احذروا الابتزاز الصهيو - أمريكي الصفيق!




"مَن ليس معنا فهو ضدنا".. هل تذكرون هذه العبارة؟

هذه العبارة الابتزازيّة التي سبق لمجرم الحرب "جورج بوش" الابن أن استخدمها أيام إعداده العدّة لغزو العراق هي ماركة أمريكيّة مسجّلة!

الشيء الوضيع في هذه العبارة التي تتضمّن تهديداً صريحاً أنّها ليست موجّهة إلى أعداء أمريكا وخصومها، بل هي موجّهة إلى حلفائها وأصدقائها المُفترَضين!

"لا تهمّنا مصلحتكم الوطنيّة وأمنكم القوميّ وتماسك جبهتكم الداخليّة، لا تهمّنا حساسيّة موقفكم، لا يهمّنا حرجكم أمام شعوبكم، لا يهمّنا وضعكم في حالة عداء مع دول جواركم وإقليمكم من أشقّاء وأصدقاء، لا تهمّنا أي روابط دم أو دين أو تاريخ أو وحدة حال ومصير تربطكم بأي طرف عدانا، لا يهمّنا انتهاء صلاحيّة أدواركم الوظيفيّة.. متى ما كانت المصلحة الأمريكيّة على المحك فلا صوت يعلو على صوت هذه المصلحة"!

وعندما نقول المصلحة الأمريكيّة فليس المقصود مصلحة أمريكا الدولة والشعب.. بل المقصود هو مصلحة الشركات والبنوك والصناديق السيادية واللوبيات وجماعات الضغط التي تقف وراء أمريكا وتحرّكها وتوظّفها وتجيّرها بما يخدم مصالح وسطوة وهيمنة هذه الجهات!

بماذا يختلف موقف أمريكا طوال الأشهر العشرة الماضية عن عبارة "بوش" الابن أعلاه؟

وبماذا تختلف التصريحات والتعقيبات وردود الفعل الأمريكيّة الأخيرة على جريمتي اغتيال "فؤاد شكر" في بيروت و"إسماعيل هنيّة" في طهران عن هذه العبارة؟!

مثلاً عندما تصرّح الخارجيّة الأمريكية قائلةً: "التزامنا بأمن إسرائيل والدفاع عنها ضد أي هجمات متهوّرة قد تشنّها إيران صارم ولا يتزعزع"!

ثمّ عندما يردف "البيض الأبيض" في تصريح آخر قائلاً: "قوّاتنا في الشرق الأوسط على أتم الاستعداد والجهوزيّة"!

السؤال هنا عن أي قوّات يتحدّث البيت الأبيض؟

القوّات الأمريكيّة في الشرق الأوسط ليست موجودة في فراغ، وليست موجودة في برزخ، وليست موجودة في عالم موازٍ..

القوّات الأمريكيّة في الشرق الأوسط موجودة ضمن مياه وعلى تراب وداخل حدود دول مستقلّة ذات سيادة، وعلى وجه الدقة في دول الخليج العربي والأردن وما تحتلّه أمريكا من أراضٍ سوريّة شرق الفرات.

وعندما تقول أمريكا أنّ قوّاتها هذه على أهبة الاستعداد، المقصود الاستعداد لماذا؟ للدفاع عن أمن إسرائيل؟

لكن ماذا عن الدول التي تستضيف هذه القوّات الأمريكيّة؟ هي دول تُعلن عن نفسها بأنّها تقف على الحياد، وبأنّها تطالب الجميع بضبط النفس ووقف إطلاق النار والتوصّل إلى تسوية، ولم يُعرف عن أي منها أنّها قد أعلنت الحرب رسميّاً ضد إيران و/أو عبّرت رسميّاً عن التزامها بالدفاع عن أمن إسرائيل..

أين تضع التصريحات الأمريكيّة هذه الدول التي يُفترض أنّها حليفة وصديقة لأمريكا؟!

هل تعني التصريحات الأمريكيّة أنّ أمريكا ستستخدم قوّاتها المتواجدة في هذه الدول دون أخذ موافقتها على استخدام مياهها وترابها وأجوائها ومنشآتها وبُناها التحتيّة؟

أم أنّ أمريكا بهذه التصريحات تحاول أن توحي من طرفٍ خفيّ أنّ هذه الدول موافقة ضمناً و"من تحت لتحت"، وأنّها تقف جوار أمريكا وإسرائيل ضد إيران والمقاومة، وأنّها مجرد تتستّر وتنافق وتموّه حقيقة موقفها ودورها وإسهامها في حماية أمن إسرائيل؟!

لماذا تُحرج أمريكا حلفاءها وأصدقاءها بهذه الطريقة؟ وإذا كانوا حقّاً متواطئين لماذا تفضحهم؟

نفس الكلام ينطبق على التصريحات الأمريكيّة التي تطالب فيها مواطنيها في الشرق الأوسط بـ "الاستعداد للتصعيد"!

يمكن تفهّم هذا الكلام لو كان المقصود المواطنين الأمريكيّين المتواجدين في الكيان الصهيوني أو لبنان أو حتى إيران نفسها.. لكن بالنسبة للمواطنين الأمريكيّين المتواجدين في بقيّة دول المنطقة لماذا يجب أن يكونوا على أهبة الاستعداد؟

الأردن مثلاً يُفترض أنّه ليس طرفاً في الصراع، وقد سبق وأن عبّر عن رفضه استخدام أراضيه وأجوائه من قبل أي طرف كان من أجل استهداف أي طرف آخر.. فلماذا يجب أن يكون المواطنون الأمريكيون في الأردن على أهبة الاستعداد؟

ما الذي سيصيبهم؟ مَن الذي سيهدّدهم؟

مرّة أخرى هل هذا إحراج من قبل أمريكا لحلفائها وأصدقائها أم توريط؟

ما ينطبق على التصريحات الأمريكيّة ينطبق أيضاً على تصريحات مجرم الحرب "نتنياهو" حين يبرّر جريمتي بيروت وطهران بأنّهما تأتيان في إطار محاربة "محور الشرّ الإيراني" وأذرعه في المنطقة.

نبْش "نتنياهو" مصطلح "محور الشر" فيه غمز في قناة أوّل مَن نحت هذا المصطلح وأدخله إلى الفضاء التواصلي والنقاش العام.

وفيه إيحاء مُغرِض وخبيث بأنّ بقيّة دول المنطقة هي حُكماً جزء من المحور الصهيو - أمريكي المضاد والمعادي للمحور الإيراني.

مرّة ثالثة، فلنفرض أنّ هذا الكلام صحيح، ولنفرض أنّ الدول العربية ملتزمة حدّ النخاع بإطاعة أمريكا والدفاع عن أمن الكيان.. لماذا يصرّ الأمريكان والصهاينة على فضح وإحراج أصدقائهم بهذه الطريقة؟!

أُشفق على كلّ مَن زيّنت له خياراته الغبيّة أن يكون حليفاً لأمريكا وصديقاً للكيان، فهما في مثل هذه المواقف لا يتوانيان عن التفريط بأي حليف أو صديق، ولا يتركان لهؤلاء الحلفاء والأصدقاء أدنى هامش للمناورة أو حفظ خط الرجعة وماء الوجه!

الانصياع لهذا الابتزاز الصهيو - أمريكي كارثة، لكن عدم الانصياع له قد يكون كارثة مكافِئة أيضاً، فالتجربة التاريخية علّمتنا أنّ أمريكا والكيان في حال عدم نجاح مستوى معيّن من الابتزاز لا يتوانيان عن الانتقال بابتزازهما إلى مستوى أعلى، كافتعال وفبركة "مجدل شمس" صغيرة خاصة بكل بلد عربي لتكون بمثابة حجّة وذريعة وشمّاعة من أجل مُناصبة إيران ومجمل محور المقاومة العداء، والدخول جهاراً نهاراً في الحلف الصهيو - أمريكي ضدّهما!