الذكاء الاصطناعي العربي من منظور المؤسسات العالمية
تصدر المؤسسات العالمية تقارير سنوية ترصد وتصنّف مؤشرات جاهزية معظم بلدان العالم للذكاء الاصطناعي بما في ذلك الدول العربية. ولتغطية مؤشرات عام 2023، صدرت خمسة تقارير وضعت معظمها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر في مقدمة البلدان العربية من حيث جاهزيتها للذكاء الاصطناعي، ولهذا سنختارها في هذه الدراسة. هذه التقارير هي: مؤشر الاستعداد لتبني الذكاء الاصطناعي الصادر عن صندوق النقد الدولي "آي إم إف" (IMF). وضع دولة الإمارات في المرتبة 36 عالميا، والمملكة العربية السعودية في المرتبة 45، وقطر في المرتبة 54. ترتكز هذه المؤشرات على نوعين من البيانات، هما بيانات رقمية (Hard data) ترتكز على مسوحات وإحصائيات عددية يفترض أن تكون دقيقة وموضوعية، وبيانات طرية تمثل آراء مجموعة أفراد (Soft Data) وترتكز على إجابات من عدة خيارات، وهي أقل دقة من البيانات الرقمية بسبب البعد الذاتي لها المرتبط بمجموعة الأشخاص المختارين للإجابة. ولفهم طبيعة هذه المؤشرات ومدى دقة قياساتها، سنتناول بالتفصيل أحدثها وهو مؤشر الاستعداد لتبني الذكاء الاصطناعي 2023 الذي أصدره صندوق النقد الدولي "آي إم إف" (IMF) في يونيو/حزيران الماضي، يصنف هذا المؤشر 174 دولة وفق استعدادها لتبني الذكاء الاصطناعي باستخدام أربعة محاور رئيسية، هي: البنية التحتية الرقمية (Digital Infrastructure)، ويضم 10 مؤشرات فرعية، 8 منها رقمية و2 تمثل آراء الأفراد، هي: عدد مستخدمي الإنترنت لكل مئة من السكان (رقمي)، عدد خطوط الهاتف الثابت لكل مئة من السكان (رقمي)، عدد المشتركين في الهاتف المحمول لكل 100 من السكان (رقمي)، عدد اشتراكات النطاق العريض الثابت لكل 100 من السكان (رقمي)، عدد اشتراكات النطاق العريض اللاسلكي لكل 100 من السكان (رقمي)، تكلفة الوصول إلى الإنترنت كنسبة مئوية من الدخل القومي الإجمالي الشهري للفرد (رقمي)، عدد خوادم الإنترنت الآمنة لكل مليون شخص من السكان (رقمي)، عدد مستخدمي الهاتف المحمول لإجراء العمليات عبر الإنترنت لكل مئة من السكان البالغة أعمارهم 15 عاما أو أكبر (رقمي)، مستوى موثوقية النظام البريدي (آراء)، جودة البنية التحتية للخدمات الإلكترونية للقطاع العام (آراء). ملاحظة: جاء الترتيب العالمي للبلدان العربية الثلاثة المختارة في هذا المؤشر كما يلي: دولة الإمارات 45، المملكة العربية السعودية 51، وقطر 61. كان من المفترض أن يكون ترتيب هذه البلدان أفضل نظرا للانتشار الواسع للإنترنت والهاتف المحمول فيها، لكن نظرة معمقة تظهر ضعفها في مؤشرين هما: عدد خوادم الإنترنت الآمنة لكل مليون شخص من السكان، وتكلفة الوصول إلى الإنترنت كنسبة مئوية من الدخل القومي الإجمالي الشهري للفرد. وأدى المؤشر الفرعي لعدد خطوط الهاتف الثابت لكل مئة من السكان إلى تأخر إضافي، وهو مؤشر أعتقد بضرورة حذفه من عملية القياس. رأس المال البشري وسياسات سوق العمل (Human Capital and Labor Market Policies)، ويضم 11 مؤشرا فرعيا، 3 منها رقمية، و5 تمثل آراء الأفراد، و3 صادرة عن جهات رسمية، هي: مؤشر رأس المال البشري (أي متوسط سنوات الدراسة، سنوات الدراسة المتوقعة، نسبة الالتحاق الإجمالية، نسبة غير الأميين من البالغين) (رقمي)، الإنفاق العام على التعليم كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي (متوسط 10 سنوات) (رسمي)، مجموعة مهارات الخريجين يقيس (يقيس جودة وعدالة نظم التعليم) (آراء)، المهارات الرقمية بين السكان النشطين (مثل مهارات الحاسوب والبرمجة وما إلى ذلك) (رقمي). أضف إلى ذلك عدد خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات كنسبة مئوية من الخريجين في كافة الاختصاصات (متوسط 10 سنوات) (رسمي)، عدد خريجات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (متوسط 10 سنوات، كنسبة مئوية من خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات) (رسمي)، مرونة تحديد الأجور (مركزية أم على مستوى الشركة) (آراء)، الأجور والإنتاجية (أي مدى تحديد الأجور حسب السوق) (آراء)، الحراك الداخلي في سوق العمل (آراء)، جودة سياسات سوق العمل الفعالة (مثل مطابقة المهارات مع الأعمال، إعادة التدريب) (آراء)، الحماية الاجتماعية (نسبة من السكان المشمولين بخطط الحماية الاجتماعية) (رقمي). ملاحظة:جاء الترتيب العالمي للبلدان العربية الثلاثة المختارة في هذا المؤشر كما يلي: المملكة العربية السعودية 9، دولة الإمارات 34، وقطر 48. قد يحد وجود 5 مؤشرات فرعية تعتمد على آراء مجموعة غير كبيرة من الأفراد من مصداقية هذا المؤشر، نظرا لأن قيمتها يمكن أن تتغير مع تغيير العينة المختارة. عندما أعدنا جمع البيانات الطرية (الآراء) في إحدى دول مجلس التعاون الخليجي من خلال مسح آراء مجموعة منتقاة بعناية من قادة الأعمال والأكاديميين ومسؤولين حكوميين رفيعي المستوى، اكتشفنا أن قيمة المؤشرات اختلفت بنسبة 8% تقريبا. وأدى ذلك إلى تحول في تصنيف البلد بمقدار 12 مركزا. إذ إن مؤشر الإنفاق العام على التعليم كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي الذي اعتمد بيانات الجهات الرسمية غير متسق زمنيا، إذا أشار إلى أن السعودية أنفقت 5.1% من ناتجها المحلي على التعليم عام 2008، ودولة الإمارات أنفقت 3.9% عام 2021، وقطر 3.2% عام 2020، مما يضعف من مصداقية المؤشر لإدراجه قيما تعود إلى سنوات مختلفة. الابتكار والتكامل الاقتصادي (Innovation and Economic Integration)، يضم 6 مؤشرات فرعية، واحد يمثل آراء الأفراد، واثنان صادران عن جهات رسمية، واثنان رقميان، وواحد يمثل آراء خبراء. وهذه المؤشرات هي: الإنفاق على البحث والتطوير كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي (رقمي)، الاستعداد للتكنولوجيات الرائدة (نشاط البحث والتطوير المتعلق بالذكاء الاصطناعي- عدد المنشورات العلمية، وعدد براءات الاختراع المتعلقة بالتكنولوجيات الرائدة) (رقمي)، الائتمان المحلي الذي تقدمه المؤسسات المالية للقطاع الخاص كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي (رسمي)، متوسط معدل التعريفة الجمركية (رسمي)، الحواجز غير الجمركية (آراء) مثل حرية حركة رأس المال والأشخاص (متوسط ثلاثة مؤشرات: الانفتاح المالي، وضوابط رأس المال، وحرية الزيارة للأجانب) (آراء خبراء). ملاحظة:جاء الترتيب العالمي للدول العربية الثلاث المختارة التي يغطيها هذا التقرير في هذا المؤشر كما يلي: دولة الإمارات 30، قطر57، والمملكة العربية السعودية 76. يرجع تأخر ترتيب قطر والسعودية في هذا المؤشر إلى عدة عوامل، منها تدني الإنفاق على البحث والتطوير كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بمعدلات البلدان المتقدمة التي يتجاوز إنفاق معظمها 3%.ووفق التقرير، أنفقت قطر على البحث والتطوير عام 2021 نحو 0.68% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أنفقت السعودية عام 2022 نحو 0.46% فقط. أما دولة الإمارات فكانت أفضل حالا نسبيّا، إذ أنفقت 1.5% عام 2021. التنظيم والأخلاق المهنية (Regulation and Ethics)، يضم مؤشرين فرعيين يمثلان آراء مجموعتين من الأفراد، هما: قدرة الإطار القانوني على التكيف مع نماذج الأعمال الرقمية (آراء)، مستوى فعالية الحكومة وتوجيهاتها ومساءلتها (آراء). ملاحظة:جاء الترتيب العالمي للبلدان الثلاثة المختارة في هذا المؤشر كما يلي: دولة الإمارات 30، والسعودية 61، وقطر71. وطبعا يمكن لقيمة هذا المؤشر أن تتغير بنسبة ضئيلة أو كبيرة، مع تغيير المجموعة المستطلعة آراؤها. تمتلك التقارير الصادرة عن المؤسسات العالمية أهمية كبيرة نظرا لكونها مرجعا للشركات العالمية الراغبة في الاستثمار في البلدان التي تغطيها تلك التقارير، ولهذا من الضروري على كل بلد عربي يرد ضمن هذه التقارير دراسة المؤشرات المرتبطة به، ومعالجة نقاط الضعف التي توردها عنه، والتواصل مع معدي تلك التقارير لتصحيح الأخطاء المحتملة فيها وهي ليست بالقليلة، خاصة فيما يتعلق بالبلدان العربية.
تضم المحاور الأربعة مجتمعة 29 مؤشرا فرعيا: