هل تضخم مديونية الضمان على الحكومة سليم؟
هذه مديونية ضخمة قياساً بحجم موجودات الصندوق الكلية، وذكرت بأن هذا يتنافى تماماً مع مبدأ توزيع المخاطر ومبدأ تنويع الاستثمارات الذي تقوم عليه السياسة الاستثمارية لأي صندوق استثماري في العالم، ولا سيما صناديق التقاعد والضمان، ولا يبرره مأمونية هذا الضرب من الاستثمار ومحدودية مخاطره.!
الكاتب سلامة درعاوي في مقاله أمس في صحيفة الغد لا يرى أن هناك أي مشكلة في استحواذ الحكومة الأردنية على هذه النسبة العالية من المحفظة الاجمالية للضمان على شكل سندات خزينة وقروض، وهنا أدعوه إلى قراءة تقرير منتدى الإستراتيجيات الأردني الصادر مطلع شهر حزيران/يونيو والذي حمل عنوان (بعض الخيارات الاستراتيجية أمام صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي)، وقدّم مقارنة مع استثمارات سبعة صناديق تقاعد عالمية شملت دول؛ استراليا، الولايات المتحدة، كندا، سويسرا، هولندا، بريطانيا، اليابان. في مجال الاستثمار في السندات الحكومية وسندات الشركات المساهمة العامة، حيث بلغ متوسط استثماراتها في محفظة السندات ما نسبته (36%) فقط من إجمالي موجوداتها، فيما لدينا النسبة مُضاعفة تقريباً.!!!
كما أدعوه إلى قراءة نتائج الدراسات الإكتوارية للضمان، وما دعا إليه الخبير الاستثماري من ضرورة تحقيق عائد استثماري يعادل ضعفي العائد المتحقق على استثمارات الصندوق حالياً ومن ضمنها العائد المتحقق على محفظة السندات.!
أما ما يقوله الدرعاوي بأن الحكومة ضامنة لصندوق الضمان، فهذه عبارة منقوصة الفهم، وأنا متأكد بأن الكثيرين من مُردّديها لم يقرأوا النص القانوني الذي يتحدث عن الترام الحكومة بتسديد أي عجز مالي يحصل في المركز المالي للضمان قراءة صحيحة، وذلك لأن هناك نصّاً قانونياً آخر تالياً يعتبر بمثابة الضامن لعدم حصول العجز ، وهذا ما توضحه الفقرة "ج" من المادة (18) من قانون الضمان التي تنص على ما يلي:
(إذا تبيّن نتيجة فحص المركز المالي لمؤسسة الضمان أن موجودات المؤسسة كما جرى تقديرها في السنة العاشرة من تاريخ إجراء التقييم "الإكتواري" سوف تقل عن عشرة أضعاف نفقاتها المقدّرة في تلك السنة فعلى مجلس الوزراء بناءً على تنسيب مجلس إدارة المؤسسة اتخاذ الإجراءات اللازمة بما يضمن تصويب المركز المالي للمؤسسة وذلك من خلال السير بإجراء التعديلات التشريعية الملائمة).
لنلاحظ خطورة هذا النص، ومدلولاته، فلن يحصل هناك أي عجز مالي في الضمان حتى تلتزم الحكومة بتسديده، وإنما في كل مرة نقترب فيها من نقطة العجز ستلجأ الحكومة إلى تعديل القانون، مُلزَمة لا مُختارَة، والتعديل هنا يصب في أحد اتجاهين لا ثالث لهما:
- إمّا تخفيض المنافع التأمينية.
- وإمّا زيادة الالتزامات على المؤمّن عليهم والمنشآت.
وقد يكون اللجوء إلى كلا الاتجاهين معاً.
لست ضد الاستثمار في سندات الخزينة أبداً لكنني ضد أن تستحوذ هذه المحفظة وحدها على ( 58% ) من موجودات الضمان، عدا الأذونات والقروض، أما موضوع الالتزام بالسقوف المحددة في السياسة الاستثمارية للضمان، فقد شهدت محفظة السندات رفعاً متواتراً وتدريجياً لنسبتها منذ عشرين عاماً بما يقابل الطلبات الحكومية المستمرة بالاكتتاب بسنداتها.!
بقي أن أُذكّر الكاتب درعاوي بمقاله المنشور في ذات الصحيفة قبل أقل من أسبوعين بتاريخ 8-7-2024 تحت عنوان (إجراءات بحاجة إلى تقييم) وفيه ما يُناقض نفسه بين المقالين، إذ طالبَ في ذلك المقال الحكومة بتخفيض استدانتها من صندوق استثمار أموال الضمان حتى يتمكن الصندوق من توفير سيولة لباقي محافظه الاستثمارية، والتي يتطلع إلى توسيع استثماراته الفعلية وتنويعها بدلاً من الاعتماد شبه الكلي على أرباح السندات الحكومية.
أي تناقض هذا يا سلامة في آرائك في مقالين لا يفصل بينهما سوى اثنى عشر يوماً فقط.؟!