الفلسفة السياسية و فلسفة القوة بين الدولة و المعارضة

 لابد ان يكون في الوطن منظرون سياسيون و فلاسفة سياسيون ايضا ، و لا بد ان يكون لدى المعارضة السياسية قراءة واقعية ، وطنية مثلى بالنسبة لها و قادرة على ابداع تصور لكيفية بناء بديل سياسي للحكم ضمن الأطر القانونية و الدستورية الموجودة و لو كانت لا تتفق معها أو تنسجم مع تصوراتها و نصوصها ، لأن التغيير ايا كان نوعه ستعتبره السلطة او النظام السياسي الذي يمتلك السلطة عملية هدم ، و هنا لابد ان تكون هناك فلسفة سياسية قادرة على ابداع تصورات و مقترحات قد تقنع الحكم بضرورة التغيير او على الأقل القبول بالمعارضة كتيار بناء و ليس تيار هدم ، و بدون ذلك تتحول المعارضة الى حالة غضب و احباط و يأس و تتحول الدولة الى حالة شرطي يريد أن يأمر فيطاع بغض النظر عن أي اعتبار أخر.
الدولة لها خطاب سياسي واحد ، احببناه ام لا، لكن المعارضة لها خطابات كثيرة ، و غير متفقة على هدف واحد محدد ، و تميل الى الصوت المرتفع و النبرة الحادة و رفض كل شيء عند خصمها السياسي و المطالبة بانقلاب في النهج السياسي دون النظر الى المحددات و الضغوط و حالة الإرتباك التي تعيشها الدولة ككل دول المنطقة ، و ذلك بسبب المتغيرات الكثيرة الطارئة في الآونة الأخيرة ، و بسبب التهديدات التي تجتاح المنطقة و من المنطق اذا بقي منطق يحكم المنطقة و العلاقات السياسية بين الدول في الإقليم فان من ضرورات المحافظة على البقاء و عدم تعريض الأمن المجتمعي و الأمن الوطني كله أن تنتقل الدولة و المعارضة من المربع الذي تقفان فيه الى مربع جديد قد يكون أكثر مرونة و فائدة و يمكن من خلاله اجراء حوار من نوع جديد و وضع قواعد اشتباك سياسي وطني جديدة بين الدولة و المعارضة.
ان اصرار الدولة على حالة الإنكار و التذرع بأن المعارضين ليسوا الا سوداويين و مشككين و عدميين لا يخدم الوطن و الدلائل كلها تشير الى ذلك ، كما أن اصرار المعارضة على مبدأ كل شيء او لاشيء لن يفيد أحدا ، فالوطن ليس مادة للماحكة و الصدام ، بل مساحة يعيش فيها الجميع و لا بد من مخرج من عنق الزجاجة الذي قال به رؤساء حكومات متقاعدون و على رأس عملهم في حينه ، الخطاب الحكومي ليس مناسبا ابدا ، و رئيس الحكومة الذي يماحك في مجلس النواب لأن نائبا جلس مكانه ، او النائب الذي يقمع زميله لأن رأيه مخاف لرايه و الوزير الذي لا يحتمل مقالا ناقدا و يهدد من ينتقد عشائريا و قانونيا و بسلطته و نفوذه كل هذا لا يخدم مصلحة الوطن.
ثم ان القوانين التي وضعت كي يصمت الجميع والا .. ، ليست قوانين خادمة للمجتمع و المشرعون لم يناقشوها و قد رأينا ان بعض القوانين اقرت في يوم واحد و دون نقاش مستحق ، نحن نتحدث عن وطن ، و الوطن يحتاج الى مواطنين أحرار يستطيعون التعبير عن أرائهم و يحتاج الى أحزاب سياسية قوية و لا تتعرض للضغوط المستمرة و أن لا تنحاز الحكومة لحزب و تعادي حزبا آخر ، نحن نحتاج بحق الى الإقرار بضرورة البدء بانتاج فلسفة سياسية تنتج بدورها مشروعا سياسيا واقعيا قابلا للنقاش ثم للتطبيق ، و الكرة ليس في ملعب فريق واحد بل في ملاعب كل الفرقاء ، حينما تلعب الفرق الرياضية فيما بينها فانها تتنافس بقوة و يحاول كل فريق الفوز في البطولة و لكن حينما يكون اللعب مع فريق أجنبي فان كل الفرق تشكل فريقا وطنيا مكونا من أفضل اللاعبين من كل الفرق ، حينئذ يكون الفريق هو المنتخب الوطني و يلعب الجميع بكل ثقة ببعضهم البعض كي يفوز المنتخب الوطني دون حساب لإنتماء كل لاعب الى فريقه الذي جاء منه.
نحن بحاجة الى شيء جديد عظيم صادق مخلص وطني ، و بحاجة الى اعادة التفكير في الأفكار و الأدوات و نوع الخطاب السياسي ، و بدون ذلك سنبقى ندور في حلقة مفرغة و سنبقى حكومة و معارضة كل حزب بما لديهم فرحون.
و للحديث بقية...