الإسلام مُستباح و العروبة في ذمة الله .. الاستسلام الذي أغلق كافة الأبواب وفتح باب الجحيم
لم تشهد أُمَّةٌ إقتراب نهاياتها المفجعة بأعين مفتوحة جافاها الدمع وقلوب كسيرة تنبض بالموت كما يفعل العرب ذلك بأنفسهم وهم يتدافعون الآن نحو نهاياتهم بخطىً متسارعة وخيارات عقيمة يَسْتـَجْدونَ من خلالها الرحمة والعطف من العدو ، ويبيعون كرامتهم لكل من يُبدي استعداداً لشرائها حتى لو كان الهدف من ذلك سَحْقَها والدوس عليها دون رحمة ، معتبرين أن إستعطاف العدو وإستجداء فتاته أكثر جدوى وأهمية من دعم الاشقاء أو من استنهاض الأمة للدفاع عن حقوقها المسلوبة .
الحقوق العربية أصبحت أضحوكة ومهزلة تلوكها ألسن العديدين ومنهم بعض الموتورين من أبناء العروبة الذين يعتبرون أنفسهم الأكثر فهماً لمصالحها والأكثر تقديراً لمتطلباتها ، وهم يسعون بذلك إلى تبرير انهزاميتهم وقصورهم الفاضح في خدمة أوطانهم وشعوبهم منطلقين من الفرضية بأن خدمة النظام الحاكم يجب أن تكون في صلب الأولويات الوطنية لأي نظام وهي ما يضفي الشرعية على أية اجراآت أو قرارات أو سياسات يتم اعتمادها والعمل بها بإعتبارها تمثل المصالح الوطنية لهذه الدولة العربية أو تلك .
استنهاض العروبة تحت ضغوط وتحديات الإحتلال والتنمية الاقتصادية والتبعية السياسية كان من المفروض والمنطقي أن يكون الخيار الأول والأكثر مثالية وملاءمة للمصالح العربية ، ولكن هذا لم يحدث ، وجاء الخيار الحقيقي في النهاية مختلفاً ومتناقضاً مع المنطق والمصلحة العامة للعرب . أماّ استنهاض العرب فهو أمر لم يعد ممكناً بسهولة بعد أن أمضت الأنظمة العربية عقوداً وهي تطحن شعوبها وتكسر ارادتها لصالح تنمية مفهوم الانصياع والولاء الأعمى ، وتدفع بها بالتالي في اتجاهات معاكسة لمصالحها وللمصلحة القومية مقتربة بذلك من الهدف الصهيوني ومن قبول الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين بإعتباره أمراً واقعياً وبإعتبار التعامل معه هو الخيار الأكثر عملية والأقرب إلى مصالح الأنظمة العربية الحاكمة والمفتاح الأهم للدعم الأمريكي المستـمر لتلك الأنظمة .
الدعم العربي والإسلامي لِحَقّْ الفلسطينيين وهدفهم في البقاء على أرضهم ومنع كافة ممارسات الإحتلال الإسرائيلي الهادفة إلى تهجيرهم من وطنهم فلسطين هي نوع الدعم الذي يحتاجه الفلسطينيون من العرب . ومطالب دعم صمود الفلسطينيين على أرضهم فلسطين يتنافى وإدعات بعض الأنظمة العربية بثقل الحمل الفلسطيني على أكتافهم مما يعني أن حالة العداء لإسرائيل هي بحد ذاتها حملاً لا يرغبون بحمله نظراً لعدم توفر النية لديهم لمعاداة إسرائيل مما أدى إلى تطور حالة عربية من الحقد الظالم على الفلسطينيـين بإعتبارهم في نظر تلك الأنظمة أسـاس البلاء العربي وليس بإعتبار إسرائيل هي أسـاس ذلك البـلاء . الهدف من هذا الحديث ليس تجريم أحد أو القاء اللوم على أحد دون الآخر بقدر ما يهدف إلى تبيان الحقيقة وعدم السماح بإلقاء مسؤولية الضعف والهوان العربي على أكتاف الفلسطينيين . وبالإضافة إلى ذلك ، فإن الأنظمة العربية وليس الفلسطينيين هي من دعمت السلطة الفلسطينية ودورها الآثم في التعاون مع الاحتلال و منع مقاومته مما شجع المستوطنين على استيطان المزيد من أراضي الضفة الفلسطينية وخَـلَقَ بالنتيجة حالة ضاغطة بشكل متفاقم على الشعب الفلسطيني أدت في السابع من أكتوبر 2023 إلى انفجار الأوضاع في إقليم غزة ثم في الضفة الفلسطينية .
ما جرى من حرب على إقليم غزة بعد السابع من أكتوبر عام 2023 ، والقتل والتدمير الذي رافقها أمراً من المستحيل نسيانه أو إعادته إلى الوراء . والموقف العربي الرسمي السلبي مما جرى ويجري للفلسطينيين في تلك الحرب هو أمر مرفوض ومن الصعب بالتالي قبوله أو محاولة تبريره أو العودة عنه بعد كل تلك الظروف الدموية والتدميرية التي مَرَّ بها الشعب الفلسطيني وما زال . ومـع أن " العـودة عن الباطـل فضيلـة " ، إلا أن ما فعلته الأنظمة العربية أو بالأصح ما لم تفعله الأنظمة العربية لمساعدة ودعم إقليم غزة والضفة الفلسطينية هي أمر لا يمكن تجاهله أو التغاضي عنه أو مسامحته أو الرجوع عنه لأن ما حصل قد حصل ، ولكن المطلوب حقيقة هو إزالة الظروف التي جعلت حصول ذلك ممكناً وبشكل لا يسمح بالعودة إلى مثل ذلك المسار العربي الرسمي والمشؤوم مجدداً.
من الصعب إن لم يكن من المستحيل السعي نحو إيجاد سبيل لمسامحة الأنظمة العربية على ما لم تقم به تجاه الشعب الفلسطيني . وسعي بعض الأنظمة العربية للخلاص الروحي من عقدة الذنب يتم الآن من خلال الامعان في قهر الفلسطينيين أينما كانوا وتجاهل حقوقهم أو المباهاة والتفاخر العلني بالتملق للإسرائيليين ومحاباتهم في محاولة بائسة لتبرير ما ارتكبوه من أخطاء بحق شعوبهم وأمتهم ومصالحها من خلال سياسات التطبيع المجاني أوقبول خيار النهج الإبراهيمي الساعي إلى إعادة تعريف الوجود الإسرائيلي في المنطقة بإعتباره وجوداً أصيلاً له جذوره التاريخية والدينية التي تجمع اليهود والعرب وتضعهم في نفس القارب الذي يمنحهم حق التمتع بنفس الحقوق التاريخية والدينية ويجعل منهم كيهود شركاء أصيلين في المنطقة وليس دخلاء عليها ومحتليـن لأراضيها .
ان التعقيـدات التي تغلف القضية الفلسطينيـة تنبـع من كونها قضيـة وطـن وليس قضية سياسية قابلة للتجزئة . فالوطن هو وحدة واحدة ، وهو إطار جامع ولا يمكن تقسيمه إلى أجزاء بعضها سياسـي وبعضها ديني وبعضها الآخر اقتصادي . الوطن الفلسطيني هو إطار جامع لشعـب واحد هو الشعب الفلسطيـني ، ولكن المسؤولية الدينيـة هي إطار روحي عابـر للشعـوب والأوطـان ومن هنا تجئ المسـؤولية الإسلامية والمسيحيـة في حمـاية الأماكـن المقدسـة في الوطن الفلسطيني من سطوة الإحتلال ومحاولاته المستمرة لتهويد تلك الأماكن المقدسة إنطلاقاً من النظرة العنصرية الإقصائية والدينية الضيقة لذلك الكيان .
يخُطْىء العالم الإسلامي إذا إعتقد أن حماية الأماكن المقدسة ومنها المسجد الأقصى هي مسؤولية فلسطينية حصراً .
الفلسطينيون مسؤولون عن حماية القدس بإعتبارها أرضاً فلسطينية السيادة عليها للفلسطينيين فقط . أما حماية المواقع الدينية مثل الأقصى كمسجد وكموقع ديني إسلامي ومنع تحويله إلى معبد يهودي فهي من مسؤولية العالم الإسلامي ، أما اذا لم يشـأ العالم الإسلامـي ذلك أو يكتـرث به ، فهذه مشكلتـه وليس مشكلـة الشعب الفلسطينـي .
السيادة السياسية شئ ، والقدسية الدينية للأماكن الدينية ومنها الأقصى شئ آخر . واذا ما شاء العالم الإسلامي أن يتنكر لمقدساته في فلسطين أو أن يتجاهلها أو يُحْجِم عن دفع الثمن المطلوب لحمايتها ولمنع الإحتلال الإسرائيلي من التعدي على حرمتها الدينية ، فالمسؤولية الدينية والأدبية والأخلاقية تقع على ذلك العالم . ومع ذلك فعندما تم تدمير مساجد غزة وكنائسها ، حتى التاريخـي منها والـذي لا يمكـن تعويـضه ، لم يحرك أحد ساكناً لا في العالم الاسلامي ولا في العالم المسيحي . وعندما تصدى الفلسطينيون في معركة "سهم الأقصى" لحماية الوضع الديني للمسجد الأقصى ودفعوا ثمناً غالياً من أجل ذلك ، فإن العالم الإسلامي لم يقم بواجبه ولم يفعل شيئاً . ومَنـْع الإحتلال الإسرائيلي من الاستيلاء على المسجد الأقصى دينياً ، سواء جزئياً أو كلياً ، تمهيداً لتحويله إلى كنيس ومعبد لليهود تبقى دائماً مسؤولية إسلامية .
وهكذا ، ومع أن تحرير مدينة القدس من الإحتلال وفرض السيادة الفلسطينية عليها تبقى في نهاية الأمر مسؤولية فلسطينية ، إلا أن منع تغيير الصفة الدينية للأماكن المقدسة ومنع تحويلها إلى أماكن عبادة يهودية هي أيضاً مسؤولية العالمين الاسلامـي للأماكن الاسلامية والمسيحي للأماكن المسيحية . وهكذا ، تبقى المسؤولية مشتركة إذا ما اعتبـرنا أن عروبة مدينة القدس هي أمر يهم الفلسطيـنييـن سياسياً بينما قدسية وحرمة أماكنها المقدسة هي أمر يهم العالمين الإسـلامي والمسيحي دينياً . هذه هي الحقيقة التي لا يريد أحد ، على ما يبدو ، أن يفهمها أو حتى أن يسمع بها .