازمة هل تتعلق في دور الشركات العالمية ام عمليات الاحتكار ام المضاربة وندرة العملات الصعبة والتلاعب في الاسعار ام صدمات العرض والطلب ام عدم استقرارالاوضاع الاقليمية وتدفق اللاجئين . ويعتبر الامن الدوائي من المكونات الاساسية في منظومة الامن الوطني في اي بلد.

وبالرغم من توجه بعض الدول لاتخاذ اجراءات حماية لضمان وصول الدواء الى مستحقية الا انه بقيت سلسلة انقطاع الدواء تشكل كابوسا لحكومات تلك الدول وقد تستمر لخمسة سنوات قادمة .

ومحليا يبلغ سوق الدواء الاردني ما يقارب1.3 مليار ويبلغ حجم العمالة في القطاع الدوائي والصيدلاني حوالي 35 الف وحجم الاستثمار الاجنبيي متواضع لا تيجاوز الميئة مليون دولار .

وفي الاردن الدولة الاعرق في الصناعات الدوائية التي بدات منذ عام 1960 دون انقطاع واكتسب الدواء الاردني ثقة المستهلك واستطاع الدخول لاكثر من ثمانين سوق دوائي عربي وعالمي و حيث يوجد 23 مصنع و61 خط انتاج و4000 صيدلية و500 مستودع ادوية.

وبالرغم من الظروف الاقليمية الي تمر بها المنطقة بقي السوق الدوائي الاردني مستقرا نتيجة للمربع الذهبي والذي يتمثل في حصافة الاجراءات الحكومية في معالجة ملف اللجوء وجائحة كورونا و استقرار البيئة التشريعية وتحديث تشريعات البيئة الاستثمارية والدعم الرسمي المتواصل للصناعات المحلية اضافة لوجود جهات رقابية فعالة مع وجود تخوف من استغلال بعض النصوص القانونية للسماح بالاستيراد دون وجود المسوغات الموضوعية تحت غطاء تلبية احتياجات الامن الدوائي مما قد يؤدي الى ارباك السوق المحلي , وهذا لا يمنع من مراجعة وتحديث المنظومة التشريعية بحيث تواكب التطورات العالمية وتلبي استقطاب مزيدا من الاستثمارات و احتياجات السوق المحلي والاقليمي بما يضمن دخول استثمارات جديدة والعمل على توطينها وعدم اضاعة الفرص المتاحة وتوسيع مظلة التسعير المرجعي ومراجعة نسبة الارباح في القطاع الدوائي بما يضمن تسهيل دخول الاستثمارات للسوق المحلي وتبسيط الاجراءات وتشجيع الاستخدام الرشيد للادوية والعمل علىى الاستفادة من الفرص المتاحة في ظل وجود انقطاعات متكررة في الاسواق الاقليمية , وعدم استقرار الوضع الاقليمي سواء في القرن الافريقي واليمن وما يجري من حرب الابادة في غزة وفلسطين والذي ادى الى تدمير البنى التحتية وانهيار المنظومة الصحية وتشريد اهل غزة , وهذا يتطلب اخذ زمام المبادرة ليستكمل الاردن الدور الريادي والوقائي , خاصة وان الاردن يمتلك استقرارا في التشريعات وشفافية في منظومة القطاع الدوائي والتوجه نحو توطين مزيدا من الاستثمارات في مجال صناعة الادوية المبتكرة والتقنيات الحيوية وبناء شراكات محلية ودولية بدلا من الذهاب نحو تقليد الصناعات الشبيهة.

ولا يوجد ما يمنع من تشجيع دخول صناديق الاستثمارات السيادية للدولة من دخول هذا المجال اسوة بما تقوم به تلك الصناديق في السعودية والامارات . بل اصبحت خطوة ضرورية وهامة في المربع الذهبي العمل على تسريع انشاء منصة لقيادة التحول في الصناعات الدوائية والتقنيات الحيوية وبناء شراكات استراتيجية وادخال منظومة الذكاء الاصطناعي في القطاع الدوائي والصيدلاني واستقطاب الاستثمارات بما يعمل على تعزيز الامن الدوائي الوطني والاقليمي العربي وقبل فوات الاوان .

* الكاتب مدير عام مؤسسة الغذاء والدواء السابق