نحن المسؤولون اولا



يقول عالم الاجتماع المعروف علي الوردي في كتابه مهزلة العقل البشري (ان الاقتناع بالافكار الموروثة سبب جعل البشر يعيشون حياة بدائية على مدى عقود طويلة) انتهى الاقتباس .

كما يؤكد الدكتور عبد الوهاب المسيري (اننا قد سقطنا فيما يسمى بالموضوعية المتلقية، اي رصد المعلومات دون التمحيص)
انتهى الاقتباس.

من اكثر الاوضاع الاجتماعية التي تدعوني الى الاستغراب هي الفئة من الناس التي تظل تحصر تفكيرها بنمط واحد طوال حياتها وفي مختلف مواقفها ، استمرارية التفكير بذات الاسلوب التي نشا عليها الاباء والاجداد من قرون مشكلة اجتماعية قديمة يعرفها المتخصصون بعلم الاجتماع، ولعلي لا آتي هنا بشيء جديد.

ولكن هل الجمود وقبول الواقع الاجتماعي كما هو والشعور بالرضا عن ارائنا واعتقاد الجميع بأنه يسير مع الحق وأن الحق إلى جانبه وبجانب من يسير معه يقودنا الى التقدم والمدنية؟

ثم أليس التغيير سنة من سنن الله في هذا الكون والتي تسير على كل الكائنات ومن باب اولى ان تسير على الانسان المطلوب منه عمارة الارض وخلافتها؟

أليس التعامل مع الواقع الجديد والحياة الحديثة بذات الادوات القديمة والفكر القديم والاراء المتحجرة الثابتة يشبه الى حد كبير المماليك الذين واجهوا نابليون بسيوفهم القديمة مدافعه المتطورة الحديثة.

ما اريد قوله باننا نحن الذين صنعنا الشخوص الاجتماعية المتحذلقة ببعض الكلمات لاننا قبلنا بثقافتنا المتواضعة وتواضع احلامنا والرضا بالانطواء خلف اشباه المثقفين رضينا بضعفنا ان نصطف خلف المدعين مؤمنين بفكرهم بعاطفة بلهاء .

ولعلني قد اتقبل ان يكون الانسان في بداية حياته ذو افكار معينة ومواقف محددة تجاه القضايا الاجتماعية، ولكن الغريب بل والاكثر كارثية هي ان تتكون لدى الفرد قناعة ثابتة بالشخوص والميول والاتجاهات دون ان يمس فكره واسلوبه شيء من النضج والتطور والتحليل .

نحن المسؤولون عن حالنا لاننا صفقنا لهم ولابناءهم الذين يحتكرون الاردن ويتكلمون بأسمه ويدعون الخوف عليه والدفاع عنه من قصورهم العاليه .

مدعين عشق الوطن والتغني بماءه وسحابه وغدرانه وصحراءه وسنابل قمحه وهم داخل مكاتبهم المكيفه لا يعرفون من الاردن سوى فنادقه الغاليه وحفلات الطبقات الراقيه والصفقات الرابحه والرحلات السياحيه.

كيف لي ان اصفق لمرشح او مسؤول لم ارى منه ما يقنعني بالتصفيق سوى صرف الاموال على فرش المقرات الفخمه والمكاتب الفخمه والسفرات والضيافه .

كيف اقبل على نفسي ان اصفق واطبل لابن نائب سابق يوعد الناس بالازدهار والتقدم والنهضه والتنميه كما كان ابوه من قبل دون ان يفعل لي شيء .

انها بلد ابائنا ايضا الفلاحين المهمشين الذين لم يجنو من هذا الوطن شيئا من مكاسبه وثرواته قبل مجيء المستثمرين الليبراليين وماتوا وهم لا يملكون سوى دورهم وارض اجدادهم .

انها بلدنا ايضا نحن الذين نعيش فيه معاني الصبر والتضحيه والشجاعه ، انها بلد ابنائنا ليست ابنائهم فقط الذين يرتعون باموال ابائهم وسلطتهم .
انها بلدنا نحن الاردنيون العاملون الكادحون الغير مشمولين بنظام التامين الصحي حتى الان الحق المكتسب البسيط .
المحرومون من ان يكون لابنائنا مقاعد في الجامعات كغيرنا ، الذين لا نعرف من عمان سوى حنيننا اليها وطموحنا الذي لم يتحقق فيها بسبب استحواذ الاقليه الراسماليه عليها .

نحن المسؤولين عن حالنا لاننا نرصد واقعنا بحياد ، لاننا لا نختار الشخوص الاجتماعيه بمقاييس اخلاقيه ، لأن المثقف البسيط لا يجد لنفسه ولرايه مكان بيننا ، لاننا نتلون مع الشخوص ، ونعطي دون تفكير لمن يتبجح علينا ببعض الكلمات الافلاطونيه .

نحن المسؤولين عن خيبتنا وانتكاستنا لاننا بحكم وعينا المحدود بقينا مؤمنين بحكمة نوابنا ومرشحينا وبقدرة شعاراتهم وخطاباتهم على تغيير واقعنا واحوالنا .

اليس من البديهي والشرعي ان يكون الانسان لنفسه خطا اجتماعيا مختلفا عن ارادة العشيره والاقارب بعد مروره بتجارب فاشله وخيبات ظن متتابعه بالشخوص والافكار .

الم نسأم من الاحلام الكاذبه والوعود الخياليه والكلمات المتتاليه والمهرجانات الانيقه المكلفه ، الم يأن الاوان كي تتبدل حالة الحميه والفزعات التي تتأجج عند اشتداد الازمات فتبدل المواقف بسرعه الريح ، ونعود لنفكر بعقليه اجتهاديه تحلل الواقع ثم تحدد اين تقف .

هل اصبح دورنا كمواطنين في التحشد وراء المرشحين والمسؤولين والتصفيق لهم وللعروض التي يقدمها ابنائهم في افتتاح مقراتهم .

هل انتهت احلامنا عند تحصيل الوظيفه ورغيف الخبز وانتظار احسان نائب هنا وتفضل لاخر هناك .

وفي خضم هذه الميمعه الانتخابيه يحق لنا ان نسال انفسنا قبل ان نسال احد اخر هل نحن حقا مندمجين منخرطين في التجربه الوطنيه الحياتيه ؟
ام اننا بالنسبه للمرشحين مجرد ارقام واعداد تنتهي الحاجه اليها بعد انتهاء اليوم الانتخابي ؟

ثم الا يعتبر تشكيل مكاتب اعلاميه اثناء عمليه الترشح بحجة عدم توفر الوقت للرد على الناس ومناقشتهم والرد على اتهامات الناس ونقدهم الا يعتبر ذلك بدايه تغير شخصيه المرشح ؟

ان من اهم الاسباب التي تدعوني للتفكير بمقاطعة الانتخابات وعدم المشاركه فيها هي شعوري بأني مواطن فائض عن الحاجه وصاحب راي غير مهم الا في يوم الاقتراع
تتفاجا بأن المرشح يعرفك ويعز عليه عتبك ويكاد ينحني لك وعيونه مبلله بالدمع .
الم تشبع الناس من الخطابات الطويله ؟
اليس من الغريب حقا وفي ظل الظروف الاقتصاديه الصعبه التي تواجهها الناس والتجارب الفاشله التي عايشوها ما يزالون يصفقون ويحضرون بالالاف ليجلسوا صامتين دون ان يكون لهم الحق في ابدا راي او مناقشة فكره او توجيه سؤال ؟
فلماذا اذا لا نتغير لماذا لا تتغير طريقتنا في التفكير ؟
لماذا ننغمس كلنا بالايمان بالشخوص والافكار دون شك ودن ان يمس نفوسنا اية حيره ؟
لماذا نذوب خلف شخصية المرشح والنائب دون ان ننظر لحظه اين نقف ولماذا نقف في هذا المكان بالذات ؟
الم نسمع هذه الوعود والعهود منذ سنين طوال ؟
الم تسأم الناس هذه الخطابات التي لا تشتري ربطه خبز لاسره فقيره ؟

هل تستطيع احزابنا مثلا حل مشكلة البطاله والمديونيه ؟
لا سيما تلك التي ترفع شعارات حلول لا شعارات ، وتلك التي تدعي ان وجودها في مجلس النواب هو الحل لا برامجها .
نحن الكادحين الذين نذوب في الاردن حبا ودفاعا ودموعا وأبناء يسهرون على حدوده دون ان نملك منه شي سوى الامل به بالمستقبل سوى ذكريات الاباء والبناء .
.
لقد ان الاوان ان نوقف حالة الاندفاع خلف راكب السيارات الفارهه والمواعيد الطويله والموائد الطويله
ان الاوان لكي نثق بانفسنا فلا نقف على ابواب مدعي تقديم الخير اصحاب الثروات المتراكمة والمناصب المتراكمة لاخذ فتات الوطن .