الشباب في يومهم الدولي.. يقودون الابتكار الرقمي إلى آفاق أرحب



يبرز دور الشباب كأحد الأعمدة الرئيسية في قيادة الابتكار الرقمي لمواجهة التحديات العالمية ودفع عجلة التنمية المستدامة إلى الأمام وفتح آفاق وفرص عمل جديدة قُدما في عالمٍ متسارع تحتل فيه التقنيات الحديثة موقعا مركزيا.

وبفضل إبداعاتهم، أصبحت التقنيات جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجيات التي ترسم ملامح المستقبل، حيث يسهم الشباب في تحويل الأفكار إلى حلول ملموسة تدعم المجتمعات، وتساهم في بناء اقتصادٍ رقمي قوي ومستدام.

متحدثون بينوا في أحاديثهم لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، بمناسبة يوم الشباب الدولي الذي يصادف اليوم الاثنين تحت شعار (من النقر إلى التقدم: مسارات الشباب الرقمية للتنمية المستدامة) أن الابتكار أصبح ضرورة حتمية للشباب ليس فقط للبقاء في طليعة التطورات، بل للمساهمة بفعالية في تطوير مجتمعاتهم وتعزيز النمو الاقتصادي، ودفع التنمية إلى الأمام، مما يعزز دور الأردن كوجهة استثمارية رائدة في المنطقة.

وتعرّف الجمعية العامة للأمم المتحدة "الشباب" على أنهم الأشخاص ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما، وأطلقت على الشباب مسمى "حاملي راية 2030"؛ لأنهم يؤدون دورًا محوريًا ليس فقط كمستفيدين من إجراءات وسياسات جدول أعمال التنمية، بل أيضا كشركاء في تنفيذه.

و‏تشير التقديرات السكانية التي أعدتها دائرة الإحصاءات العامة إلى أن خُمس السكان في المملكة هم من فئة الشباب في الفئة العمرية (15-24) سنة، إذ بلغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة من مجموع سكان الأردن المقدر لنهاية عام 2023 البالغ 11.6 نسمة، فيما يبلغ عدد الشباب حول العالم نحو 1.2 مليار شاب، يمثلون 16 في المائة من سكان العالم، بحسب الجمعية العامة للأمم المتحدة.

الجمعية العامة للأمم المتحدة بينت بهذه المناسبة عبر موقعها الإلكتروني أن التقنيات الرقمية تعتبر أدوات أساسية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث تسهم في تحقيق 70 في المائة على الأقل من الأهداف الـ169 للتنمية المستدامة.

وعلى الرغم من الحاجة الملحة لتعزيز الشمول الرقمي، يُعترف بالشباب بشكل كبير باعتبارهم "أبناء العصر الرقمي"، حيث يستخدمون التكنولوجيا لدفع التغيير وخلق الحلول، ومع اقتراب الموعد النهائي لأهداف التنمية المستدامة لعام 2030، يعد دور الشباب في الابتكار الرقمي أساسيًا لمواجهة التحديات العالمية.

ففي ظل التحديات التي تواجه المستخدمين على منصات التواصل الاجتماعي التقليدية، يبرز التطبيق الأردني "MF-MYFRIEND" كخطوة ريادية نحو تأمين فضاء التواصل الاجتماعي العربي، معززًا بأعلى مستويات الأمان والخصوصية.

وأشار الشاب غيث الروسان أحد مؤسسي شركة "النمط العصري للتكنولوجيا المعلومات"، بأن التطبيق جاء كحل مبتكر وبديل قوي وموثوق للكثير من مواقع التواصل الاجتماعي، ويعزز التجربة التكنولوجية المتكاملة".

وشدد على أنه مع الدعم المناسب، يمكن لهذا المشروع أن يضع اسم الأردن في مقدمة دول العالم في مجال البرمجيات الحديثة، قائلا:"نحن نطمح أن يكون هذا التطبيق نموذجاً يحتذى به في جميع أنحاء العالم، ليس فقط من حيث الأمان والخصوصية، ولكن أيضاً من حيث الابتكار الذي يعد قيمة مضافة في الاقتصاد الوطني، وفي المجتمع ككل".

فيما بين محمد الحتاملة أحد مؤسسي الشركة أن فكرة التطبيق بدأت في عام 2019، حيث سعت الشركة في تطوير مشروع يهدف إلى تحرير المحتوى العربي من القيود التي تفرضها منصات التواصل الاجتماعي العالمية، وبعد مراحل متعددة من التطوير، استغرقت لسنوات، تم إطلاق النسخة الأولى من التطبيق على نظام أندرويد في أبريل 2024، وتبع ذلك إصداره على نظام iOS في يوليو 2024 بعد الحصول على موافقة شركة أبل واعتماد التطبيق رسميًا.

ويعتبر الأمان والخصوصية من الركائز الأساسية لهذا التطبيق، حيث يعتمد تقنية التشفير 256 "هاش"، وهي من أقوى تقنيات التشفير المعروفة ومن أعلى مستويات الأمان للمستخدمين؛ لضمان حماية بياناتهم والحفاظ على خصوصيتهم.

وبين أنه تم إطلاق محرك بحث جديد ومبتكر (Based) والذي تم تطويره بالكامل بأيدي أردنية، ليأتي هذا المشروع معززا لمكانة الأردن في مجال التكنولوجيا والابتكار، حيث يهدف إلى تقديم تجربة بحث متقدمة وسهلة الاستخدام، إضافة إلى العديد من المزايا الذكية مثل فهم السياق اللغوي والتعلم من سلوك المستخدمين لتحسين تجربة البحث بمرور الوقت، ويعتبر أحدث محرك بحث مكتوب بلغة ( php) وهي اللغة الأكثر مرونة في عالم التكنولوجيا.

وعلى الرغم من التحديات، تمكن الفريق من إطلاق التطبيق بنجاح، ولاحظوا ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الإقبال عليه، ومع ذلك، أشار الحتاملة إلى أن الإقبال لا يزال محدوداً، مما يتطلب المزيد من الجهود لزيادة الوعي والترويج للتطبيق، مؤكدا على أن المشروع بحاجة ماسة إلى الدعم اللوجيستي والإعلامي والمادي للنهوض به.

وفي هذا يقول خبير الابتكار والتفكير الإبداعي أسامة بدندي إنه في العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم، أصبح الابتكار عنصراً لا غنى عنه في حياة الشباب، فالتحولات السريعة في التكنولوجيا والتطورات المتلاحقة في وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية فتحت آفاقاً جديدة للإبداع والابتكار، إذ لم يعد الشباب يكتفون بالاستخدام السلبي للتكنولوجيا، بل باتوا يستغلون هذه الأدوات لخلق أفكار مبتكرة وتحويلها إلى منتجات وخدمات ذات تأثير مباشر على المجتمع.

وأضاف أن هذا التحول جعل الابتكار ضرورة ملحة، لتمكين الشباب من التفكير الإبداعي، ليس فقط للبقاء في طليعة التغيرات المتسارعة، بل أيضاً للمساهمة في تطوير مجتمعاتهم بشكل فعّال ومستدام.

ولفت إلى أن تحفيز الابتكار يتطلب بناء بيئة حاضنة للإبداع، وتعزيز ثقافة الابتكار منذ الصغر وتعليم الشباب كيفية تحويل الأفكار إلى حلول ملموسة هو المفتاح لجيل جديد من المبتكرين القادرين على مواجهة تحديات المستقبل وإحداث تغيير حقيقي في العالم، موضحا أأهمية التعليم في دوره بتعزيز مهارات التفكير النقدي والإبداعي، بدلاً من التركيز التقليدي على الحفظ والتلقين.

وبين أنه أصبح من الضروري في ظل التغيرات العالمية السريعة أن يتبنى الشباب نهجاً استباقياً في التعامل مع هذه التحولات، ذلك أن الابتكار لم يعد مقتصراً على تطوير منتجات جديدة فقط، بل يشمل إعادة التفكير في العمليات والخدمات القائمة وتحسينها باستمرار، بما يعزز هذا النهج من مرونة الشباب وقدرتهم على التكيف مع المتغيرات السريعة، مما يزيد من فرصهم في النجاح والتفوق في مختلف المجالات، كما يمكن أن يكون للتعاون الدولي بين الشباب من مختلف الثقافات التأثير الإيجابي الكبير، في إثراء الخبرات وتعزيز المهارات الإبداعية.

وأشار بدندي إلى أن الابتكار يسهم على الصعيد الاجتماعي في حل العديد من المشكلات التي تواجه المجتمعات الحديثة، مثل تحسين جودة الحياة وزيادة رفاهية الأفراد، أما من الناحية الاقتصادية، فإن الابتكار يعتبر محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي، حيث يسهم في خلق فرص عمل جديدة، ويعزز القدرة التنافسية للشركات، ويساعد في تطوير صناعات جديدة وتحسين كفاءة الصناعات القائمة، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية والنمو الاقتصادي المستدام، فهو استثمار في المستقبل.

عميد كلية الاقتصاد وإدارة الأعمال والأستاذ المشارك في التسويق في الجامعة الإسلامية في ولاية منيسوتا في الولايات المتحدة الأميركية الدكتور طارق التميمي، قال: في هذا العصر الرقمي، يلعب الابتكار دورا حاسمًا في التسويق وتحقيق ميزة تنافسية في السوق، فالابتكار لا يقتصر على تطوير منتجات وخدمات جديدة فحسب، بل يشمل أيضًا تحسين العمليات وتجارب العملاء التي تقدمها الشركات، ومن خلال الابتكار، يمكن تلبية احتياجات الجمهور المتغيرة، توسيع نطاق الانتشار في السوق، وتعزيز التميز التنافسي.

وركز التميمي على أنه يعد الابتكار ضرورة حتمية للبقاء والتطور، حيث تتمكن الشركات التي تتبنى الابتكار الرقمي من تحسين عملياتها عبر تقديم تجارب رقمية متطورة، مثل التسويق الإلكتروني والتطبيقات واستخدام الذكاء الاصطناعي في خدمة العملاء، كما يمكن للابتكار أن ايجاد تجارب فريدة ومميزة للعملاء، ما يعزز ولاءهم للعلامة التجارية، ويحفزهم على التفاعل والمشاركة بآرائهم، بما في ذلك الموردين.

ولفت إلى أن هناك مجموعة من الاعتبارات الأساسية التي يجب على الشباب مراعاتها لضمان فعالية واستدامة ابتكاراتهم في السوق الرقمي، منها فهم الاحتياجات الفعلية للسوق، وضمان قابلية التطبيق والتنفيذ، وإضافة قيمة مميزة، والتركيز على الاستدامة والتطور المستقبلي.

وأشار التميمي إلى أن الابتكار يجب أن يكون متجهاً نحو التحول الرقمي، وقادراً على الاستجابة للتغذية الراجعة، مع مراعاة الأثر الاجتماعي والبيئي، وترويجها من خلال استراتيجيات جذابة ومدروسة تستفيد من الأدوات الرقمية، وتقدم محتوى قيم يرتبط بالابتكار، واتاحة الفرصة بتقديم المنتج أو الخدمة مجانا، والتعاون مع المؤثرين وتسليط الضوء على المزايا الفريدة التي تميز الابتكار عن المنافسين، في الأسواق التنافسية، كما يجب أن تكون الشركات مستعدة للاستجابة السريعة لتحركات المنافسين، مع الحفاظ على تواصل مباشر ومستمر مع العملاء.

وأشار إلى أن تحفيز الشباب على الابتكار يمكن أن يكون له الدور الحاسم في تخفيف البطالة من خلال إيجاد فرص عمل جديدة وتعزيز ريادة الأعمال، مشددا على أهمية ربط الابتكار بحاجات السوق وتحفيز العمل في القطاعات الناشئة، ما يسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني وزيادة جاذبية الأردن كوجهة استثمارية، ويؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الأردني.

وأضاف "يسهم الابتكار في تعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتنويع الاقتصاد بعيدًا عن القطاعات التقليدية، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز الاستدامة، وتطوير رأس المال البشري، إلى جانب توسيع نطاق التعاون الدولي وتحقيق الاستقلالية الاقتصادي"، مبينا أن الابتكار يمثل عنصرًا أساسيًا في تعزيز مكانة الأردن كوجهة استثمارية رائدة في المنطقة، ما يدعم رؤية المملكة نحو اقتصاد مزدهر ومستدام.

الأمين العام للجمعية العامة للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قال في رسالته بهذه المناسبة عبر الموقع الإلكتروني للجمعية: يحتفل اليوم الدولي للشباب بقوة الشباب وإمكاناتهم، وينصب تركيز هذا العام على الدور المحوري للشباب في تسخير التكنولوجيا للنهوض بالتنمية المستدامة، فتحقيق الأهداف يتطلب تمكين الشباب والعمل معهم على قدم المساواة، من خلال سد الفجوات الرقمية، وتعزيز الاستثمارات في التعليم والتفكير النقدي والدراية المعلوماتية، ودعم المبتكرين الشباب لتوسيع نطاق الحلول الرقمية.


(بترا - بشرى نيروخ)