الإصلاحات السياسية في الأردن من منظور الكتاب الغربيين



بصفتي أستاذًا في العلوم السياسية، أرى أن الاستمرار في البحث العلمي جزء أساسي من واجبي الأكاديمي. لا يقتصر دوري على نقل المعرفة، بل يتعداه إلى المساهمة في إنتاجها وتطوير الفهم العلمي في مجالي. أحرص على متابعة الأبحاث والمشاركة في المؤتمرات، ونشر مقالات تسهم في النقاش العلمي. إلى جانب ذلك، يتجاوز اهتمامي الشأن الأكاديمي ليشمل متابعة التغييرات والإصلاحات في الأردن، مؤمنًا بأن فهم تلك التطورات وتحليلها مهم لأداء دوري، خاصة في ظل تأثير الأحداث المحلية والدولية على مسار الإصلاحات في البلاد .

كما أن حرصي على متابعة ما يُنشر عن الأردن من مقالات ودراسات وكتب لا ينبع فقط من الرغبة في البقاء على اطلاع بما يدور في الساحة، بل أيضًا من إيماني بأن فهم كيفية رؤية الآخرين - وخاصة الكتاب والمفكرين الغربيين - للأردن يمكن أن يوفر نظرة إضافية تساعد في تحليل الوضع المحلي وتقديم توصيات أكثر دقة وملاءمة لصناع القرار .

من خلال متابعة الكتابات الغربية حول الأردن، ولقائاتي مع العديد من الدارسين والمهتمين بالوضع السياسي في الاردن، يمكنني أن أستخلص بعض السمات المشتركة في رؤيتهم وتحليلاتهم. بشكل عام، ينظر الكثير من الكتاب الغربيين إلى الأردن كدولة تلعب دورًا محوريًا في منطقة الشرق الأوسط، بسبب استقراره النسبي مقارنة بجيرانه، وقدرته على الحفاظ على توازن دقيق بين القوى الإقليمية والدولية. كما يشيد العديد منهم بالجهود التي تبذلها المملكة في مجال الإصلاحات السياسية والاقتصادية، على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها .

ومع ذلك، فإن هذه الكتابات لا تخلو من الانتقادات. فبعض الكتاب يرون أن وتيرة الإصلاحات في الأردن بطيئة، وأنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به لتحقيق مزيد من الانفتاح السياسي والاقتصادي. كما يعبر بعضهم عن قلقهم بشأن التحديات الاقتصادية التي تواجه المملكة، وخاصة فيما يتعلق بمعدلات البطالة المرتفعة والديون العامة المتزايدة .

في نظر العديد من أساتذة العلوم السياسية والكتاب الغربيين، يُعتبر الأردن نموذجًا لـ "الاستبداد الناعم" أو "النظام الهجين" ويرى بعض الكتاب الغربيين أن الأردن يعيش حالة من الحركة المستمرة، لكن هذه الحركة ليست بالضرورة إلى الأمام ولا تؤدي إلى تغييرات ذات معنى . فالتغييرات التي تحدث على السطح قد تبدو وكأنها إصلاحات، ولكن في الواقع، تُستخدم هذه التغييرات للحفاظ على الوضع الراهن دون إحداث تحولات جذرية. ويشير هؤلاء إلى أن النظام الهجين في الأردن يتسم بالاستبداد أكثر من كونه نموذجًا ديمقراطيًا فعليًا، ، حيث تُظهر عمليات الإصلاح المستمرة وكأنها غاية بحد ذاتها وليست وسيلة لتحقيق الديمقراطية الكاملة. فمن وجهة النظر الغربية هذه الإصلاحات الشكلية غالبًا ما تُستخدم للحفاظ على الوضع القائم بدلاً من إحداث تغييرات جذرية. بمعنى آخر، الإصلاحات التي تسيطر عليها الدولة تصبح هدفًا في حد ذاتها وليس وسيلة لتحقيق الديمقراطية الكاملة، التي لم تتحقق بعد ويشيرهولاء الكتاب إلى أن الأردن يعتمد على مجموعة من الأدوات التقليدية لضمان استقراره، مثل توزيع الريع واحتواء النخبة، والاعتماد على التحالفات الدولية، مع استخدام الحد الأدنى من القمع. ومع التغيرات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها المنطقة، لجأ الأردن إلى فرض قيود إضافية على وسائل الإعلام ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تأكيد "الخطوط الحمراء" القديمة والجديدة التي تحد من النشاط السياسي المقبول ، مما يعزز من الحفاظ على الوضع الراهن .

ويلاحظ الكتاب الغربيون أن الأردن قد أطلق العديد من المبادرات الإصلاحية على مر السنين، بما في ذلك تشكيل لجان ملكية متعددة كانت تهدف إلى تحسين المناخ السياسي وتعزيز الديمقراطية. ومع ذلك، فإن هذه المبادرات، وفقًا لوجهة نظرهم، لم تؤد إلى تغييرات جذرية في المشهد السياسي الأردني. بل على العكس، قد يُنظر إلى هذه الإصلاحات على أنها مجرد تحسينات سطحية تُستخدم لتهدئة المطالب الداخلية وكسب دعم المجتمع الدولي، دون المساس بجوهر النظام السياسي .

إن ما يُسمى بالإصلاحات السياسية الأخيرة في الأردن، والتي تم الإعلان عنها من قبل لجنة التحديث الملكية برئاسة السيد سمير الرفاعي و المكونة من 92 عضوًا قبل بضع سنوات، هي مثال واضح على هذا النهج. قدمت اللجنة وعودًا بنقل الأردن نحو مسار ديمقراطي طويل الأمد، من خلال تحسين الانتخابات، توسيع الحريات المدنية، وتقييد صلاحيات الملكية. ولكن الكثير من الكتاب الغربيين يرون أن هناك فجوة كبيرة بين الخطاب والواقع. فبدلاً من تعزيز الديمقراطية في الأردن، عززت لجنة التحديث سلطات النظام الهاشمي، بينما وسعت المشاركة السياسية بشكل طفيف جدًا، مما يُبقي الوضع على ما هو عليه دون إحداث تغييرات جذرية.

وتتساءل الدراسات الغربية حول سبب الاستمرار في تنظيم هذه العروض المسرحية للإصلاحات الديمقراطية رغم فقدان الكثير من المصداقية منذ التسعينيات. ويعتقد غالبية هولاء الكتاب أن السبب يكمن في الحاجة إلى طمأنة المانحين الغربيين بأن "واحة الاعتدال" في الأردن ما زالت تبدو أفضل من الأنظمة الديكتاتورية العربية الأكثر قسوة، والامثلة على ذلك كثيرة في العالم العربي.

تفسير آخر يُشير إلى أن صياغة وعود ديمقراطية فارغة أصبحت جزءًا لا يتجزأ من أدوات الحكم في الأردن. هذه الوعود ليست موجهة لكسب الولاء الشعبي بقدر ما هي وسيلة للتوفيق بين الضغط الدولي والمحلي دون تقديم تنازلات جوهرية قد تؤثر على استقرار النظام الحاكم ، حيث أن الأزمات الاقتصادية هي ما يدفع الناس إلى الشوارع في الوقت الحالي، ويشير هؤلاء الكتاب إلى أن الاستقرار في الأردن يعني وجود معارضة أقل، شوارع هادئة، أحزاب ضعيفة، وانتخابات عديمة الفائدة، مع ملكية ذات سلطة غير قابلة للطعن.

ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن هذه الرؤية الغربية قد لا تعكس بشكل كامل الواقع في الأردن. فعلى سبيل المثال، الانتخابات النيابية المقبلة في سبتمبر 2024، التي ستُجرى وفق القانون الجديد، قد تمثل إنجازًا كبيرًا إذا كانت نسبة المشاركة مرتفعة وتاثير المال السياسي قليل ، وكانت الانتخابات حرة ونزيهة. هذه الانتخابات تأتي في وقت حساس تشهده المنطقة بعد أحداث السابع من أكتوبر وتداعياتها، مما يضفي على العملية الانتخابية أهمية إضافية .

كذلك يمكن القول إن موقف الغرب من مسائل الديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي أصبح أكثر انكشافًا في ضوء الأحداث الأخيرة. فالمعايير المزدوجة والتضحية بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان عندما تتعارض مع المصالح الاقتصادية والسياسية أصبحت واضحة للجميع. وبالتالي، فإن استمرار الأردن في تنظيم الإصلاحات الشبه ديمقراطية قد يُنظر إليه كمحاولة للتوفيق بين الضغط الدولي والمحلي دون المساس بجوهر النظام الحاكم. هذه الديناميكية تضع الأردن في موقف حرج، حيث يضطر إلى موازنة متطلبات البقاء السياسي مع الضغط من أجل التغيير، دون تقديم تنازلات جوهرية قد تؤثر على استقراره .

من جهة أخرى، تُظهر بعض الكتابات الغربية اهتمامًا خاصًا بدور الأردن في القضايا الإقليمية، مثل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والأزمة السورية.و يثني بعض الكتاب على الدور البناء الذي تلعبه الأردن في هذه القضايا، فيما يشير آخرون إلى التحديات التي تواجهها المملكة نتيجة لهذه الأزمات، وخاصة فيما يتعلق بأزمة اللاجئين السوريين وتأثيرها على الاقتصاد الأردني .

بناءً على هذه المتابعات والتحليلات، يمكن القول إن الكتاب الغربيين ينظرون إلى الأردن كدولة ذات أهمية استراتيجية في منطقة مليئة بالتحديات. كما أن هناك تقديرًا واضحًا للجهود الإصلاحية التي تقوم بها المملكة، وإن كان هناك دائمًا دعوة إلى تسريع هذه الجهود وتحقيق مزيد من التقدم .

يبدو لي أن الأردن يسير على حبل مشدود، يحاول من خلاله الحفاظ على استقراره الداخلي ومواجهة الضغوط الداخلية و الخارجية من أجل التغيير ، والظهور بمظهر الدولة المعتدلة والمستقرة في منطقة مليئة بالاضطرابات. وفي ظل هذا الوضع، يتساءل البعض عما إذا كانت هذه الاستراتيجية يمكن أن تستمر دون أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تغييرات حقيقية وجذرية. هذه الديناميكية المعقدة بين التغيير الظاهري والحفاظ على النظام الحالي برايي الشخصي تضع الأردن في موقف حساس يتطلب إدارة دقيقة للتوازن بين الداخل والخارج، بين المطالب الشعبية والضرورات السياسية .رغم تعدد الآراء والنقد الذي يقدمه الكتاب الغربيون حول الإصلاحات السياسية في الأردن، إلا أنني أجد أنه من الضروري الاعتراف بالجهود المستمرة التي تُبذل لتحقيق التوازن بين متطلبات الإصلاح والاستقرار في بلد يواجه تحديات داخلية وخارجية معقدة. إن القراءة العميقة لهذه التحليلات تشير إلى أن هناك تقديرًا للإصلاحات التي يقودها الملك عبد الله الثاني، رغم التحديات التي تواجهها المملكة. يبدو أن الأردن يسير على مسار دقيق يتطلب إدارة حكيمة للتوازن بين التغييرات المطلوبة والحفاظ على الاستقرار، وهو أمر يستحق الإشادة والدعم المستمر في ظل الظروف الراهنة.

في الختام، لا يمكن تجاهل الجهود الحثيثة التي يقودها الملك عبد الله الثاني في مسار الإصلاح والتحديث السياسي في الأردن. بالرغم من التحديات الداخلية والخارجية، يبذل الملك جهودًا مستمرة للحفاظ على استقرار المملكة وتطوير النظام السياسي فيها. يُدرك الملك أهمية التوازن بين تحقيق الإصلاحات السياسية والحفاظ على استقرار البلاد في منطقة تعج بالتوترات والاضطرابات. وقد أظهرت قيادته الحكيمة التزامًا حقيقيًا بتعزيز مسار الأردن نحو مستقبل أكثر إشراقًا .