صفقة العطارات: تعدي على الدستور وخطيئة تعاقدية تتطلب المساءلة والعقاب
ساقت الحكومة الاردنية بالتوافق مع شركة الكهرباء الوطنية المملوكة الغبن الفاحش كاساس قانوني لدعوى التحكيم مع شركة العطارات؛ وهذا الاساس القانوني بحد ذاته يحمل في طياته ادانة صريحة لاولئك الذين قاموا بتوقيع الاتفاق بالنيابة عن الحكومة ، لا سيما ان اعتراف اي حكومة بتعرضها للغبن الفاحش هو بحد ذاته محرج ومخجل ، فكيف يحدث ذلك بالرغم من انها اي الحكومة لديها كل الادوات والصلاحيات والمصادر اللازمه لدفع هذا الغبن قبل التوقيع على على اي اتفاقيه كما انها جهه سيادية ولا يوجد ما يجبرها على الوقوع بمثل هذا الخطأ القانوني.
الا ان هذا الاساس القانوني الذي قدمته الحكومة وشركة الكهرباء الوطنية للدعوى يقود الى اعتراف ضمني من قبل الحكومه الى ان الاسعار التي اتفقت عليها مع شركة العطارات فيها غبن فاحش للمواطن وللاقتصاد الوطني وليس للحكومة فقط؛ لان المواطن هو من سيتحمل فارق هذه الاسعار وهو من سيدفع كلفة التعرفه الكهربائية المرتفعة نتيجة قرار مسؤول يرقى الى مستوى جناية بحق الاقتصاد الوطني الذي يأن تحت وطأة ازمات اقتصادية خانقة نتيجة سياسات وقرارات ونهج حكومي واخطاء ترتكب بالجملة دون محاسبه ومساءلة وعقاب .
وتعتبر الاتفاقية المبرمة بين شركة الكهرباء الوطنية الأردنية وائتلاف الشركات الدولية لشراء الكهرباء بأسعار مرتفعة قضية بالغة الأهمية، تتجاوز مجرد الخلاف على التكاليف. فهي تمثل اختباراً حقيقياً لالتزام الحكومة الأردنية بمبادئ الشفافية والمساءلة، وتثير تساؤلات جوهرية حول طبيعة العلاقة بين السلطات التشريعية والتنفيذية في الأردن، وتداعياتها على الاقتصاد الوطني والمواطن الأردني.
وبما ان الدستور الأردني يمثل المرجع الأساسي في تقييم مدى قانونية هذه الاتفاقية.فلقد نصت المادة 33 من الدستور على ضرورة موافقة مجلس الأمة على المعاهدات التي تترتب عليها أعباء مالية، تؤكد على أهمية الرقابة البرلمانية على القرارات الحكومية التي تؤثر على المالية العامة. وعلى الرغم من ايراد حجة ان من وقع الاتفاقية هو شركة وليس الحكومه الا ان التوصيف القانوني الصحيح ، ان هذه الشركة مملوكة بالكامل للحكومة وهو التي تتحمل التبعات والاثار الناجمة عن هذا الاتفاق ، كما ان هذه الاتفاقية مكفولة من قبل الحكومه وكذلك فإن الحكومة الاردنية بالاشتراك مع شركة الكهرباء الوطنية قد ذهبا معا الى قضية التحكيم.
هذا التوصيف القانوني يقودنا الى ان الموازنة العامة هي من ستتحمل اعباء هذا العبء الاضافي وان المواطن هو من سيدفع هذه الفروقات مما يقود الى التساؤل : لماذا والحالة هذه لم تخضع هذه الاتفاقيه لموافقة مجلس النواب وبسط الرقابه البرلمانيه عليها بموجب المادة 33 من الدستور ؟!! ثم وبما ان الحكومه اعترفت ان هذه الاتفاقيه فيها اضرار بالصالح العام والماليه العامة وسيترتب عليها تحميل اعباء اضافيه على الخزينة العامة و المواطنين وذلك ،و اقرارها بالتعرض للغبن الفاحش؛ فهل ستتم محاسبة هؤلاء المسؤولين الذين تسببوا بالغبن الفاحش للدوله الاردنية؟
إن عدم حصول الاتفاقية على موافقة مجلس الأمة يثير تساؤلات جوهرية حول مدى التزام الحكومة بمبدأ الفصل بين السلطات، وهو مبدأ أساسي في أي نظام ديمقراطي. فالدستور يمنح كل سلطة من السلطات الثلاث صلاحيات محددة، ويجب ألا تتعدى أي سلطة على صلاحيات السلطة الأخرى.
والمسؤولون الحكوميون الذين أبرموا هذه الاتفاقية قد يتحملون مسؤولية قانونية جنائية أو مدنية، وذلك إذا ثبت أنهم تجاوزوا صلاحياتهم وتسببوا باضرار مالية جسيمة . وقد تشمل هذه المسؤوليات المساءلة السياسية، والإحالة إلى القضاء وهو ما يتوجب على هيئة مكافحة الفساد النظر فيه لتحديد ما اذا كان هناك فساد مالي واداري من قبل مسؤولي الشركة الذين وقعوا على الاتفاقية وكذلك ملاحقة الوزراء الذين وافقوا على هذه الاتفاقيه من خلال اللجوء الى قانون محاكمة الوزراء
كما نظم القانون الأردني إجراءات إبرام العقود ، وحدد الشروط الواجب توافرها . من أهم هذه الشروط:
المشروعية، والمصلحة العامة، والمساواة بين المتنافسين، والشفافية.. وبما ان الحكومه اقرت بتعرضها للغبن الفاحش فهذا يعني انها لم تراع المصلحة العامه او ان هناك شفافية ومشروعية بين اطراف العقد لانه لو كان هناك شفافية لما تم القبول بهذه السعر ولهذه المده الطويله، ناهيك عن كون هذه الاتفاقية لم تعرض على مجلس النواب ولم تحصل على موافقته .
هذه الاتفاقية التي تعرضنا بها للغبن الفاحش ستؤدي حتما لارتفاع أسعار الكهرباء جراء زيادة تكاليف الإنتاج لدى شركات التوزيع ، الامر الذي سيترتب عليه بالضرورة ارتفاع الأسعار بشكل عام، وتقليص القدرة الشرائية للمواطنين، وتفاقم مشكلة التضخم. كما ورتبت هذه الاتفاقية أعباء مالية كبيرة على الموازنة العامة للدولة، مما قد يؤدي إلى تقليص الإنفاق على الخدمات العامة الأساسية مثل الصحة والتعليم، وزيادة الضغوط على المواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود.
كما ان التخبط الحكومي سيرسل إشارات سلبية للمستثمرين الأجانب حول مدى استقرار البيئة الاستثمارية في الأردن، مما قد يؤدي إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية، وتأثير سلبي على النمو الاقتصادي.
وعليه فمن الضروري ان يتم فتح تحقيق برلماني وقضائي لتحديد المسؤوليات عن إبرام هذه الاتفاقية دون الحصول على الموافقة اللازمة، ليتم توجيه او نفي اتهامات الفساد أو الإضرار بالمال العام إلى المسؤولين المتورطين.
إن الاتفاقية المبرمة بين شركة الكهرباء الوطنية الأردنية وائتلاف الشركات الدولية تثير العديد من التساؤلات حول مدى التزام الحكومة بالقانون والدستور، وتؤكد على الحاجة إلى تعزيز آليات الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة، وضمان الشفافية والمساءلة في التعامل مع الأموال العامة. كما يجب على الحكومة أن تكون أكثر شفافية في التعامل مع مثل هذه الاتفاقيات، وأن تقوم بنشر جميع المعلومات المتعلقة بها، وأن تخضع للمساءلة البرلمانية والقضائية.
ويجب على الحكومة أن تضع مصلحة الوطن والمواطن في المقام الأول عند إبرام أي اتفاقيات دولية، وأن تتأكد من أن هذه الاتفاقيات تخدم المصالح الوطنية على المدى الطويل. ويجب على البرلمان أن يقوم بدوره الرقابي على الحكومة بشكل كامل، وأن يضمن أن جميع الاتفاقيات التي تبرمها الحكومة تخدم المصالح الوطنية، وأن تخضع للموافقة البرلمانية قبل تنفيذها.