"طوفان الأقصى" و"المقاومة" وسيكولوجيا المُرجِفين!



للشاعر الراحل "مريد برغوثي" مقطع يقول فيه:

((ولأنّ الضحك على النكتة إقرار بالراوي.. لا يضحكُ وغدٌ من نكتته))!

نفس المبدأ ينطبق بصورة من الصور على مهاجمي "المقاومة" ومنتقديها والمشكّكين فيها من العوام وسواد الناس.

فإقرار هؤلاء بالمقاومة وبطولاتها وإخلاصها هو يعني في نفس الوقت إقرار ضمني بتخاذلهم الشخصي وتخاذل مجتمعاتهم وأنظمتهم ودولهم.

ولا أحد يرضى - بوعي أو دون وعي - أن يُقرّ بتخاذله، وتخاذل أولئك الذين يتنسب إليهم، وتخاذل أولياء نعمته الذين يعمل لديهم، وتخاذل الذين يُهلّل ويزمّر ويطبّل لهم ليل نهار.. فهذه "الحالة من الوعي" تُملي على المرء مسؤوليات وتبعات لا يريد أن يتحمّل عبئها وثقلها ولو على المستوى النفسيّ والوجدانيّ على الأقل.

والعبء هنا ليس نابعاً من إحساس الشخص بأنّه مُطالب بالقيام بأشياء أخرى جديدة قد تكون صعبة ويترتب عليها مشقة ومكابدة وإيذاء.. العبء نابع بشكل أساسي من رغبته بـ "عدم الامتناع" عن أشياء يقوم بها بالفعل!

عبيد لرغباتهم وشهواتهم وأنانيتهم ونمط عيشهم ودِعَتهم وسلامتهم الشخصيّة.. ويحاولون نفاق أنفسهم من خلال الطعن بالمقاومة والتشكيك بها وبدوافعها وخياراتها ومؤيّديها، ومحاولة إسباغ هالة فكريّة و/أو وطنيّة و/أو دينيّة على تخاذلهم وعبوديّتهم!

هذه الفئة من البشر هي من أكثر الفئات التي ينتقدها ويذمّها الله تعالى في القرآن الكريم.

الآية (156) من (سورة آل عمران) على سبيل المثال، أو الآية (52) من (سورة المائدة)، أو الآيتان (72) و(73) من (سورة النساء).. وغيرها من المواضع.

ظنّي أنّ هذه الفئة من البشر هي من أكثر الفئات التي يسري عليها قوله تعالى في الآية (103) من (سورة يوسف):

((وما أكثر الناس ولو حرصتَ بمؤمنين))!

قد يكون هؤلاء "مسلمين" ينطقون الشهادتين ويلتزمون بالعبادات والشعائر في مظهرها الطقوسي البرّاني، لكن "لمّا" يدخل الإيمان قلوبهم؛ بمعنى أنّ يقينهم بالله رغم مظاهر تديّنهم وتقاهم الشكلانيّ لم يبلغ بعد مبلغاً يجعلهم يبرؤون بأنفسهم ودينهم من أن يكونوا من الذين عناهم الله عزّ وجل في الآية (24) من (سورة التوبة):

"قُل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربّصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين"!

المشكلة أنّ الدين نفسه والأسوة النبويّة قد أعطت هؤلاء وسيلة عمليّة وسهلة وبسيطة لينقذوا أنفسهم من أنفسهم: ((فليقل خيراً أو ليصمت))!

لكن هيهات أن يصمت أمثال هؤلاء ويكفّوا "ألسنتهم" وقد وصفهم الله تعالى في الآيتين (18) و(19) من (سورة الأحزاب):

((قد يعلم الله المعوّقين منكم والقائلين لإخوانهم هلمّ إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلاً. أشحّةً عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يُغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حِدَادٍ أشحّةً على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا))!

للأسف في أغلب الأوقات يكون هؤلاء هم "الأكثريّة"، وأصحاب الصوت العالي والمزاوِد، خاصةً عندما "يهتّون" بسيف السلطة والأجهزة الأمنيّة وأولياء الأمر.. لكن كثرة هؤلاء واستشراء أمرهم لا يستطيع أن يلغي قوله تعالى في الآية (100) من (سورة المائدة):

((قُل لا يستوى الخبيث والطيّب ولو أعجبكَ كثرةُ الخبيث فاتّقوا الله يا أولي الألباب لعلّكم تفلحون)).

ولا يستطيع أن يلغي قوله تعالى في الآية (17) من (سورة الرعد):

((أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها فاحتملَ السيلُ زبداً رابياً وممّا يوقدون عليه في النار ابتغاء حِليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله كذلك يضرب الله الحقّ والباطل فأمّا الزبد فيذهب جُفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال)).

هذا الذي "يمكث في الأرض" هو مظهر آخر من مظاهر بركات وعبقريات "المقاومة" و"طوفان الأقصى"!