القاتل أمام الكونغرس


 "في شيء غلط". أفهم أن يحتفي الإسرائيليون بحرارة وقوة لقدوم الرئيس الأميركي لطرفهم، تأييداً أو دعماً، وتضامناً معهم، كما فعل الرئيس بايدن، الذي وصل المستعمرة على خلفية عملية 7 أكتوبر الفلسطينية المفاجأة الصدمة.

أما أن يحتفي أغلبية النواب والشيوخ في الكونغرس، برئيس حكومة المستعمرة بنيامين نتنياهو، بشكل مذهل، غير مسبوق بهذه الحرارة والقوة، في التصفيق والوقوف، وكأنه حامي الحمى، حامي مصالح الولايات المتحدة في العالم العربي، لوحده منفرداً، ولولاه لرحلت أميركا عن العالم العربي، وتراجعت عن صدامها مع قوى التحرر العربية، وهزيمتها أمام إيران، وخذلانها في مواجهة تطلعات تركيا وأثيوبيا.

المعطيات مقلوبة، وكأن نتنياهو هو القوي الداعم المسيطر المتمكن، والولايات المتحدة تشتغل عنده ولديه، وليس هو من يعمل ويحتاج ويعتمد على الأميركيين في كل صراعاته وصداماته مع الآخرين، فقد حركوا سفن الأسطول الأميركي في البحر المتوسط، لتوفر له الحماية والثقة وإرهاب الآخرين، لكل من تسوّل له نفسه، أو يتحرك ضد المستعمرة.

الولايات المتحدة هي التي توفر السلاح المتطور لجيش المستعمرة، وتزودها بأحدث وأفضل الأسلحة وأكثرها تدميراً لقطاع غزة، وهي التي تحمي المستعمرة سياسياً ودبلوماسياً وقانونياً، وتحول دون اتخاذ الإجراءات والعقوبات والمساءلة الدولية على جرائمها طوال عشرات السنين ولا تزال.

تصفيق وبهجة ووقوف النواب والشيوخ الأميركيين، إهانة لهم، ولبلدهم، ومكانتهم كدولة كبرى قوية متقدمة، وإهانة أكبر لشعبهم الذي يمثلونه، وتصغير لقيمتهم، لشعب متفوق في كافة المعايير، ولكنهم أصرّوا على تصغير مكانتهم أمام سياسي هو يعمل لهم وعندهم، ولولاهم لما تمكن من البقاء في موقع القوة في مواجهة الشعب الفلسطيني، والأمة العربية وأمام المسلمين والمسيحيين الذي يُصر في التمادي على بلادهم.

ولولا الولايات المتحدة الحاضنة للمستعمرة، لما تمكنت من مواصلة عدوانها واحتلالها وتوسعها على أرض العرب في فلسطين وسوريا ولبنان، وتتطاول على أمنهم وكرامتهم ومقدساتهم.

النواب وشيوخ الكونغرس الأميركي تصرفوا وكأنهم تلاميذ في مدرسته، أو أنهم من الموظفين الذين يعملون لديه، ينتظرون مساعدته ورضاه، وليس هو من يعمل عندهم ويقبض ثمن أفعاله، مهما بدت مشينة وجُرمية، كما يفعل الآن في قطاع غزة، وعموم فلسطين من جرائم.

يكذب حينما يقول أن حربه ضد الفلسطينيين هي من أقل الخسائر للمدنيين في حرب المدن، رغم خسائر عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، وتدمير أغلبية مساكن وبيوت ومؤسسات قطاع غزة المدنية، إنه يكذب، بكل وضوح ملموس، ومع ذلك صفقوا له ووقفوا تبجيلاً له.

كل الاحترام لنائبة الرئيس كامالا هاريس التي رفضت حضور خطاب الإهانة، وكل الاحترام للنواب والشيوخ، وفي طليعتهم بيرني ساندرز، الذين قاطعوا جلسة الأضاليل والنفاق الزائد عن الحد يوم الخميس 25 تموز 2024. إنه يوم بائس، حينما يرتقي شباب الجامعات الأميركية الذين انتفضوا ضد سلوك المستعمرة، تضامناً مع الشعب الفلسطيني، وضد سياسات حكومتهم، لا شك أنهم سيسجلوا أنه يوم معيب في سلوك نوابهم وشيوخهم، في الوقوف والتصفيق لسياسي إسرائيلي لا يستحق ما فعلوه له.
 جريدة القدس