فيلم التفاهة: كيف نسي العالم غزة وسط ضجيج الفراغ الثقافي
في مجتمعاتنا العربية اليوم، تتزايد سيطرة التفاهة والبلاهة على الساحة الثقافية والإعلامية بشكل غير مسبوق. هذا المشهد يعكس حالة من الفشل المجتمعي التي سبق أن وصفها الكاتب الروسي أنطون تشيخوف، حيث تتصدر الأفكار السطحية المشهد وتختفي معها القيم الحقيقية التي تشكل أساس الثقافة والفكر.
من بين الأمثلة الصارخة لهذا الانحدار، يأتي فيلم "السفاهة: حياة ماعز” الذي حظي بانتشار واسع وإقبال جماهيري هائل رغم تفاهة محتواه وسطحية فكرته. أصبح الفيلم محور حديث الناس، وتم تداوله بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، كأنه إنجاز فني يستحق التقدير. لكن في الواقع، هذا الفيلم لا يعكس سوى المستوى المتدني الذي وصلت إليه بعض فئات المجتمع في تقديرها للثقافة والفن.
وفي الوقت الذي يستحوذ فيه هذا النوع من الأعمال السطحية على اهتمام الجماهير، نجد أن الأفلام الوثائقية التي تسلط الضوء على القضايا الإنسانية الحقيقية، مثل ما يحدث في غزة من إبادة منظمة على يد الصهاينة، تُهمل وتُنسى. لقد أصبحت مشاهد الجرائم ضد الإنسانية، التي توثق معاناة شعب بأكمله تحت الحصار، غير موجودة تقريبًا في المشهد الثقافي والإعلامي، كأنما الهدف هو إلهاء الناس بقضايا هامشية تافهة تبعدهم عن الواقع.
إن تغلغل التفاهة في وسائل الإعلام يشير إلى توجيه متعمد للأنظار بعيدًا عن القضايا المصيرية. هذا الانحراف الثقافي يساهم في تجهيل المجتمع وإبعاده عن إدراك ما يحدث حوله من ظلم ومعاناة. ما يحدث في غزة ليس مجرد صراع أو نزاع، بل هو إبادة تستهدف شعبًا يسعى فقط للعيش بكرامة.
لذا، يتوجب علينا كأفراد مثقفين وأصحاب رأي أن نواجه هذه الظاهرة، وأن نعيد تسليط الضوء على القضايا التي تستحق الاهتمام. يجب أن ندعم الأعمال الفنية والثقافية التي تنقل الحقائق وتفتح عيون الناس على ما يجري من حولهم. لن ننجح في بناء مجتمع واعٍ ومدرك لتحدياته ما لم نواجه هذا الطوفان من التفاهة والسطحية الذي يهدد بإغراقنا جميعًا في بحر من الفراغ الثقافي.
* رئيس جامعة ال البيت سابقا