الألقاب لا تصنع الفارس: قوة الأثر الحقيقي في عالم العمل

 
في زمننا الحالي، ومع التحديات المتزايدة في بيئات العمل، تبرز أمامنا قصص وأمثلة من التاريخ تلهمنا وتدفعنا لإعادة النظر في مكانتنا ودورنا في المؤسسات التي نعمل بها. ومن بين تلك القصص، قصة عنترة بن شداد الذي ورغم شجاعته وإسهاماته البارزة في حماية قومه، لم يُمنح لقب "فارس”، بل بقي في نظرهم "عبدًا” يؤدي مهامه كواجب مفروض عليه.

هذه القصة تحمل في طياتها دروسًا عميقة تتجاوز الزمن، وتصلح لأن تكون مرآة نرى فيها واقعنا اليوم. في بعض بيئات العمل، يشعر الموظفون أنهم يعاملون كـ”عبيد” حيث يتوقع منهم الولاء المطلق والعمل بلا تذمر، في أي وقت يطلب منهم ذلك، ويواجهون خطر الفصل أو الطرد في أي لحظة ولأي سبب كان، حتى وإن كان تافهًا مثل عدم إلقاء التحية على صاحب المؤسسة.

ولكن في ظل هذه الظروف، يظهر التحدي الحقيقي: هل يجب أن نستسلم لهذه الرؤية المحدودة التي تضعنا في قوالب ثابتة؟ أم ينبغي لنا أن نتجاوز هذه الألقاب والمسميات ونركز على الأثر الحقيقي الذي نتركه؟

المشكلة الأكبر، وربما الأكثر تعقيدًا، هي عندما يعتقد البعض أن ترقيتهم إلى منصب "عميد” أو "رئيس” تعني أنهم انتقلوا من دور "العبد” إلى دور "الفارس”. في الحقيقة، هذا الاعتقاد يمكن أن يكون فخًا، حيث يتحول البعض إلى أدوات لتنفيذ تعليمات قد لا يتفقون معها أو تتعارض مع قيمهم، وكل ذلك تحت وهم أنهم أصبحوا فرسانًا في أعين من يسيطرون على هذه المؤسسات.

لكن، هل يجب أن ننسى أن عنترة، رغم عدم منحه لقب "فارس”، قد خلده التاريخ بفضل شجاعته وبأسه؟ هل يجب أن ننسى أن القيم التي نؤمن بها، والأثر الذي نتركه، هو ما يبقى في النهاية، وليس الألقاب التي قد تُمنح لنا مؤقتًا؟

إن الألقاب والمسميات في نهاية الأمر ليست ما يحدد قيمتنا أو مكانتنا. بل هي الأعمال التي نقوم بها، المبادئ التي نلتزم بها، والطريقة التي نؤثر بها على من حولنا. فلنكن أسيادًا لأفعالنا وقيمنا، ولنترك أثرًا يتجاوز حدود الألقاب والمناصب، أثرًا يعكس قوتنا الحقيقية ويؤكد أن الكرامة والاحترام نكسبهما من خلال أفعالنا وليس من خلال ما يعتقده الآخرون عنا.

قد يكون العالم اليوم مليئًا بالتحديات، ولكن هذه التحديات هي ما تصنع الأبطال الحقيقيين. لنركز على بناء أنفسنا ومؤسساتنا بقيم نبيلة، ولنكن على يقين أن التاريخ يذكر الفارس بما فعله، لا بما كان يُسمى.