اقتحام الأقصى.. غضب في القدس وانتهاكات تستفز ملياري مسلم



لم تكن أعداد المستوطنين الذين اقتحموا المسجد الأقصى، اليوم الثلاثاء، بمناسبة ذكرى "خراب الهيكل" مفاجِئة رغم ضخامتها، ولم تكن الانتهاكات التي سُجّلت صادمة بالنظر إلى حملة الحشد الكبيرة التي قادتها منظمات الهيكل المتطرفة من جهة، وحملة الإبعادات الاحترازية التي سبقت إحياء هذه الذكرى بأيام ومنع المصلين من الوصول إلى المسجد من جهة أخرى.

وأثارت الاقتحامات وما تخللها من انتهاكات وأداء طقوس تلمودية غضب كافة المستويات الوطنية والدينية والسياسية في القدس التي أجمعت على أن سلطات الاحتلال تستغل العدوان المستمر على غزة منذ أكثر من 10 أشهر من أجل تحقيق مكاسب جديدة في أولى القبلتين.

ووفق دائرة الأوقاف الإسلامية، فقد شارك في الاقتحامات اليوم 2958 مستوطنا، مشيرة إلى أنه يفوق عدد المقتحمين المسجل لذات المناسبة العام الماضي وكان 2140.

وكان وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، ووزير شؤون النقب والجليل يتسحاق فاسرلاوف من حزب "عظمة يهودية" وعضو الكنيست عن حزب الليكود عميت هاليفي من بين مقتحمي الأقصى.

عمل مبرمج

خطيب المسجد الأقصى المبعد عنه ورئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري قال في تعقيبه على الاقتحام إن سلطات الاحتلال ممثلة بالجمعيات اليهودية المتطرفة تستغل الأعياد والمناسبات الدينية للانقضاض على المسجد.

وأضاف أن ما حصل اليوم يؤكد أطماعهم في الأقصى وأن الأمر مبرمج بإشراف الموقف الرسمي السياسي "لأن هذه الاقتحامات لا تتم إلا بالحراسة المشددة ولولا الحراسة الأمنية لما تجرأ أحد على الاقتحام".

وحمّل صبري "الحكومة الإسرائيلية اليمينية مسؤولية هذه الاقتحامات والمس بحرمة المسجد، لأنها نقلت -دون مبرر- أجواء الحرب من غزة إلى القدس والأقصى من أجل تحقيق الأطماع وتهويد المدينة والسيطرة على مسجدها".

أما نائب محافظ القدس عبد الله صيام فقال إن هذه الاقتحامات "لن تخلق حقا لليهود في المسجد الأقصى لأنه للمسلمين بقرار رباني"، مضيفا أن "الأعمال الاستفزازية التي يتابعها الملايين حول العالم هي مدعاة لغضب كل مسلم يشاهد الاعتداءات التي تتم بحماية وحراسة شرطة وجنود الاحتلال".

وتطرق صيام إلى الإجراءات الاحتلالية "المتمثلة بتضافر الجهات السياسية والقانونية والأمنية الرامية إلى تفجير الأوضاع في مدينة السلام والمحبة والديانات التي يجب أن تنعم بالهدوء والاستقرار".

وتساءل عن حرية العبادة التي يجب أن يتمتع بها المسلمون في مسجدهم والتي تضمنها المواثيق الدولية التي منحت وصاية أردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.

وأشار نائب محافظ القدس إلى أن المحتل يعتقد أنه يصرف الأنظار عما يجري في القدس والأقصى من خلال إشعال غزة وجنين وطولكرم ونابلس، لكنه يخطئ دائما في التشخيص لأن القدس لن تكون إلا قلب وتاج القضية الفلسطينية.

اقتحام خطير ومبيت

وفي تعليقه على مشاركة بن غفير في الاقتحام قال أمين الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات حاتم عبد القادر، إنه ينظر بخطورة لهذا "الاقتحام المبيّت الذي يهدف لخلق واقع استثنائي وخطير داخل المسجد".

وأضاف "هذا هو الاقتحام السادس الذي ينفذه بن غفير للأقصى منذ توليه منصبه مطلع عام 2023، ويريد ومئات المستوطنين من خلال اقتحامهم لتغيير الوضع التاريخي والقانوني للمسجد، والأخطر من ذلك هو محاولاتهم توظيف حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة للاستفراد بالأقصى".

ووصف عبد القادر ما يجري بـ"الاستفزاز الخطير وغير المقبول، لأنه يشكل انتهاكا لقدسية المسجد والوصاية الهاشمية عليه" داعيا الدول العربية والإسلامية وأصحاب الوصاية الهاشمية (الأردن) إلى "تحمل مسؤوليتهم بكف يد إسرائيل عن الأقصى ووقف هذه الانتهاكات المشينة التي تمس قدسيته".

وحمّل حكومة الاحتلال مسؤولية الانتهاكات وما ينجم عنها من تداعيات خطيرة "لأنها لم تعد مجرد اقتحامات بل تجاوزتها إلى المطالبة بحقوق اليهود في الصلاة بالمسجد، وهذا النهج يشجعه كل أطراف اليمين الإسرائيلي الحاكم سواء وزراء أو أعضاء كنيست".

إرهاب وعنف وإبعاد

بدوره، يوضح رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي أن سلطات الاحتلال لطالما استغلت مواسم الأعياد والمناسبات اليهودية للدفع بأعداد كبيرة من المستوطنين لاقتحام المسجد وتدنيسه.

وأضاف "إننا نعيش ظروفا استثنائية مختلفة هذا العام، فلجأت السلطات منذ بداية الحرب إلى سياسة إبعاد المسلمين عن المسجد ومنعهم من أداء الصلوات فيه والوصول إليه بشكل واضح".

ويتابع الهدمي "رأينا الكثير من الإرهاب والعنف وحملات الاعتقال والإبعاد بحق الكثير من أبناء القدس وغيرهم ممن منعوا من الوصول للأقصى، ونرى اليوم آلاف المتطرفين اقتحموا المسجد ممن يحلمون بأن يروا المسجد مهدوما ومكانه هيكلا أسطوريا يدّعون وجوده طيلة سنوات عبر القتل والإرهاب والجرح والاعتقال والإبعاد".

ورغم استمرار هذا النهج منذ عقود، يؤكد أن ذلك "لن يعطي حقا ولا شرعية لدولة الإرهاب والشعب الغاصب على هذه الديار بل يظهر الوجه الحقيقي للاحتلال".

وختم حديثه بالقول إن الأقصى اليوم حزين ككل الأيام، لكن الطقوس التوراتية الجماعية والرقص والغناء في الساحات ورفع العلم الإسرائيلي عمّق الحزن والألم في نفس كل مسلم له الحق في الوصول للمسجد ولم يحصل على هذا الحق قسرا.

وبدوره، أدان مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية بالقدس في بيان صحفي "الانتهاكات المتصاعدة وغير المسبوقة بحق المسجد الأقصى الذي شرع المتطرفون اليهود بتخريب الوضع القائم فيه منذ أكثر من 1400 عام".

وحذر من عواقب تمكين سلطات الاحتلال مئات المتطرفين اليهود برفقة وزراء وسياسيين وأعضاء كنيست من تدنيس واقتحام المسجد والقيام بجولات استفزازية ونصب حلقات الرقص والتصفيق والغناء ورفع العلم الإسرائيلي وغيرها من الانتهاكات المستفزة لمشاعر ملياري مسلم حول العالم.

ودعا المجلس "ملياري مسلم حول العالم بأن يقوم كل بواجبه وبقدر إمكاناته لحشد الدعم اللازم لمنع تخريب قبلتنا الأولى ومسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السماء وأحد أقدس ثلاثة مساجد في الإسلام".



(الجزيرة)