تهويمات انتخابية . .شورنا من راسنا واكلنا من فاسنا ، إذا خلص غازك، غازي موجود



كتب  د. ماجد الخواجا - 

" إذا خلص غازك، غازي موجود" شعار انتخابي لأحد المرشحين لمجلس العشرين.

" شورنا من راسنا واكلنا من فاسنا " شعار انتخابي لأحد الأحزاب


منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي ومع عودة الحياة السياسية الديمقراطية في الأردن بعد " هبّة نيسان" أو ما سميت بانتفاضة الخبز، فجاءت عودة الأحزاب السياسية التي كانت تعمل في الخفاء ومحظورة قانوناً، وكانت في غالبيتها تنظيمات لها امتدادات خارجية خاصة مع القضية الفلسطينية، ومع إقرار قانون الأحزاب السياسية على خجل سنة 1992، فقد تم إيقاف العمل بقانون الطوارئ وإلغاء قانون مكافحة الشيوعية، وإجراء أول انتخابات وآخرها بقانون انتخاب تعددي وقبل سيادة قانون الصوت الواحد، ولم تشهد الساحة والعمل النيابي دورة قوية بما شهدته في المجلس الحادي عشر الذي كان المواطنون يتسمرون أمام شاشات التلفاز من أجل الاستماع لمداخلة هذا النائب النارية التي اخترقت كثيراً من السقوف لتمتد في فضاءات من الحرية في التعبير سواء مدحاً أم نقداً أم تهجماً. كانت الفرصة مواتية لنشر ثقافة الحريات السياسية والحزبية والنقابية، وكنا ممن تبنوا الدعوة لإعادة إحياء الإتحاد العام لطلبة الأردن وتأسيس نقابة المعلمين، وأذكر أن السيد مضر بدران رحمه الله، حين تولى الرد على مداخلات النوّاب النارية بصفته رئيس الحكومة آنذاك، فقد كان ردّه حصيفاً قوياً وكاد أن يقلب الطاولة والمشهد لصالح الحكومة، لكن المد الشعبي والبرلماني حينها جعله يكتفي من الغنيمة بالإياب والبقاء كرئيس للحكومة.

من ينسى يوسف العظم وعبد المنعم أبو زنط وتوجان فيصل وأحمد عويدي وليث شبيلات وعبد الهادي المجالي وعبد الرؤوف الروابدة وهمام سعيد ومحمد أبو فارس وفارس النابلسي ومنصور مراد وفخريرقعوار وسعد حدادين وذوقان الهنداوي وذيب مرجي وحسين مجلي وعبد اللطيف عربيات ومحمد فارس الطراونة وعيسى المدانات وسليمان عرار وعبد الله العكايلة وسعد السرور وغيرهم من أسماء وقامات أنعشت الحياة البرلمانية بأزهى صورها.

وصولاً إلى الدورة الانتخابية القادمة التي تظهر نتائجها في منتصف الشهر القادم، وهي دورة تمتاز بكونها أول انتخابات تتضمن حصص محددة للأحزاب السياسية فيها. وهي الدورة التي يصبح فيها المجلس النيابي يحمل رقم (20).

هي مجرد تهويمات وملاحظات على هامش الحملات الدعائية الانتخابية، ولا أدري من الذي أشار على المرشحين بأن الأكثر صورا ويافطات والأجمل نصاعة للأسنان والأكثر مكياجاً وتجميلاً هو الأقرب تأهيلاً للوصول إلى مقعد النيابة. تمتلئ شوارعنا الرئيسة والفرعية والجانبية بلوحات زاهية يتصدرها صور المرشحين التي يتفنن المصورين في إخراجهم بأبهى حلّة وطلّة. وهذا ليس انتقاصاً من جمالية المشهد وطلّة المرشح، لكن حقاً هي مصيبة إذا افترضنا أن يجري التصويت للأجمل في صوره، أو للأكثر نشرا وانتشاراً في يافطاته ولوحاته وجدارياته.

يكاد المرء لا يستطيع تمييز أياً من الأحزاب أو القوائم المحلية أو الحزبية أو المرشحين المستقلين، نتيجة فيضان الصور الزاهية التي تحمل صور المرشحين مع اسمه وألقابه، مع جملة عامة لا معنى لها من الناحية السياسية والديمقراطية، ماذا عن جملة لحزب تقول " شورنا من راسنا وأكلنا من فاسنا" ومرشح يقول " معاً نستطيع" ومرشح يقول " كنا معاً وسنبقى معاً" ومرشح بمستوى أمين عام حزب يضع اسمه في مؤخرة قائمة الحزب وكأنه يفترض نجاح أعضاء الحزب كقائمة بالكامل.

ما زالت التجربة الحزبية بحاجة لمخاضات سياسية وانتخابية كي تنضج وتكتمل، فما زال المرشح أشهر من حزبه، وما زال الحزب يعرف بأمينه العام أو مرشحه. ما زالت الثقل لأطر اجتماعية وازنة أكبربكثير من ثقل أي حزب سياسي. هناك كثير من الأحزاب التي ستشارك في الانتخابات لا لون لها ولا طعم والا رائحة، وتتشابه تماماً إلى درجة عدم المقدرة على تمييز أحدها عن الآخر.

هناك من وضع سيرته العلمية والعملية والحياتية على لوحاته التي تزيّنها طلّته الزاهية، ولو استطاع ربما لسرد لنا تفاصيل حياته بالكامل.

هناك من وضعت صورها وكأنها ذاهبة إلى حفلة مكتفية بذكر اسمها. هناك من يتصنّع الابتسامة التي تظهر أسناناً تمت صيانتها مع وجهٍ تمت صيانته. وكأنها فرصة للخطاطين والرسامين وأطباء الأسنان ومراكز التجميل وطبعا لا ننسى المؤثرين والسوشيال ميديين. ولا ننسى مطاعم المناسف والكنافة، كما لا ننسى محلات تجهيز الصيوانات. حقاً إنه موسم الدفع والرفع والنفع.

أما الحديث عن المال الأسود الذي تبخر وكأنه لا وجود له، فقد تم ابتداع طرق عبر استغلال التكنولوجيا الرقمية، حيث QR والباركود و CLICK. حقاً نعيش حالة مذهلة من التطور التقني الانتخابي الذي لا حد له ولا مدى. هناك من يتدثربالعباءة والإجماع العشائري، ثم يتنقل بين القرى والتجمعات والعشائر الأخرى يريد أصواتها. هناك من يبرز إسمه أكثر بكثيرمن اسم حزبه، لا بل هناك أحزاب يمكن معرفتها من خلال معرفة مرشحها والعكس ليس صحيحاً. هناك من تكتفت يداه ليظهر في صورة الدون جوان الفاتن.

ربما كل هذا ليس سيئاً، لكن الواقع النيابي مغاير لذلك تماماً. ولنا عودة للحديث عن مواصفات النائب والنيابة.