السلام المشوه

 
لكثير من الأسباب لن يكون في مقدور مجتمعاتنا العربية والإسلامية القبول بالتطبيع ( سلام مشوه) مع دولة الاحتلال ، ولطالما ثبت بما لا يدع مجالاً للشك ما قاله ويقوله المحللين السياسيين المنصفين والمفكرين من أصحاب الرؤية الثاقبة والفكر المستنير، الذين يحكمون على الأحداث وتسلسلها من منظور حيادي بحت، أن ما عجز عن أخذه الصهاينة بالقوة سيأخذونه كاملاً و بالتطبيع وفوقه " حبتين مسك"، فلننظر إلى ما يجري في الضفة الغربية، بلا استثناء ومنذ اتفاق أوسلو لم يعط أي رئيس وزراء حالي أو سابق "إسرائيلي"مما تعهدت به دولة الاحتلال أي من بنود اتفاقية أوسلو، بل عكس ذلك تماماً شرعوا يقضمون الأراضي العربية الفلسطينية شيئاً فشيئاً، كان هذا الاتفاق بمثابة " الدجاجة التي تبيض ذهباً" بالنسبة لهم ليحققوا مآربهم منذ احتلال أرض فلسطين الطاهرة.
التطبيع هو أقصر الطرق لتدجين الفرد العربي والمسلم ومجتمعه بشكل عام، لن يكون هناك حق للمسلمين في أرض فلسطين ومقدساتها، و التعايش مع المجتمع المحتل لن يكون إلا وفق السيناريوهات التي يعدونها هم بأنفسهم للعالمين العربي والإسلامي، وهنا يظهر سؤال مشروع مفاده أو تعتقدون أنهم لم يخططوا لكل هذه الأحداث حتى قبل قيام الكيان الصهيوني
في فلسطين؟! يجهزون أنفسهم لجميع الاحتمالات السلام، الحرب، لاسلام ولا حرب، إلا أمة الإسلام كأنها تنتظر مصيرها الذي يعدونه لها بلا حول ولا قوة ، نهز الرؤوس بالقبول والإبتسامة المقهورة، لا نتصور في أي حال من الأحوال أن طبيعة الإنسان العربي والمسلم يرضى بأن يروضه أعدائه، ويبرز سؤال وجيه آخر لماذا نجعل مصيرنا بأيديهم ونحن قادرون ولسنا عاجزون على أن نقلب الطاولة فوق رؤوسهم ورؤوس من يدعمهم؟!
في التطبيع قل "يا رحمن يا رحيم" على الاقتصاديات الوطنية، سيغدو المنتج المحلي في خبر كان، أضف إلى ذلك المستوى المعيشي للمواطن العربي والمسلم أينما كان سيكون في الحضيض، بدل أن يعيش على الأرض يحضر نفسه أن يعيش في ظل التطبيع تحت الأرض. فكل ذلك مرده الخوف الذي يعتري المجتمعات العربية والإسلامية من تسلط الصهاينة وأعوانهم، وهم لا يدرون أن التطبيع سيبتلع الوجود العربي والإسلامي في أرضه، وضياع الهوية هو العنوان الأبرز عندئذ، أما التعليم فحدث ولا حرج سيعلمون أبناءنا أن أعداء أسلافهم هم الأخيار ومن يعاديهم هم الأشرار، ولنا في المجتمع الدرزي في فلسطين المحتلة أكبر دليل، الإنسان الدرزي فصلوه عن مجتمعه العربي الفلسطيني أوهموه بأنه يمتلك هوية مستقلة ومختلفة عن أبناء جلدته، فجندوه وحمل السلاح في وجه شركاء الوطن وقتل وأوغل في الدماء.
فمن يعتقد أن التطبيع أفضل وسيلة لإنقاذ الفلسطيني من وحشية المحتل فهو واهم، إنما يغرقه في الوحل، مع التطبيع الذبح الحلال وحشية بحق الحيوانات، الحجاب تخلف وتراجع عن ركب الحضارة، إطلاق اللحية إرهاب، الطقوس الدينية تفريخ للمخربين وتحريض على العنف.
ما يرشدنا إليه ديننا الحنيف من القرآن والسنة واضح لا لبس فيه، على المجتمعات العربية والإسلامية الحذر من ادعاءات التطبيع والترويج لها، وأن وضع مساحيق التجميل عليها لن يخفي حقيقة الخطر الذي يترقب كل من يرضي بالتطبيع وفي جوهره " الخنوع والاستسلام"، فالتطبيع خسارة وكفته لن ترجح مهما وضعنا من أوزان للتشجيع عليه.