عن شبح الموت والتهجير في الضفة الغربية



ما يحدث في فلسطين اليوم وبموازاة ما يحدث في غزة بمثابة تصفية للقضية الفلسطينية, و هو نتاج لما حدث في الماضي على مدى قرنين من الزمن والتي ادت الى تحول فلسطين العربية الى دولة يهودية, ففي عام 1799 اطلقت فرنسا و وجه نابليون مبادرة لدعوة اليهود للهجرة الى فلسطين وانشئت اول مستوطنة يهودية عام 1882 ,وفي عام 1885 دخل مصطلح الصهيونية عام 1897 عقد المؤتمر اليهودي الاول ,وفي عام 1907 قام اسحق وايزمن بالزيارة الاولى لفلسطين .

وفي عام 1916 تم توقيع اتفاقية سايكس بيكو وتلاها عام 1917 وعد بلفور مرورا بعديد من الاحداث وحركات الرفض والاحتجاج والمظاهرات والانتفاضات الشعبية , وسقوط الشهداء وقيام بريطانيا بسحق الثورات الثلاث 1936-1939, وشكل المؤتمر الصهيوني في بالتيمور / امريكا عام 1942 نقطة تحول رئيسية في العلاقة الامريكية الصهيونية وقامت بريطانيا كقوة استعمارية بوضع مداميك انشاء الكيان الصهيوني من خلال وعد بلفور وقمع حركات التحرر والمد الشعبي الفلسطيني والعربي.

وقد كان عامي 1947و 1949 المحور المركزي في التاريخ الفلسطيني حيث تم تهجير 80% ( 750 الف فلسطيني ) من الفلسطينين من 80% من ارض فلسطين التاريخية التي استولت عليها العصابات الصهيونية وتم تاسيس الكيان الصهيوني , وتوقيع اتفاقيات هدنة بين اسرائيل والدول العربية وفي نفس العام تم انشاء وكالة الاونروا للاجئين الفلسطينين , واستمرت اسرائيل بارتكاب المجازر والتهجير في اوقات الحرب والسلم مرورا بنكسة حزيران 1967 وحرب تشرين 1973 .

وفي عام 1993 دخل مصطلح اوسلو وتداعياته التاريخ الفلسطيني والعربي حيث فتحت ابواب جهنم على مصراعيها لتفتح صفحات وفصولا جديدة من امال وسراب السلام واعادة الانتشار و الاجتياح المتكرر والحصار للاراضي الفلسطينية , والاختراق لبقية الاقطار العربية وتدريجيا تحييد ردود فعل الشعوب العربية بجميع الوسائل المتاحة وتشكيل لوبيات في المجتمعات العربية اشبه يروابط القرى.

وما يحدث اليوم في الشمال الفلسطيني وجنين وما حولها وهي الاقرب الى الناصرة وحيفا غربا وبيسان شرقا وسهول مرج بن عامر شمالا هو استكمال للمشروع الاستيطاني التوسعي ,وتكثيف الوجود الاسرائيلي وصولا الى الساحل الفلسطيني, واستكمالا لما تم قضمه من اراضي وقرى جنين عام 1948 مثل ام الفحم و زرعين وما حولها و هو تحضير لنكبة جديدة لفلسطين والقدس والمقدسات , وهذا ما يسمى اليوم التالي الذي اصبح يشكل تحديا وحرب ابادة وعقاب جماعي وتقطيع اوصال الضفة الغربية من خلال اكثر من 680 حاجز وبزيادة 35% عن عام 2020 تعتيم وتكتم اعلامي وتفتيت لوحدة وجغرافيا الاراضي الفلسطينية.

وحيث تعتمد اسرائيل منذ انشائها على مفاهيم الحواجز الثابتة والحصار وترسيخ مفاهيم الدخول المستحيل والخروج المقيد مثل حواجز قلنديا وبيت لحم 300 والجلمة وجبع .....الخ وكذلك الجدار العازل حيث يخسرالفلسطينيون اكثر من 60 مليون ساعة عمل سنويا ومليارات الدولارات .

وفي غياب رؤية واقعية و وجود يمين متطرف يسيطر على الراي العام والقرار في اسرائيل , لم يعد المسجد امنا وكذلك حضانة
الاطفال والمدرسة والمستشفى والكنيسة جميعها لم تعد امنة والجميع يدور في حلقة مقفلة ومثقلا بالمرارة والحزن والياس, وكابوس التجويع والتهجير وامام صمت دولي وخذلان الشقيق , في ظل حرب الابادة والتجويع والة الدمار النازي التي تقوم بها اسرائيل حكومة ومعارضة وجيش.

و كما يبدو فان هناك مشروع تصفية يطبخ بالخفاء على نيران الهدن الانسانية ومسلسل المفاوضات والتي لم يتبقى من حقوق الانسان الفلسطيني والغزي سوى الحبر الذي كتبت به .

نتجاوز الشهر العاشر باتجاه دخول العام الاول منذ بداية العدوان الهمجي الصهيوني وحرب الابادة المفتوحة التي لا تشبه بقية الحروب على مدار التاريخ , ولكنها تجاوزت الفكر النازي وافكار جاوبتنسكي في الحرب ورفض التعايش او الحياة مع الاخرين في الحرب والسلم بانتظار تحويل غزة وفلسطين الى جزر معزولة بانتو ستانات على غرار غوام وبورتوريكو كما يدعو اليمين المتطرف والتخلي عن فكرة قيام الدولة الفلسطينية .

وقد تنبهت الدولة الاردنية وقيادتها مبكرا للمخططات الاستيطانية التوسعية والتحلل من اتفاقية اوسلو, وقامت بدور ديبلوماسي متميز يقيادة جلالة الملك وكذلك ارسلت مساعدات من القمح والمواد الغذائية والادوية و المحروقات وبناء مستشفى ميداني جديد بالقرب من مدينة نابلس لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني في ارضه , وهذه الجهود الاردنية مع اهميتها لا تكفي دون وجود مشروع اردني عربي ياخذ ايضا بحسابات المصالح العليا للدولة الاردنية وتعبئة الراي العام الاردني والعربي حول خطورة ما يجري في شمال الضفة الغربية للوقوف ضد ما يحاك من اسرائيل والذي بات يشكل تهديدا للمملكة , وهذا يستدعي تجاوز وتصفير حالات التوتر والاحتقان الداخلية, وتعزيز الالتفاف الشعبي حول اهمية المحافظة على اردن قوي بقيادته وشعبه وارضه , والابتعاد عن التهميش والاقصاء , والعمل على اتخاذ اجراءات تهدف الى تعزيز مفاهيم الانتماء والوحدة الوطنية والولاء ,و تجنب اثارة النعرات بكافة اشكالها , واعادة احياء تشكيل محور عربي واسلامي ودولي لمساندة الدور الاردني قبل ان يقع المحظور , خاصة في ظل وجود ارضية مهياة لزيادة الضغوطات الامريكية والصهيونية على الاردن , وبذلك لا قدر الله نصبح جزءا من الازمة بدلا ان نكون طرفا في الحل..