عن وحدة الساحات و مقترح الفرصة الاخيرة الامريكي المجزوء ..



مع تواتر الحديث عمّا يسمّى "المقترح الأمريكي الجديد" من أجل التوصّل لوقف إطلاق النار في غزّة، والضخّ الإعلاميّ المتزايد الذي يحاول تصوير هذا المقترح وكأنّه "الفرصة الأخيرة" التي يمنحها "الربّ" الأمريكيّ للجميع.. هناك إغفال وتجاهل كبير للواقع الجديد الذي طرأ على الأرض منذ آخر صيغة للاتفاق سبق للمقاومة القبول بها وتنصّل منها الصهيونيّ والأمريكيّ، ألا وهو قيام عصابة الحرب الصهيونيّة بتوسيع نطاق حرب "الإبادة والتهجير" المُمنهجة التي تشنّها على الشعب الفلسطيني لتشمل "الضفة الغربية".

على فَرَض جدّية الحديث عن المفاوضات والهدنة، وأنّها لا تأتي في إطار نفس النمط المتواتر منذ اليوم الأول، أي شراء الوقت بدماء الفلسطينيين كي يتسنى لعصابة الحرب الصهيونية الإمعان أكثر في تنفيذ "مهمتها" القذرة على الأرض، ومنح غطاء لجرائم العدو المستمرّة، وذرّ الرماد في عيون الرأي العام العالميّ، وامتصاص غضب الجبهتين الداخليتين "الإسرائيليّة" و"الأمريكيّة" وتخديرهما، وإعطاء ذريعة للأنظمة العربية لتبرير تخاذلها وتواطؤها.. فإنّ أي صيغة محدّثة أو جديدة للاتفاق المزعوم يجب أن تشمل "الضفة الغربية" أيضاً!

إبرام اتفاق في غزّة (مرّة أخرى على فَرَض أنّ هناك نيّة حقيقيّة لإبرام مثل هذا الاتفاق)، دون أن يشمل هذا الاتفاق الضفة الغربية، هذا من شأنه أن يمنح العدو فسحة ومساحة و"أحقيّة" لتوسيع جرائمه والإمعان في تنفيذ مخططاته في الضفة. والأخطر، أنّ هذا سيكرس فكرة الفصل بين "غزّة" و"الضفة"، وأنّ "غزّة" هي كيان وفضاء قائم بحدّ ذاته و"الضفة" هي كيان وفضاء آخر!

الكلام أعلاه لا يأتي في إطار "وحدة الساحات"، فـ "غزّة" و"الضفة" ليستا ساحتين منفصلتين حتى يتمّ توحيدهما، بل هما وعموم فلسطين من البحر إلى النهر ساحة واحدة، ووطن واحد. أمّا وحدة الساحات فهي بين فلسطين وبقية جبهات الإسناد لمَن يريد أن يكون مخلصاً وشريفاً، أو حتى لمن يريد أن يكون "نفعيّاً" و"برجماتيّاً" بالمعنى "القُطري" للكلمة باعتبار أنّ التخلّص من الخطر الصهيونيّ والهيمنة الأمريكيّة هما قمة المنفعة لأي دولة ونظام يدّعيان الدفاع عن مصالح وطنيهما وشعبيهما!

بخلاف غباء العرب التاريخي في إدارة المفاوضات مع العدو الصهيو - أمريكي (ولا أظنّ أنّه كان غباءً بريئاً بكل الأحوال)، يُسجّل لفصائل المقاومة حنكتها وذكائها في إدارة ملف المفاوضات لغاية الآن، وعدم خضوعها لـ "الابتزاز" و"التهويش"، وعدم انطلاء خدع العدو عليها ومن جملة ذلك تلك الخلافات المسرحيّة المزعومة بين الإدارتين الأمريكيّة و"الإسرائيلية"، وبين الصهيونيّ "نتنياهو" والأكثر صهيونيّةً "جو بايدن".

من هنا يأتي تمسّك "المقاومة" بصيغة الاتفاق التي سبق أن وافقت عليها (وعرّت من خلال هذه الموافقة كذب الجميع وعدم جديّتهم في التوصّل إلى اتفاق)، والمتوقّع حاليّاً من "المقاومة" ليس إظهار مرونة أو تقديم تنازلات من طرفها إزاء ما سبق وأن وافقت عليه، بل أن تضيف إلى ذلك بنوداً تضمن أنّ أي اتفاق يتمّ التوصّل إليه سيشمل أيضاً الضفة الغربية.

الإغفال والإسقاط الضمنيّ لـ "الضفة الغربية" ليس مكمن الخطورة الوحيد فيما يتعلّق بـ "المقترح الأمريكي الجديد"، فالبنود التي يتم تداولها حاليّاً عبر وسائل الإعلام باعتبارها جزءاً من المقترح، بصياغاتها وعباراتها الخبيثة، لا تقلّ خطورة عن فكرة "الفصل" أعلاه، وهي من الخباثة بحيت تستدعي قراءةً وتحليلاً منفصلين للوقوف على مكامن خطورتها وتحايلها وزرعها ألغاماً سرعان ما ستنفجر عند الشروع في التنفيذ والخوض في شيطان التفاصيل!