ردا على منير ديه وعامر الشوبكي



لفتني حوار جو24 مع الخبراء منير ديه وعامر الشوبكي، حيث قال الأستاذ ديه إن الحكومة يجب ان تعود للتفاوض مع شركة العطارات للوصول الى سعر مناسب إضافة الى مراجعة الاتفاقيات الموقعة مع شركات الطاقة المتجددة، وانهاء اتفاقية الغاز الموقعة مع الاحتلال. ودعا الأستاذ الشوبكي إلى إيجاد حلول للفاقد الذي وصل الى 20% يدفع ثمنها المواطن. وهذا الرقم بحاجة إلى مراجعة. كما حذر من قيام الحكومة بحل قضية ارتفاع خسائر شركة الكهرباء الوطنية على حساب جيوب المواطنين. ولكن ما هو البديل؟

نتفق مع بعض هذه الآراء ونختلف مع غيرها، ففي منطقتنا، وبما أن دولة إسرائيل هي كيان استعماري توسعي، فالحرب في هذه المنطقة لن تتوقف طالما هذا الكيان ما زال موجودا، وطالما بقي النفط في الدول العربية متوافرا ويشكل ثروة كبيرة. لذلك نتفق معهما حول انهاء اتفاقية الغاز، ولكن ليس قبل الوصول إلى الاكتفاء الذاتي. ففي ضوء ذلك التوتر المتوقع في المنطقة لسنوات قادمة لا بد من جعل مصادر الطاقة في الأردن محلية ذاتية، ومستقلة، ونظيفة، فهل ذلك ممكن؟.

إذا انقطع الغاز القادم عبر الأنابيب من البحر الأبيض المتوسط بفعل التوترات الاقليمية أو الحرب الدائرة في فلسطين اليوم، وإمكانية توسعها شمالا في لبنان، إضافة إلى إمكانية تدخل إيران، وهذا ممكن، فلا بد من تعويض الفاقد من الغاز مؤقتا عن طريق مصر عبر خط الغاز العربي، وكذلك من خلال محطة الغاز المسال في العقبة التي لن تنتهي قبل سنتين. ولكن هذا الحل قدرته على التزويد محدودة، ويمكن أن نعده مؤقتا لأنه سوف يظل يعتمد على الغاز المستورد، ولا يمكن أن يكون حلا مستداما، فما هو الحل المستدام اذن؟

الحل المستدام هو التوسع في إنتاج الطاقة المتجددة، وليس إعادة النظر في الاتفاقيات القائمة التي وقعتها الحكومة، والحكومة ومن وقع هذه الاتفاقيات ينبغي أن يحال إلى هيئة النزاهة وليس المستثمر الذي يجب أن نسعى إلى ترغيبه وليس ترهيبه. والحل هو التوسع في إنتاج الطاقة المتجددة النظيفة بحيث ترتفع مساهمتها في إنتاج الكهرباء إلى نحو خمسين بالمئة خلال ٣ إلى ٥ سنوات. وهذا ممكن جدا وباستثمارات معقولة، فاذا أخذنا مثالا من إحدى الدول الأوروبية، فإن السويد قد أنجزت زيادة مساهمة الطاقة المتجددة في خليط إنتاج الكهرباء ليصل إلى 63% في عام 2020، ومن ثم فهي سوف تستكمل في المستقبل القريب مساهمة الطاقة المتجددة في مجمل إنتاج الطاقة الكهربائية لتصبح 100% عام 2030، ومن بعدها سوف تنتقل، وقبل عام 2040، إلى استكمال المشوار لتصبح قطاعات النقل والصناعة والتجارة والزراعة والخدمات كلها تعمل على الطاقة المتجددة وحدها.

وفي اليابان بعد كارثة فوكوشيما وانقطاع 25% من الكهرباء النووية من أصل 30% التي كانت تغذي الشبكة الكهربائية قبل الكارثة، استطاعت اليابان بمجرد اصدار تعليمات رسمية لترشيد استهلاك الطاقة بخفض الاستهلاك 16%، علما بأن مجمل استهلاك الكهرباء للتبريد انخفض بنحو 40% بوازع أخلاقي داخلي. أي أن كل شيء استمر على نحو مقبول تقريبا رغم وقوع أعظم كارثة نووية في التاريخ البشري على الاطلاق على أراضيهم. وهذا يعني أنه حتى لو انقطع غاز العدو غدا، فهناك طرائق لسد النقص، وهو وعي الناس، فضلا عن ترشيد استهلاك الطاقة ورفع كفاءتها من خلال خطة استراتيجية للطاقة ينبغي أن تحضّر الآن وليس غدا.

بالإضافة إلى التوسعة في إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة (الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر) ينبغي الشروع في التعاقد مع شركة العطارات مجددا لإنتاج محطة ثانية من الصخر الزيتي، وليس الهجوم عليها مرة أخرى. فإن أسعار المحطة الثانية من الكهرباء ستكون أقل بكثير، لأن البنية التحتية أصبحت موجودة وجاهزة، فنحن نتوقع أن ينخفض السعر بما لا يقل عن 30%. وهكذا سوف ترتفع نسبة مساهمة الصخر الزيتي الى 28%، واذا أضفنا هذه المساهمة إلى 50% من الطاقة المتجددة فيصبح مجموعهما 78%، أي أنه سوف يصبح لدينا قدرة على إنتاج الكهرباء أكبر من نسبة اعتمادنا على الغاز اليوم. وهذا سوف يكون انجازا تاريخيا لن يستطيع بعدها أحد أن يهدد أمننا في الطاقة، وبعدها يمكننا أن نستكمل الباقي (22%) عبر التوسع في إنتاج الغاز المحلي وترشيد استهلاك الطاقة ورفع كفاءتها.

وبناء عليه، فإننا على قناعة بأنه لا يمكننا الاعتماد على وجود نسبة عالية من طاقتنا مستوردة، وخاصة في عالم متقد بالحروب والنزاعات، فغاز البحر الأبيض المتوسط يسيطر عليه غيرنا، والطاقة النووية هي تكنولوجيا مستوردة، ووقودها المخصب مستورد، حتى لو سمحت التراكيز المتدنية باستخراج الكعكة الصفراء في الأردن، واللجوء إلى المحاكم للتفاوض على خفض الأسعار هو "حجة المفلس"، فلا مناص من التوسع في إنتاج الغاز محليا واطلاق يد المستثمرين في إنتاج الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والاستثمار في مشاريع تخزين الطاقة الكهربائية، والاسراع في إنشاء الميناء البري للغاز الطبيعي المسال، وتطوير الشبكة الكهربائية لتتحمل هذا التطوير والتوسع والاستقلالية المنشودة.