البنوك كتاجر عقارات.. المخاطر الأخلاقية في القطاع المصرفي ؟



يشير مصطلح الخطر الأخلاقي إلى "الوضع الذي ينشأ عندما يكون لدى كيان ما فرصة الاستفادة من صفقة مالية أو وضع قانوني معين، في وقت تكون جميع المخاطر والنتائج السلبية ستقع على طرف آخر. وهذا يعني أن أحد الأطراف يكون أمام خيار - وبالتالي إغراء – الاستفادة او استغلال حاجة الطرف الآخر. وعليه فان الطرف الثاني هو الذي سيتحمل جميع العواقب والمخاطر الناجمه عن قرارات اتخذت تحت مظلت الخطر الأخلاقي، مما يترك الطرف الأول حراً في التصرف كما يشاء دون خوف من المسؤولية." مثال بسيط على الخطر الأخلاقي هو سيناريو حيث قد يكون السائق الذي لديه تغطية تأمينية شاملة أكثر ميلاً او عدم الخوف من إحداث ضرر عمدي، بسبب أن التأمين الشامل سيغطي التكاليف.

في عام 2022، أصدر البنك المركزي الأردني تعديلاً ألغى بموجبه القيد الذي كان يمنع البنوك من الاحتفاظ بالعقارات المصادرة لفترة تتجاوز السنتين، كما كان منصوص عليه في التعليمات رقم 2/2000 بناءً على المادة 99/ب من قانون البنوك. وعلى الرغم من أن هذا التعديل يتماشى مع المعايير المحاسبية الدولية، إلا أن الخطوات التي اتخذتها البنوك بعد هذا التعديل، بالإضافة إلى عدم وجود تعليمات تنظيمية واضحة ومحددة تنظم تعاملات البنوك مع هذه العقارات المصادرة؛ تثير العديد من الشكوك حول الشبهات الأخلاقيه لهذه الممارسات في القطاع البنكي.

استتبع هذا التعديل التنظيمي، قيام سبعة بنوك أردنية، في خطوة مثيرة للجدل، بالتحالف لتأسيس شركة تطوير عقاري برأس مال أولي قدره 106 ملايين دينار أردني. وقد أثارت هذه الخطوة مخاوف بشأن الخطر الأخلاقي المحتمل، حيث يمكن استخدام الشركة كوسيلة للبنوك للاستثمار في سوق العقارات، مع احتمال بيع العقارات المصادرة لهذه الشركة بأسعار زهيدة.

ويجادل النقاد بأن هذا التركز للسلطة بيد الروؤساء التنفيذيين للبنوك يمكن أن يكون له آثار سلبية، مثل خنق المنافسة والتأثير على الاقتصاد الأردني. حيث إن هذا التكتل يمنح البنوك نفوذاً أكبر على كامل السكان، وهو أمر يثير القلق بشكل خاص نظرًا لأن العديد من الأردنيين مثقلون بالديون تجاه البنوك.

علاوة على ذلك، فإن إزالة فترة السنتين يسمح للبنوك بالتصرف بالعقارات بعد تعثر أصحاب العقارات في سداد رهونهم العقارية. حيث تتنامى المخاوف من أن يؤدي هذا التعديل في التعليمات التنظيمية إلى قيام البنوك باستغلال سلطتها في بيع الممتلكات العقارية باسعار زهيده للشركة التي انشأتها لهذه الغاية . فقد يتصرف المديرين التنفيذذين للبنوك بطريقة تثير شبهات أخلاقية، عن قصد أو غير قصد، وذلك من خلال الاستحواذ على عقارات محددة لتحقيق مكاسب شخصية على حساب استقرار الاقتصاد الوطني أو السياسات الاجتماعية والاقتصادية.

كما يمكن أن يؤدي تركز ملكية العقارات المستحوذ عليها في يد البنوك إلى إضعاف المنافسة في السوق العقارية وتقليل خيارات التمويل للاعبين الآخرين في السوق؛ حيث يحذر النقاد من أن تكريس هذه القوة في يد البنوك سيؤدي إلى عواقب وخيمة على السوق الأردني. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى خنق المنافسة في قطاع العقارات، حيث ستجد الشركات والمستثمرون صعوبة أكبر في الدخول والمنافسة أمام البنوك التي تمتلك سيولة مالية أكبر وقدرة أعلى على شراء العقارات. كما أن سيطرة البنوك على هذا الكم من العقارات سيحد من خيارات التمويل المتاحة للمستثمرين الآخرين، ما قد يعيق النشاط الاقتصادي بشكل عام.

يعتبر الحد من المخاطر الأخلاقية في النظام المصرفي الأردني ضرورة ملحة ليس فقط لحماية حقوق المقترضين، ولكن أيضا للحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني وتعزيز بيئة تنافسية عادلة في سوق العقارات. ويتطلب ذلك من البنك المركزي وضع ضوابط وإرشادات تنظيمية واضحة حول كيفية إدارة البنوك للعقارات المستحوذة عليها، إلى جانب تطبيق آليات رقابة صارمة تمنع أي استغلال للسلطة من قبل الروؤساء التنفيذيين للبنوك..

ان تورط البنوك في ممارسات تثير مخاطر اخلاقية ستؤدي إلى تشويه السوق المصرفي، وتحقيق مكاسب غير عادلة للرؤوساء التنفيذيين للبنوك، ومنحهم سلطة استغلال المقترضين( افراد وشركات) لزيادة مكافآتهم. علاوة على ذلك، ستقوض المخاطر الأخلاقية الثقة العامة في النظام المصرفي بأكمله. وعليه فإن حظر الممارسات التي تثير شبهات اخلاقيه داخل النظام المصرفي أمر بالغ الأهمية للحفاظ على السياسات الاجتماعية والاقتصادية. والبنك المركزي، بصفته الجهة المنظمة للقطاع المصرفي، يجب أن يضمن عدم استغلال البنوك لسلطتها في مصادرة الممتلكات لتعويض الخسائر أو زيادة الأرباح قصيرة الأجل او رفع المكافأه السنوية للروؤساء التنفيذيين.

في الختام، انشأت التعديلات التنظيمية الأخيرة موقفاً محفوفاً بالمخاطر بين الإصلاح المالي والخطر الأخلاقي المحتمل. حيث تثير التعديلات في الانظمة والتعليمات المتعلقة بالعقارات المصادرة وتشكيل شركة الاستثمار العقاري المملوكة من قبل البنوك تساؤلات مقلقة حول تفضيل المكاسب قصيرة الأجل على حساب الصحة الاقتصادية طويلة الأجل. ومن المفضل أن يتصرف البنك المركزي بسرعة لوضع إرشادات واضحة وآليات رقابة قوية لخلق نهج شامل يحمي مصالح المستهلكين، ويعزز المنافسة الصحية، ويشجع الشفافية، مما يمّكن الأردن أن يضمن نظاماً مصرفياً مرناً وجديراً بالثقة لمواطنيه.