نستحلفكَ بالله يا "عبّاس" لا تذهب إلى غزّة، ولا تكن حصان طروادة فلسطيني



قبل الحديث عن إعلان "محمود عبّاس" نيّته التوجّه إلى قطاع غزّة هو وجميع أعضاء القيادة الفلسطينيّة، فلا بدّ من التأكيد على نقطة أساسيّة وتأسيسيّة:  ما بعد طوفان الأقصى هو "غير" ما قبل طوفان الأقصى، وهذا يسري على الجميع بلا استثناء!  

 وسواء أنجح مخطط "الإبادة والتهجير" الصهيو - أمريكيّ، أو انتصرت "المقاومة الفلسطينية"؛ بمعنى نجاحها في إحباط وإفشال وتقويض هذا المخطّط، فإنّ المشهد الفلسطينيّ كما عرفناه لن يكون هو المشهد الفلسطينيّ، وهذا يشمل فيما يشمل القيادة الفلسطينيّة كما عرفناها، والسلطة الفلسطينيّة كما عرفناها، ومنظمة التحرير الفلسطينيّة كما عرفناها. 


 نحن نتحدث هنا عن وجوه جديدة، وعن هياكل وصيغ ومفاعيل معدّلة ومُحدّثة وجديدة (وربما جغرافيا حقيقيّة أو متخيّلة جديدة).. مرّة أخرى بغض النظر عن مآلات القتال ومَن سيخسر ومَن سيغلب. 


 ويكتسب ما تقدّم دلالة إضافيّة في حالة "محمود عبّاس" ليس فقط بسبب السخط الواسع التي يُواجَه به، والتآكل الكبير في شعبيّته وشرعيّته بفعل مواقفه من المقاومة و"تنسيقه الأمنيّ".. بل قبل ذلك بسب سنّه الطاعنة وبلوغه من الكبر عِتيّاً، وكلّ الأحاديث والأقاويل والإشاعات حول حالته الصحيّة ومَن سيخلفه التي كانت متداولة بشكل واسع وتدور بشكل حثيث ما قبل انطلاق "طوفان الأقصى". 

 في ضوء ما تقدّم فإنّ نيّة "عبّاس" زيارة قطاع غزّة تستثير عدّة مخاوف:

  أولاً: مَن الذي أوحى لـ "عبّاس" بفكرة هذه الزيارة؟ سيما وأنّ الإعلان عنها قد جرى عبر خطاب "عنتريّ" غير معهود من على منبر البرلمان التركيّ، وبدعوة من الرئيس "أردوغان" الذي لا يؤمَن جانب "نطوطته" و"برجماتيّته" و"أطلسيّته"، والذي على ما يبدو قد شعر باحتراق الكثير من أوراقه لدى المقاومة وأنصارها، فأراد أن يعيد الزجّ بنفسه لاعباً ضمن المشهد الفلسطينيّ من بوابة "عبّاس" وسلطة "رام الله" (وداعميهما)، حتى لو عنى ذلك أن يحشر نفسه بين البصلة وقشرتها ويساهم في لعبة "خلط الأوراق" و"تضييع الطاسة"! 

 ثانياً: أنّه من بين عشرات الأشياء الحقيقيّة وغير الاستعراضيّة التي يستطيع "محمود عبّاس" القيام بها أو الامتناع عنها من موقعه في "رام الله" من أجل مساعدة أهالي غزّة، وإسناد المقاومة، أو على الأقل مكافاتها شرّه وشرّ أجهزته الأمنيّة.. فإنّ آخر شيء يمكن أن يفيد أهالي غزّة في ظلّ السياق الحالي هو قيام "عبّاس" وأعضاء القيادة الفلسطينيّة بزيارة استعراضيّة إلى القطاع. 

 ثالثاً: هذه الزيارة إذا تمّت فإنّها لا يمكن أن تتمّ دون موافقة العدو الصهيونيّ، وهذا العدو لا يمكن أن يوافق على شيء كرمال عيون الفلسطينيّين، إلّا أن تكون هناك مصلحة ما أو نيّة قذرة ما مبيّتة وراء ذلك.  ونخشي ما نخشاه في حال تمّت زيارة "عبّاس" إلى غزّة، أن يستغلّ العدو وحلفاؤه وأعوانه وقطاريزه هذه الزيارة من أجل افتعال أو فبركة حدث ما يلعب على وتر الانقسام الفلسطينيّ، ويؤدّي إلى إشعال فتنة لا تُحمد عقباها.  

على سبيل المثال، أن يتمّ اغتيال "محمود عبّاس" أو محاولة اغتياله في غزّة، وإلصاق التهمة بفصائل المقاومة من أجل افتعال احتراب داخليّ فلسطينيّ ـ فلسطينيّ يطغى على ما سواه.

  بل إنّ هذا سيؤدي غالباً إلى احتراب داخل منظمة التحرير نفسها وحركة فتح نفسها أيّهم سيخلف "عباس" بما يهدد بانفراط عقد المنظمة والحركة؟! 

 وبالتالي، بدلاً من دماء "إسماعيل هنيّة" (أبو العبد) التي وحدّت الجميع، أو على الأقل لا يمتلك الجميع إلا أن يتوحّدوا وراءها ومن أجلها مهما كانت خلافاتهم.. سيكون لدينا دماء (أبو مازن) التي ستُسفح لتكون عربون انقسام وفُرقة تحقّق للعدو بسيف المكائد والدسائس والفتن ما لم يستطع تحقيقه في ميادين القتال!

  وحتى لو دخل "عبّاس" غزّة سليماً، وبقي فيها حيّاً معافى، فربما لن يَسمح له العدو الصهيونيّ بالخروج منها، وسيجعل منها "منفاه" أو "محبسه" الذي سيُحاصَر فيه وداخله على غرار ما حدث مع "ياسر عرفات" في "المقاطعة" أواخر أيامه، وبما يتيح للكيان وأمريكا وأعوانهما استبدال عباس (مُنتهي العمر والصلاحيّة) بخليفة يرتضونه في "رام الله"! 

 وأسوأ السيناريوهات هو أن يُسمح لـ "عبّاس" بدخول غزّة حيّاً سليماً، ويُترك ليتحرك داخلها حرّاً طليقاً، ويُمنح كامل الدعم لكي يلعب دوراً أشبه بـ "حصان طروادة" فلسطينيّ كجزء من ترتيبات ما يُطلق عليه "اليوم التالي" للحرب، والأخذ بيده هو ومَن حوله من إجل إرساء الأرضيّة لإعادة إنتاج تجربة سلطته وأجهزته و"دايتونيّته" و"تنسيقه الأمني" وأبواته (أبو فلان وأبو فلان) وعشائرياته في غزّة من أجل القضاء على المقاومة وحاضنتها الشعبيّة بأيدي أناس منهم وفيهم، و"إنضاج" غزّة لتكون غنيمة جاهزة للقطف في أي لحظة من قِبَل الصهيونيّ كما هو حال الضفة الغربيّة الآن، أو للدقّة ما بقي منها!  

لا ندري ما الذي تراءى له؟! أو بماذا يُمنّي نفسه؟! أو بماذا أغروه (أو أرهبوه)؟! أو ما هو العشم المتبقّي لديه في الحياة ومنها بعد كلّ هذا العمر؟! 

ولكن هذا نداء ورجاء أقرب إلى التوسّل إلى رئيس السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة "محمود عبّاس": نستحلفك بالله وبما بقيَ لكَ من أيّام وأعمال قبل أن توافيك منيّتك وتُفضي إلى ما قدّمت، لا تذهب إلى غزّة، على الأقل ليس الآن، ربما بعد أن تنجلي الغُمّة ويُكتب النصر، أمّا الآن فإنّ الشرور الكامنة والمُمكنة والمتربّصة وراء زيارتك أكبر من أي خير قد يتأتّى منها! 

 وحتى لو سلّمنا بصدق وإخلاص ووطنيّة نواياكَ وراء هذه الزيارة، فإنّ هذا الذي لم تفعله أنت وأركان قيادتك وأنتم جالسون في مكاتبكم وفوق كراسيكم في "رام الله" تحيط بكم مؤسساتكم وأجهزتكم و"بنادقكم" المُفترضة، فإنّكم قطعاً لن تفعلوه إذا ذهبتم إلى غزّة!

  إلى "فخامة" الرئيس الفلسطينيّ "محمود عبّاس"، الأعمال بخواتيمها، فلتكن خاتمة أعمالك أنّك قد سددتَ الذرائع وتخلّيتَ عن زيارة غزّة في مثل هذا الظرف والسياق من أجل الله والوطن والقضيّة وعموم الفلسطينيّين!