ما سبب ارتفاع حالات توقّف القلب المفاجئ عند الشباب؟



في صورة متناقضة ومقلقة، يجد الأطباء أنفسهم أمام واقع طبي متناقض بين تسجيل معدل أقل في إجمالي عدد النوبات القلبية في الولايات المتحدة مقارنة بالسنوات التي مضت، وبين ارتفاع مقلق في حالات النوبات القلبية عند الشباب الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً.
 

منذ يومين، استفاقت زغرتا على مأساة وفاة ابنها شربل نجم، ابن الـ24 عاماً نتيجة ذبحة قلبية أنهت حياته أثناء ممارسته هواية كرة السلة.
 

وقبل أسبوع، أغلقت ملكة جمال لبنان للاغتراب ديما صافي عينيها بعد أن خذلها قلبها عن عمر 30 عاماً، حيث عانت من أزمة قلبية أنهت حياتها بشكل مفاجئ.
 

لكن مهلاً، ما الذي يجري حقيقة، ولماذا أصبحنا نسمع بهذه الحالات أكثر من أي وقت مضى؟
 

لذلك إذا كنت تعتقد أنك صغير لتقلق حول الأمراض القلبية ربما عليك أن تعيد التفكير مرة أخرى. إن عدد أقل من الشموع على كعكة عيد الميلاد لا تعني بالضرورة تعزيز مناعة ضد المشاكل القلبية.
 

معرفة الأسباب وراء زيادة النوبات القلبية بين الشباب يمكن أن تساعد على اتخاذ خطوات لحماية صحتك والوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية.
 

في الماضي، كانت النوبات القلبية مشكلة تقتصر بشكل أساسي على كبار السن، وكان من النادر أن يُصاب شخص في سن العشرينيات أو الثلاثينيات بنوبة قلبية حادة. أما اليوم، وفق ما نشر موقع Cardio metabolic institute، فقد أصبح واحد من كل خمسة مرضى نوبات قلبية، أصغر من 40 عاماً.
 

ويشير الموقع إلى حقيقة أخرى مقلقة يتوجب تسليط الضوء عليها وتتمثل بأن النوبات القلبية أصبحت في العشرينيات أو أوائل الثلاثينيات من العمر أكثر شيوعاً. إذ ارتفعت بين عاميّ 2000 و2016 نسبة النوبات القلبية بمعدل 2 في المئة سنوياً عند هذه الفئة العمرية.
 

في حين يسعى مقال علمي نُشر على موقع "كليفلاند كلينك" إلى فهم سبب زيادة حالات النوبات القلبية عند فئة الشباب. وفق المقال لم يكن شائعاً أن يصاب شخص في العشرينيات من عمره بنوبة قلبية كما هي الحال اليوم. كان من النادر أن يعاني شخص أقل من 40 عاماً من آلام الصدر الحادة الناتجة عن نوبة قلبية.
 

 
ما الذي تغيّر؟
 

فما الذي تغيّر؟ ببساطة، أسلوب حياتنا. يمكن أن يُعزى الكثير من الزيادة في النوبات القلبية لدى الشباب إلى تغييرات في نمط الحياة، مثل زيادة مستويات التوتر والضغط النفسي، انتشار العادات الغذائية غير الصحية والوجبات السريعة، قلّة النشاط البدني والجلوس لفترات طويلة، ارتفاع معدلات التدخين، زيادة الوزن، انتشار داء السكري من النوع الثاني في سن مبكرة... هذه العوامل مجتمعة تساهم بشكل كبير في ارتفاع معدلات الإصابة بالنوبات القلبية بين الشباب اليوم.
 

وإزاء هذا الواقع، لا بدّ من السؤال هل نشهد حقيقة زيادة في حالات الوفاة المفاجئة عند الشباب أم أننا أصبحنا نسمع عنها أكثر بسبب وسائل التواصل الاجتماعي؟
 

يعترف رئيس قسم أمراض القلب في مركز كليمنصو الطبي في بيروت الدكتور إيلي شمّاس أن "غياب الإحصاءات والأرقام في لبنان يحول دون القدرة على مراقبة ومعرفة مدى زيادة حالات الموت المفاجئ عند الشباب في الآونة الأخيرة، ومع ذلك نلاحظ أكثر وجود وفيات مفاجئة عند هذه الفئة حيث تلعب عوامل خارجية عدة دوراً أسياسياً في زيادة الخطر ومنها الضغط النفسي، والتدخين وقلّة النشاط البدني والأطعمة غير الصحية وجميعها يؤثر على صحة القلب وتزيد من نسبة الموت المفاجئ".
 

وفق منظمة الصحة العالمية تتصدر أمراض القلب السبب الأول للوفيات حول العالم، وتُشكّل 16 في المئة من مجموع الوفيات الناجمة عن جميع الأسباب.

إذ كشفت أحدث البيانات عن العبء العالمي لأمراض القلب والأوعية الدموية عن أن وفيات المتأثرين بها ارتفعت إلى نحو 20 مليون شخص حول العالم عام 2022.
 

في مقلب آخر، منذ بدء جائحة كوفيد-19، أصبحت حالات الوفاة بسبب النوبات القلبية أكثر شيوعًا عبر جميع الفئات العمرية في الولايات المتحدة، وفقًا لدراسة أجراها مستشفى سيدارز سيناي في لوس أنجليس في أيلول 2022.
 

أما الفئة العمرية الأكثر تأثراً؟ فهم الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و44 عامًا، الذين شهدوا زيادة نسبية قدرها 29.9% في حالات وفاة النوبات القلبية خلال أول عامين من الجائحة، وفق ما نشر موقع Today.
 

 
تراند التدخين يطغى على كل شيء

 
في موازاة ذلك، يؤكد شمّاس أنه "برغم من تقدم الطب وحملات الوقاية، فإن أمراض القلب لا تزال تحتل المرتبة الأولى في الوفيات حول العالم. ويعود هذا الواقع إلى أسباب عديدة أولها ارتفاع الضغط الذي يؤثر على صحة القلب. ونعرف جيداً أن ارتفاع الضغط سببه تناول الملح، التدخين، الوزن بالإضافة إلى العوامل الوراثية.
 

أما السبب الثاني فهو التدخين على اختلاف أنواعه، الذي يُسبب انسداداً في الشرايين وأمراض القلب. ويستشهد شمّاس بالحملة التي أجريت عندما كان رئيس الجمعية اللبنانية لأطباء القلب بالتعاون مع وزارة الصحة واللجنة الصحية في مجلس النواب، قد صوتوا على قانون 174 الذي يمنع التدخين في الأماكن العامة، إلا أنه للأسف لم يُطبق إلا لشهور معدودة بسبب الخسائر الاقتصادية الناجمة عن وقف التدخين في المطاعم والملاهي.
 

لكن في الحقيقة الخسارة الفعلية ليست في الجانب الاقتصادي، وإنما في الجانب البشري حيث نشهد على وفيات عند الشباب نتيجة التدخين المتزايد في ظل غياب الوعي الكافي لأضرار التدخين على صحتهم. والمؤسف أننا نشهد حالات لشباب وفتيات يعانون من أزمات قلبية وهم في أعمار صغيرة.
 

وفي ظل حملات التسويق لأنواع دخان صحية مثل IQOS وغيره، أظهرت كل الدراسات الجديدة أنها مضرة جداً وتؤذي القلب مثلها مثل باقي أنواع الدخان الأخرى. لذلك يجب أن يعي الشباب حقيقة ومخاطر التدخين على صحتهم وعدم الوقوع في فخ الترويج والتراند.
 

 
عوامل مؤثرة يمكن الوقاية منها

 
وبالعودة إلى العوامل الأخرى المؤثرة، يحتل النظام الغذائي السبب الثالث في ارتفاع نسبة الكولسترول بالدم حيث يؤدي تناول الأطعمة الدهنية والمصنعة إلى ارتفاع الكولسترول. لذلك نوصي بإجراء فحص دم كل ستة أشهر أو سنة لمراقبة نسبة الكولسترول في الدم ووصف الدواء عند الحاجة الطبية.
 

كذلك يعتبر السكري من الأسباب الرئيسية التي يتوجب مراقبتها لأنها تؤثر أيضاً على صحة القلب. لذلك يجب أن يكون مستوى السكري ضمن معدلاته الطبيعية. بينما يعتبر العامل الوراثي غير قابل للتحكم خلافاً للعوامل الأخرى المذكورة، ومع ذلك يتوجب على الشخص الذي لديه تاريخ عائلي بأمراض القلب إجراء الفحوص اللازمة والمتابعة الطبية لتفادي الإصابة بأمراض القلب.
 

لا يخفى على أحد أن زيادة الحديث عن حالات وفاة مفاجئة عند الشباب بأزمة قلبية دفع بالكثيرين إلى ربطها بلقاح كورونا وآثاره الصحية، فهل سببت لقاحات كورونا زيادة في حالات توقف القلب المفاجئ ؟ وفق شمّاس أن فيروس كورونا القديم واللقاح في بعض الحالات أظهر أنه يؤثر على عضلة القلب وتحديداً يُسبب التهاب في عضلة القلب أو ما يُسمى Myocarditis ، وقد سُجلت بعض الحالات نتيجة الإصابة أو التلقيح.
 

أما بالنسبة إلى فيروس كورونا الجديد، الذي بات يُشبه الرشح في عوارضه الخفيفة، فلم يُسبب أي حالات أو تأثير في عضلة القلب أو الشرايين.
 

 
أجهزة تنقذ الأرواح

 
وبما أن الأزمة القلبية المفاجئة تحتم التدخل السريع لإنقاذ الأشخاص المعرضين، فقد سعت الجمعية اللبنانية لأطباء القلب، إلى جانب مبادرات من جمعيات قلب خاصة، إلى وضع أجهزة للصدمات الكهربائية في الأماكن العامة والشركات الخاصة كما هي الحال في الدول المتطورة. وتساعد هذه الأجهزة على إعطاء صدمة كهربائية في حال حدوث توقف قلب مفاجئ والتي تساعده على إنعاش القلب، إلا أن الشخص المسعف بحاجة إلى الخضوع لدورة تدريبية لمعرفة كيفية استخدام هذا الجهاز.
 

لكن هل يمكن الوقاية من الأزمة القلبية المفاجئة؟ يعترف شمّاس أن التخطيط والصورة الصوتية للقلب من الفحوص الجيدة، إلا أنها لا تعتبر كافية وحدها. لسوء الحظ، نعرف أنه أحياناً يخضع الشخص لكل الفحوص من دون أن يظهر أي شيء، إلا أنه يكون لديه استعداد للوفاة المفاجئة، ونلاحظ مثل هذه الحالات خصوصاً عند لاعبي كرم القدم أو الرياضيين حيث يسقطون فجأة على الأرض بعد توقف قلب مفاجئ.
 

نلجأ اليوم حسب شمّاس إلى إجراء "صورة الرنين المغناطيسي للقلب للتأكد من عدم وجود تشمّع في القلب أو التهاب يؤدي إلى الموت المفاجئ. ويجرى هذا الفحص للأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي في الموت المفاجئ أو لديهم استعداد للوفاة المفاجئة".
 

إلى جانب ذلك، هناك دراسة جينية لتحليل الجين الذي يعرّض الشخص لخطر الموت المفاجئ، وفي هذه الحالة يمكن معالجة الشخص من خلال إعطاء أدوية خاصة، بالإضافة إلى زرع بطارية التي نجحت في إنقاذ حياة كثيرين ومنع الموت المفاجئ.
 
 


(النهار)