"السنوار" رئيساً للولايات المتحدة الأمريكيّة!

 
من الممارسات الطريفة المرتبطة بالانتخابات، أي انتخابات، قيام بعض الناخبين بتثبيت أسماء أشخاص من غير المرشّحين في ورقة الاقتراع وإسقاطها في الصندوق.

البعض يفعلون ذلك تظارفاً، كوضع أسمائهم أو أسماء أحد أصدقائهم ومعارفهم.

والبعض يفعلون ذلك من قبيل إظهار استخفافهم بالعمليّة الانتخابيّة و/أو ازدرائهم للمرشّحين، كوضع اسم لاعب مشهور أو راقصة مشهورة باعتبار أنّ هذا المطرب وهذه الراقصة أفضل من أسماء المرشّحين المطروحة.

والبعض يفعلون ذلك من أجل التعبير عن موقف أو انتماء سياسيّ معيّن، كوضع اسم الرئيس العراقيّ المغدور "صدام حسين" أو الرئيس المصري "جمال عبد الناصر" رحمهما الله.

في ظلّ السياق الحالي والأحداث الحاليّة، من المتوقّع أن نرى خلال الانتخابات البرلمانيّة الأردنيّة بعد حوالي أسبوعين مشاهدات طريفة من هذا النوع، وقيام البعض بوضع أسماء مثل "يحيى السنوار" أو "محمد الضيف" أو "أبو عبيدة" أو حتى "إسماعيل هنيّة" في صناديق الاقتراع!

لكن ماذا لو حوّلنا هذه المزحة إلى جَد، وطرحنا اسم "السنوار" وغيره من قادة ورموز المقاومة كمرشّحين غير رسميّين في الانتخابات البرلمانيّة؟!

من أصعب الأمور في العلوم الاجتماعيّة القيام بتجارب علميّة بالمعنى الإمبريقيّ لكلمة تجربة، أي ضبط ظروف التجربة والتحكّم بها، والتلاعب المقصود بمتغيّراتها من أجل رصد الأثر الذي يُحدثه ذلك على مجتمع الدراسة من أجل استخلاص النتائج وتعميمها.

فالبشر ليسوا قطعة خام في مختبر أو فئران تجارب، والمتغيّرات هنا هي حياة هؤلاء البشر بأبعادها وعناصرها وعواملها الاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة والسياسيّة المختلفة والمتداخلة، والتي لا نستطيع استبدالها أو استدراكها أو تعويضها في حال فشلت التجربة أو تخللها أخطاء أو أردنا إدخال تعديلات عليها!

لذا من النادر أن تتوافر ظروف مواتية يمكن استغلالها من أجل إجراء تجارب سوسيولوجيّة إمبريقيّة مُنتجة لآثارها على نطاق واسع دون انتهاك أخلاقيّات البحث العلمي، ودون المساس بحرمة الإنسان وكرامته وحقوقه، أو المساس بالمجتمع ككلّ.

الانتخابات النيابيّة هي إحدى هذه الفرص المواتية النادرة لدراسة واختبار السلوك الجمعيّ للناس.

بالعودة إلى المقترح أعلاه، فيمكن طرح قائمة باسم "طوفان الأقصى" على سبيل المثال تضم أسماء "السنوار" وغيره من رموز المقاومة، والطلب من الناس التصويت بنعم أو لا إزاء كلّ اسم من هذه الأسماء.

ويمكن حتى طرح قائمة مضادة تضم أسماء "نتنياهو" و"سموتريتش" و"بن غفير" و"غالانت" و"هاليفي" و"بايدن" و"هاريس" و"بلينكن" و"اوستن" و"كيربي" وغيرهم من الأسماء.

كما قلنا هذه القائمة غير رسميّة أو وهميّة، ولا علاقة لها بعملية التصويت الأصليّة من قريب أو بعيد، وتتمّ عبر ورقة منفصلة أو نموذج منفصل مكتوب عليه بشكل واضح وصريح أنّ هذه الورقة هي فقط لغايات البحث العلميّ.

هذه التجربة ستكون بمثابة مقياس موضوعيّ للحضور الحقيقيّ للمقاومة لدى الناس ومدى تأييدهم أو عدم تأييدهم لها ولسلوكها وخياراتها. ونفس الكلام ينطبق على القائمة المضادّة.

كما يمكن من خلال هذه التجربة قياس أثر إدراج اسم المقاومة على مدى إقبال الناس للمشاركة في الانتخابات والإدلاء بأصواتهم.

ظنّي أن نسب الاقتراع المتدنّية التي عانتْ منها الانتخابات النيابيّة في الدورات الأخيرة سترتفع بشكل ملموس، حيث أنّ الكثيرين سيهرعون للقدوم والمشاركة في الاقتراع فقط حتى يتسنّى لهم إلى جانب انتخاب مرشحيهم الرسميّين تعبئة هذه القائمة.. لكن هذا يبقى فَرَضَاً أو ادعاءً أو زَعْماً نظريّاً يحتاج إلى اختبار وشواهد عمليّة ودليل تجريبيّ.

ويمكن توسيع الفكرة بحيث لا تقتصر القائمة على أسماء أشخاص، بل تضمينها أسئلة منتقاة مثل: هل تؤمن بالسلام كخيار إستراتيجيّ للأردن؟ هل تؤيّد الخصخصة؟ هل تؤيّد حقوق الشواذ؟ عرّف "الجندر"؟ هل تؤيّد اتفاقيّة "التعاون الدفاعي" بين الأردن والولايات المتحدة الأمريكيّة؟ هل تؤيّد "دسترة" فكّ الارتباط؟ ما هو الحدّ الأدنى للأجور الذي تراه عادلاً في بلد مثل الأردن؟ ما هي النسبة التي تراها عادلة لتوزيع المقاعد الجامعيّة ما بين "التنافس" و"الموازي" و"الدولي"؟ عدّد مسارات النظام الجديد للثانويّة العامّة؟ هل تفضّل السيارات التقليديّة أم "الهايبرد" أم الكهربائيّة؟ اكتب معادلة احتساب اسعار المحروقات إذا كنتَ تعرفها؟ عدّد عشرين ضريبةً ورسماً وغرامةً يدفعها المواطن الأردنيّ؟... الخ!

التجربة ستتحوّل إلى نوع من الاستفتاء العام على توجّهات الدولة وسياساتها وقراراتها وإجراءاتها، أو يمكن النظر إليها كإحدى أساليب وأدوات "النهج التشاركيّ" الذي طالما أكّدت السلطات الأردنيّة حرصها عليه والتزامها به في غمرة التحديث والتطوير والتحوّل.

وحتى تطمئن السلطات فلا داعي لإعلان نتائج هذا الاقتراع/الاستفتاء الوهميّ، يكفينا هنا أن تستفيد هي من النتائج، وأن نعرف كمواطنين أردنيّين أنّ صانع القرار "الوطنيّ" يرسم سياساته وبرامجه "الوطنيّة" استناداً إلى معلومات وبيانات ومعطيات كميّة ونوعيّة "وطنيّة" علميّة وموثوقة وصحيحة!

الفكرة أعلاه على غرابتها أو فكاهيّتها مستوفية من الناحية النظريّة لمتطلبات البحث العلميّ، حتى وإن عمد بعض الأكاديميّين المخضرمين والباحثين المرموقين الذين يحملون ألقاباً رنّانةً ويشغلون مناصب رفيعةً إلى تسخيفها وتسفيهها، أولاً لأنّها لم تصدر عن باحث "إفرنجي برنجي"، وثانياً لأنّها "ستكسّد سوقهم"، خاصة أولئك الذين يحترفون تفصيل الأبحاث والدراسات والأرقام والنسب وفق نتائج وتوصيات "مُحبّذة" سلفاً كرمال خاطر السلطات أو المُموّلين أو الجهات المانحة!

فكرة ترشيح "يحيى السنوار" في الانتخابات البرلمانيّة الأردنيّة تبدو طريفة وموحية، وهي تصلح نظريّاً إلى استلهامها وتطبيقها على أي انتخابات أخرى مثل الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة المُزمعة!

"السنوار" رئيساً للولايات المتحدة الأمريكيّة، كم تبدو الفكرة "سرياليّة" و"واقعيّة" في نفس الوقت!

المشكلة الوحيدة هنا قد تكون أنّ "أبو إبراهيم" نفسه لا يشرّفه تقلّد مثل هذا المنصب!