عَودٌ على بدء: انزعوا الزر النوويّ من يد المجنون!
بتاريخ 9 تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، أي بعد حوالي شهر فقط من إنطلاق معركة "طوفان الأقصى"، كتبتُ مقالاً بعنوان "انزعوا الزر النووي من يد المجنون"، والمجنون هنا هو "نتنياهو" وعصابة حربه الصهيونيّة.
المقال لم يلقَ طريقه للنشر وقتها؛ ربما لأنّ القائمين على النشر قد اعتبروا في حينه أنّ المقال لا يخلو من مبالغة وتهويل، أو أنّ المقال سيُسهم في بثّ رعب وهلع غير مبرّرين.
اليوم، وبعد انقضاء أكثر من عشرة أشهر على حرب الإبادة والتهجير الصهيو - أمريكيّة التي يشنّها الكيان بالوكالة ضد الشعب الفلسطيني ومحور المقاومة، وبينما الجميع يترقّبون نُذُر الحرب الإقليمية التي تلوح في الأفق على خلفية الردّ الإيرانيّ/ اللبنانيّ/ اليمنيّ المُنتَظَر على جرائم وانتهاكات الكيان الصهيونيّ بدعم وضوء أخضر أمريكيّ.. ها هو مجرم الحرب المتطرّف وزير مالية الكيان "سموتريتش" يصرّح:
"نمتلك عشرات الرؤوس النوويّة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد"!
بعد مثل هذه التصريحات في مثل هذا الظرف، هل ما تزال الدعوة لنزع الزر النوويّ من يد هؤلاء "المجانين" مسألة فيها مبالغة وتهويل وإثارة لمخاوف لا أساس لها؟ خاصةً عندما نُقاطع ذلك مع دعوات صهيونيّة متطرّفة لتوجيه ما يُسمّى "ضربة استباقية" عوضاً عن انتظار الردّ على طريقة "فوق حقّه دقّه"!
على العموم تالياً نصّ المقال الأصليّ، والذي أظنّ أنّه لا يفي أساساً مجرمي الكيان الصهيونيّ وعلى رأسهم "نتنياهو" حقّهم من حيث الخطر الذي يمثلونه على المنطقة وعلى البشريّة كلّها، وبصورة تجعل الإطاحة بهم والتخلّص منهم ولو بتصفيتهم هي أولويّة للجميع، أولويّة لمستقبل "إسرائيل" وأمريكا قبل أن تكون أولويّة للفلسطينيّين والعرب والمقاومة:
((انزعوا الزر النوويّ من يد المجنون))!
إلى جانب الخبراء والمحلّلين العسكريّين، هذا نداء للمحطات الفضائيّة من أجل استضافة علماء وأطباء نفس وأعصاب لتحليل الحالة النفسيّة والعقليّة لـ "نتنياهو" وعصابة حربه!
وهذه مناشدة أيضا للدوائر السياسيّة ودوائر صنع القرار لطرح الحالة النفسيّة والعقليّة لـ "نتنياهو" على طاولة النقاش.
هذا كلام جادٌّ وليس تهكميّاً، وأيّ متابع يستطيع أن يلمس أنّ كلام وانفعالات ونظرات وردود أفعال "نتنياهو" في الآونة الأخيرة تتخذ بشكل تصاعدي منحىً غير سويّ!
ليست المشكلة فقط في أفكار ومعتقدات "نتنياهو" الشاذّة والمتطرّفة، بل هو كشخص يعطي يوماً بعد يوم أمارات وعلامات وأعراض شخص مختلّ يسير نحو الجنون ويريد أن يسحب الجميع معه!
وبموازاة هذه الحالة النفسية المضطربة وغير المتوازنة يأتي إصرار "نتنياهو" الهَوَسيّ في كلّ مرّة يتم فيها الاقتراب من إبرام اتفاق ما لتبادل الأسرى على أنّه لن يكون هناك وقف إطلاق نار في غزّة قبل الإطلاق غير المشروط لسراح جميع أسرى الاحتلال!
وبصراحة، طالما "نتنياهو" في سدّة الحكم فقد يكون من ألافضل ألاّ يتم التوصّل لأيّ اتفاق بخصوص الأسرى من أجل مصلحة الجميع!
بالنسبة للعقليّة اليمينيّة القباليّة الماشيحانيّة المتطرّفة التي يعتنقها، وحالته النفسيّة والعقليّة المضطربة، فإنّ عودة هؤلاء الأسرى أو موتهم سيّان بالنسبة لـ "نتنياهو"، وهذا جزء من إصراره على القصف العنيف أملاً بالتخلّص منهم.
"نتنياهو" لا يقيم وزناً لهؤلاء الأسرى إلاّ بمقدار ما يمثّلون "ورقة ضغط" عليه، و"نقطة ضعف" له ولعصابة حربه أمام جبهته الداخلية، وقبوله بأيّ صفقة تبادل هي صفعة له وهزيمة سياسية يُمنى بها.. لذا متى ما تخلّص من هذه الورقة بأيّ طريقة من الطرق، فقطعاً قطعاً لن يكون هناك وقف إطلاق نار إطلاقاً، لا لهدنة إنسانيّة ولا لغيرها، بل سيطلق "نتنياهو" العنان لجنونه وسعاره أكثر من أجل إبادة أهالي غزّة ومسح القطاع عن الوجود.
وعندها ستكون الأرضيّة ممهّدة للتهديد باستخدام القنبلة النوويّة، تلك "الفقاعة" التي أطلقها أحد وزراء حكومته المتعصّبين والتي قطعاً لم تأتِ من فراغ، بل واستخدام هذا السلاح فعليّاً، ليس من باب "الضرورة" بالضرورة، ولكن من قبيل أنّه من منظور العقل الصهيونيّ الأداتيّ النفعيّ وسيلة "متاحة" و"سهلة" و"رخيصة" و"فعّالة" لإنجاز "المهمّة" التي يُجمع الجميع على صعوبتها حاليّاً!
والأهم، لأنّها الطريقة "المنطقيّة" الوحيدة بالنسبة لعقل إجراميّ عنصريّ مثل عقل "نتنياهو" مسكون بخرافات توراتيّة وتلموديّة محرّفة من أجل استعادة هيبة الكيان وجيشه التي تبعثرت منذ 7 أكتوبر، وإعادة غرس الرعب في نفوس العرب شعوباً وأنظمةً بعد أن بدّدت "المقاومة" صورة هذه "الفزّاعة" الجوفاء و"البعبع" المصنوع من ورق!
سيناريو مكرّر لسيناريو "هوريشيما" و"ناكازاغي" باعتبار أنّ ضرب هاتين المدينتين اليابانيّتين لم يكن وقتها ضرورة عسكريّة، بل لأسباب سياسيّة ودعائيّة وتعبويّة تتعلّق بمفاوضات ما بعد الحرب، وفي حالتنا هذه: ما بعد حماس، وما بعد غزّة!
تراخي الأمريكان في وضع حدّ لحليفهم الذي فقد صوابه، لاعتبارات ليس لها علاقة بالضرورة بمصالح الولايات المتحدة ونفوذها في المنطقة، بمقدار ما تتعلّق بمصالح وحسابات انتخابيّة ضيقة خاصة بالإدارة الأمريكيّة الحاليّة وشخوصها.. هذا التراخي يهدّد بجرّ المنطقة لسيناريوهات أخطر ممّا تخيّل الجميع لغاية الآن، سيما وأنّ هناك تهديدات سبق وأن صدرت بالفعل من قبل "الحوثيين" باستهداف "مفاعل ديمونة" في حال أصرّت "إسرائيل" على تعنّتها وتماديها!
كلّ هذا يأتي وسط أجواء عالمية مشحونة أساساً، ما بين إدخال روسيا صاروخ (سارمات) أو "الشيطان" أو "يوم القيامة" إلى الخدمة رسميّاً، وسيرها بإجراءات إلغاء مصادقتها على اتفاقية "حظر انتشار الأسلحة النووية"..
وما بين قيام أميركا باختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات الأسبوع الماضي (وقد فشلت التجربة)، وتحريكها لإحدى غواصاتها العاملة بالطاقة النووية للمنطقة، والقادرة في حال تسليحها على إطلاق الأسلحة النوويّة الإستراتيجيّة..
وما بين الاستنفار النوويّ الضمنيّ الذي أعلنه الرئيس الكوريّ الشماليّ بالتزامن تقريباً مع انطلاق "طوفان الأقصى"، وذلك عندما صرّح بأنّه يحتفظ بالزر النوويّ على سطح مكتبه..
وما بين عدم اليقين إزاء ما تمتلكه وما لا تمتلكه إيران فيما يتعلّق بالسلاح النوويّ والعودة لإثارة اللغط والجدل حول ذلك..
وما بين امتلاك "باكستان" السلاح النوويّ باعتبارها الدولة الإسلاميّة الوحيدة التي تمتلك رسميّاً مثل هذا السلاح، والضغوطات التي يمكن أن تتعرّض لها مِن قِبَل مليار ونصف مسلم للردّ بالمثل في حال استخدام "إسرائيل" سلاحها النوويّ ضد أهالي غزّة، علماً أنّ "باكستان" قد تعمّدت التعليق رسميّاً على دعوة الوزير الصهيونيّ لضرب غزّة بالقنبلة النوويّة، مع أنّ باكستان مُقلّة نسبيّاً في تصريحاتها وتعليقاتها إزاء ما يحدث في غزّة!