شراء الأصوات: كيف يهدد نزاهة الانتخابات ويضع الوطن على المحك



كتب أ. د. هاني الضمور * 

تُعتبر ظاهرة شراء الأصوات الانتخابية من قبل المرشحين واحدة من أخطر التهديدات التي تواجه الهوية الوطنية، والتي تقوض أسس الديمقراطية في أي مجتمع. عندما يقوم بعض المرشحين بإغراء الناخبين بالمال أو المكاسب الشخصية مقابل التصويت لهم، فإنهم لا يفسدون فقط نزاهة الانتخابات، بل ينتهكون المبادئ الأساسية للوطنية والمواطنة.

في الحقيقة، من يشتري أصوات الناخبين يُظهر استعدادًا لبيع مصلحة الوطن في مقابل مصلحته الشخصية. فمن يرى أن أصوات المواطنين قابلة للتجارة، لن يجد مانعًا في التفريط بمصالح الوطن الأوسع إذا كان ذلك يعود عليه بالنفع. وهذه هي النقطة الأشد خطورة: شراء الأصوات هو خطوة أولى نحو تدمير الهوية الوطنية، حيث تتحول المواطنة من واجب ومسؤولية إلى مجرد صفقة تجارية.

اجتماعيًا، يؤدي انتشار هذه الممارسة إلى تآكل الثقة بين المواطنين، حيث يشعر الأفراد بأن حقوقهم ومصالحهم يتم التلاعب بها من قبل النخبة السياسية. يتسبب هذا الوضع في زيادة الشعور بالتهميش، مما يضعف من وحدة المجتمع وتماسكه. ومع مرور الوقت، يُفسح المجال لمزيد من الانقسام والتفكك داخل المجتمع، مما يجعل الجميع عرضة للابتزاز والتلاعب.

سياسيًا، يؤدي شراء الأصوات إلى صعود مرشحين غير مؤهلين وغير ملتزمين بتلبية احتياجات المواطنين. هؤلاء الأفراد غالبًا ما يفتقرون إلى الرؤية والخبرة اللازمتين لإدارة شؤون الدولة بفعالية، مما ينعكس سلبًا على جودة الخدمات والسياسات العامة. وبالتالي، تصبح المجالس المنتخبة مجرد واجهة لإضفاء شرعية على قرارات غير ديمقراطية تُتخذ بعيدًا عن مصالح المواطنين.

إن الحفاظ على الهوية الوطنية يتطلب رفض جميع أشكال الفساد، وعلى رأسها شراء الأصوات. فالمشاركة النزيهة والفاعلة في العملية الانتخابية هي السبيل الوحيد لضمان مستقبل مشرق للوطن. وعندما يدرك المواطنون أن أصواتهم ليست للبيع، فإنهم يحمون بذلك وطنهم من البيع والتفريط، ويؤكدون على أن الولاء للوطن لا يُشترى بالمال، بل يُبنى على القيم المشتركة والحرص على المصلحة العامة.


* رئيس جامعة ال البيت سابقا