بعد مجزرة التابعين .. كلاحة الانظمة العربية والاسلامية مصدر الدهشة
عذراّ للتكرار، لكن الحرب الشيطانية التي يشنّها الكيان الصهيوني على أهالي غزّة قد كانت منذ اليوم الأول حرب (إبادة وتهجير)، وما تزال حرب (إبادة وتهجير)، وستبقى حرب (إبادة وتهجير)!
أيّ قراءة لما يحدث في غزّة خارج إطار (الإبادة والتهجير) هو محض تضليل وتشتيت وحرف للبوصلة!
مسح القطاع عن الخريطة، وإعادة احتلاله، وتسليمه "صعيداً جُرُزاً" إلى شركات الطاقة التي سبق وأن تمّ منحها عقود استخراج الغاز من بحر غزّة.. هذه هي "المهمة" التي ينفّذها الكيان الصهيوني وعصابة حربه والكلب المسعور "نتنياهو" وأعوانهم في المنطقة بالوكالة عن أسيادهم ورعاتهم الغربيين!
وهذه المهمّة تتقاطع مع الغاية الإستراتيجيّة الأبعد والمخطّط الصهيو ـ أمريكي الأكبر المتمثّل في تصفية القضية الفلسطينية نهائياً، وإتمام احتلال فلسطين من البحر إلى النهر بما في ذلك الضفة الغربيّة، وطرد الفلسطينيين بالكامل بما في ذلك فلسطينيّي الداخل أو ما يسمّى الـ 48، ومَن يتم الإبقاء عليه منهم لا يبقى بصفة "مواطن"، بل بصفة خزّان فائض من العمالة "الوافدة" الرخيصة!
لذا، بعد (310) أيام من الإبادة المُمنهجة من المدهش أنّ هناك مَن ما تزال تدهشهم وتصدمهم مجازر مثل مجزرة "مدرسة التابعين" اليوم، أو مناظر مثل منظر نزوح أهالي شرق "خان يونس" بالأمس!
هل يظنّ هؤلاء أنّ (الإبادة والتهجير) هي مجرد "ترند" تمّ إطلاقه مع بداية القتال، وسرعان ما سيُخلي مكانه لـ "ترند" آخر جديد يتناسب مع طبع الجمهور الملول ومزاجه "السوشال - ميداوي" المتقلّب؟!
هل يظنّ هؤلاء أنّ (الإبادة والتهجير) هي مجرد "هاشتاغ" اجترحه أحدهم لأنّه بدا موحياً ومؤثّراً في حينه؟!
هل يظنّ هؤلاء أنّ (الإبادة والتهجير) هي مجرد تسمية رنّانة نحتها صحفيون لإضفاء أهمية وهالة على تقاريرهم وتغطياتهم الصحفيّة؟!
هل يظنّ هؤلاء أنّ (الإبادة والتهجير) هي مجرد فزلكات كتّاب ومحلّلين متنطّعين يريدون أن يظهروا بمظهر "الفهمان" و"العميق"؟!
(الإبادة والتهجير) هي عنوان هذه الجولة من الصراع، وهي العتبة التي تحدّد النصر من الهزيمة في هذه الجولة!
كلّ التصعيد الحاصل، وكلّ التصعيد الذي يمكن أن يحصل [أو لا يحصل] مردّه ومآله في نهاية المطاف هذه النقطة المفصليّة: هل ينجح مخطط (الإبادة والتهجير)، أم يفشل مخطط (الإبادة والتهجير)؟!
حتى الردّ الإيرانيّ/ اللبنانيّ/ اليمنيّ المُنتظَر، العامل الحاسم في وقوعه [أو عدم وقوعه]، وفي توقيته وحجمه وكيفيّته.. هو إلى أي مدى يمكن أن يصبّ هذا الردّ في إفشال [أو إنجاح] مخطط (الإبادة والتهجير)!
معركة "طوفان الأقصى" كـ "ضربة استباقيّة" قد نجحت بالفعل في قطع نصف الشوط نحو النصر، أي مباغتة وإرباك وإفشال مخطط (الإبادة والتهجير) على طريقة "تغدينا بهم قبل أن يتعشّوا بنا"!
ولو تُركت للعدو الصهيونيّ حينها حريّة اختيار التوقيت والكيفيّة لفاقت الإبادة ما رأيناه من جرائم ومجازر لغاية الآن، ولنجح التهجير بما يكافئ إخفاقه لغاية الآن!
وكلّ القتال ما بعد 7 أكتوبر هو على النصف الثاني من النصر: هل ينجح أهالي غزّة والمقاومة وجبهات الإسناد في إحباط مخطط (الإبادة والتهجير)، أم ينجح العدو الصهيو - أمريكي في تدارك ما فاته والمضي قُدُماً وإنفاذ مخططه لـ (الإبادة والتهجير)؟!
المعضلة بالنسبة للعدو الصهيو - أمريكي أنّ (الإبادة والتهجير) في غزّة هي حجر الزاوية في مخططاته لإعادة ترتيب المنطقة، وإعادة إنتاج النفوذ والهيمنة الأمريكيّين لعقود قادمة.. و"الفشل" في غزّة يعني تعثّر هذه المخططات وإخفاقها بطريقة قد تفضي إلى إعادة رسم خريطة النفوذ والهيمنة وموازين القوى والمصالح بشكل جذريّ!
من هنا تأتي "وجوديّة" هذه الجولة من الصراع..
ومن هنا تأتي النزعة الصهيو - أمريكيّة للتصعيد والمزيد من التصعيد، برغم كلّ الكلام الأجوف والمعدّ للاستهلاك الإعلاميّ وشراء الوقت حول التهدئة والمفاوضات والهدنة وقرارات "محكمة العدل الدوليّة" وقرارات "مجلس الأمن" و"مبادرة بايدن" و"البيان الثلاثي" و"حلّ الدولتين".. الخ؛ فالحلّ المنطقيّ الذي يمكن أن تتفتق عنه عقليّة إجراميّة مثل العقليّة الصهيو - أمريكية من أجل تدارك إخفاقها التراكمي في غزّة هو جرّ المنطقة برمّتها إلى الحرب، وضرب جبهات الإسناد وإشغالها بنفسها، بما يتيح الاستفراد بغزّة دون أن يبقى لها ولأهلها أدنى ديّة أو مُطالِب!
إذا كان هناك شيء يدعو للدهشة بعد (310) أيام فهو ليس الجرائم والمجازر الصهيو - أمريكية، بل كلاحة الأنظمة العربية [والإسلامية]، خاصة تلك التي توصف بـ "الاعتدال"، والتي تصرّ على تكرار أسطوانة "الشجب" و"الإدانة" المشروخة بما يمنح العدو المزيد من المساحة والبحبوحة والأريحيّة في الإمعان بجرائمه، وتزيد من إحساس الشعوب العربية باليأس والقنوط والسخط والعجز وقلّة الحيلة..
والأكلح، تلك الأنظمة التي تطالب بتحرّك أمميّ وتدين "المجتمع الدوليّ" على سكوته وسكونه وهي من طرفها غير مستعدّة للإتيان بأدنى حركة تقع تحت نطاق سيادتها وصلاحيتها، كتجميد العلاقات مع الكيان الصهيوني ولو مؤقّتاً، وقطع كافّة أشكال التعامل والتبادل معه حتى إشعار آخر!
بالنسبة لنا كأفراد فإنّ "الدهشة" و"الصدمة" ليست ردّ الفعل المُنتظَر منّا إزاء جرائم العدو ومذابحه، ولا حتى الحزن والفجيعة.. ردّ الفعل المتوقّع منّا هو "الغضب"، حتى لو استدعى الأمر تذكير أنفسنا به وتصنّعه تصنّعاً وحشره عنوةً داخل أنوفنا!