سياسيون اردنيون يتحدثون عن الدروس المستفادة من الثورة البنغلاديشية : الشعب مصدر الشرعية الوحيد


مالك عبيدات - هناك بعيدا في جنوب شرق آسيا، شهدت جمهورية بنغلاديش على مدار أسابيع متواصلة احتجاجات طلابية سرعان ما تحوّلت إلى ثورة أطاحت برئيسة الوزراء الشيخة حسينة بعد (15) عاما شغلت فيها هذا الموقع دون أن تُراعي مطالب شعبها بالإصلاح الاقتصادي والعدالة بين فئات المجتمع وخاصة فيما يتعلّق بالعدالة في التوظيف.

لم تنفع الشيخة حسينة محاولاتها قمع الاحتجاجات والمحتجين ورميهم بالرصاص الحيّ، كما لم تنفعها محاولات التعتيم الإعلامي لحقيقة ما يجري في الميدان من خلال قطع الانترنت ووسائل الاتصال عن أرجاء البلاد، بل أن القمع كان يؤتي نتائج عكسية ويزيد حدّة ووتيرة الاحتجاجات، ولم تنفع الشيخة حسينة أيضا تحالفاتها مع مراكز القوى في داخل الدولة من شرطة وجيش، ولم تُسعفها أيضا تحالفاتها الدولية مع الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول الغربية وبعض الدول العربية أيضا، فأدركت متأخرا أن كلّ تلك التحالفات لم تكن لتحميها من ثورة شعبها الذي عانى تحت حكمها من الظلم والحرمان والقمع ومحاولات الاستئثار بالثروة والتحكم بأرزاق الناس وغياب العدالة.

ما عايشته بنغلاديش يكاد ينطبق على كثير من دول العالم الثالث التي تتعامل فيها الأنظمة مع الأوطان على أنها شركات أو ملكيات خاصة، ولا تقيم وزنا لشعوبها، معتقدة أن التحالفات الدولية والدعم الخارجي بما فيه الأمريكي والغربي يحميها من ثورة الشعوب، فالحقيقة أن شرعية الأنظمة تُستمدّ من الشعوب فقط، وكلّما كانت العلاقة بين النظام والشعب وطيدة كلّما كان النظام مستقرّا.

الشيخة حسينة  لم تشفع لها السطوة والتحكم والسيطرة ، لم يدركها الدعم  الخارجية ، كما لم تسعفها السلطات والنخب المستفيدة من بقائها في السلطة ، لا بل اخذ كل واحد منهم   يبحث عن ملاذات امنة ، وسرعان من تقافزوا من القارب الذي تبين لهم انه غارق لا محالة ...

الشيخة حسينة التي تناست المصدر الحقيقي للشرعية ، كان مصيرها ان هرعت الى احضان الشرعيات الواهنة التي راهنت عليها في سنوات حكمها المتسلط والمستبد .. 

هذا الاستقرار الواهي الهش الذي ركنت اليه الشيخة حسينة ، الصمت الشعبي المطبق الذي دام طويلا الى درجة انها اعتقد انه سيدوم للابد ، سرعان ما تحول الى ثورة الى مارج من نار اكل الاخضر واليابس ولم يترك لها متسعا لمراجعة او لتصويب السير والمسيرة ... 

الشيخة حسينة لم تفكر للحظة في الاستفادة من دروس التاريخ ، كانت تظن انها باقية ومستقرة ومقتدرة ، وان هذه الجموع الغفيرة من الدهماء من الفقراء من المعذبين من المرعوبين لن تقوم لهم قائمة ، وهو ما تبين انه وهم وخيلاء ، فعندما تتحرك هذه الجموع الغاضبة لن تردها قوة على الارض ... آبت الشيخة ان تدرك المؤشرات وتستوعب التحولات والمتغيرات وتستمع لعذابات ابناء شعبها .. انها غطرسة القوة التي لا تسمح لاصحابها في الاستيقاظ الا بعد فوات الاوان .. 

د.  ذياب : الرهان على القوى الخارجية خاسر وواهم 

وحول ذلك، قال أمين عام حزب الوحدة الشعبية، الدكتور سعيد ذياب، إن الدرس الأكبر المستفاد مما شهدته جمهورية بنغلاديش، أن "كلّ الأنظمة المستبدة لا تدرك ولا تستوعب أن الجماهير في لحظة ما لن تطيق الوضع السائد، وستخرج بكامل طاقتها للتخلص من الاستبداد، بالتالي على أي نظام يمتلك الحدّ الأدنى من الذكاء أنه يقرأ المستقبل، ويوائم سياسته مع متطلبات شعبه".

وأضاف ذياب لـ الاردن24 "أن أي رهان على تحالفات خارجية، بما فيها الرهان على الولايات المتحدة، لحماية الأنظمة من الشعوب هو رهان خاسر وواهم"، مبيّنا أن الولايات المتحدة تنظر للأنظمة على أنها أدوات لخدمة مصالحها، وفي اللحظة التي تعجز فيها الأنظمة عن حماية مصالح الولايات المتحدة ستتخلى عنها "ولنا في تجارب التاريخ دليل، من شاه ايران الذي لم يسمحوا له حتى الاقامة في الولايات المتحدة إلى الشيخة حسينة".

وشدد ذياب على أن "رهان الأنظمة يجب أن يكون دائما على الشعوب فقط".


 الفلاحات : الشرعية مستمدة من الشعوب 

ومن جانبه، قال السياسي المخضرم والحزبي المتمرس سالم الفلاحات، إن ما جرى في بنغلاديش يحمل دروسا كبيرة قرأناها في العالم العربي عدة مرات، كما قرأناها مع شاه ايران، لكن المشكلة أن الأنظمة لا تعتبر، مشيرا إلى أن "القائد أو الحاكم لا يحميه إلا شعبه".

وأضاف الفلاحات لـ الاردن24 أن على الأنظمة العربية أن تعيد النظر بسياساتها وتجعل شرعيتها مستمدة من قبول الشعوب لهم ودعمها لهم، وذلك من خلال تمكين الشعوب بالحرية والديمقراطية وليس بالقهر.

وختم الفلاحات حديثه بالقول إن "الولايات المتحدة لديها منهجية لتبديل الأنظمة والحكام ولا تأبه بتاريخهم، وعلى الحكام أن يلتفتوا إلى الشعوب ويتوقفوا عن معاقبة الشعوب وسجنها، وأن يسعوا إلى وحدة وطنية حقيقية وينالوا شرعية شعبية حقيقية".

د. الحوارات : الفقر والباطلة واستشراء الفساد المحاصصات تولد الثورات 

 الكاتب والمحلل السياسي والاستراتيجي، الدكتور منذر الحوارات، قال إن الولايات المتحدة تدعم أي قائد سياسي بالقدر الذي يستطيع فيه الموازنة بين رعايته للمصالح الأمريكية والمصالح الداخلية، وعندما يتجاوز أي زعيم حدود تحمّل المجتمع الداخلي، وعندما لا يستطيع أن يؤمن تضامنا اجتماعيا يبقيه في السلطة بشكل مستقر وآمن تسارع للتنازل عنه مع أول تحرّك شعبي.

وأضاف الحوارات لـ الاردن24 أن تعاظم الفقر والبطالة والأوضاع الداخلية المتردية واستشراء الفساد ونظام المحاصصة في الوظائف من شأنه دفع الشعوب للتحرّك ضدّ حكوماتها. 

وشدد الحوارات على أن العلاقة مع الولايات المتحدة لا تضمن بقاء اي نظام سياسي، وأن العلاقة مع الشارع والمجتمع وتحسين فرص حياته هي التي تضمن بقاء الأنظمة.