لا نريد برلمانا نريد بر الأمان
لَمْ تُبْتَلَ أُمَّةٌ علَى وَجْهِ الأرْضِ ،بِمَجْلِسِ نُوَّابٍ مِثْلَمَا ابْتْلِيْنَا نَحنُ الشَّعْبَ الأردُنِيُّ ،فَكُلُّ شُعُوبِ الأرْضِ تَفْتَخِرُ بِتَارِيِخِهَا النِّيَابِيِّ،وتُحَاوِلُ أنْ تُبًيِّضَ مَا لَحِقَ بِهِ مِنْ أدْرَانِ وَسَلْبِيْاتِ، لا بَلْ وَتُحَاوِلُ أنْ تُرَقِّعَ الصَّفَحَاتِ السُّودِ فِيْهِ .
أما نَحْنُ ،فَلَيْسَ لَنَا إلَّا أنْ نَنْبُشَ المَاضِي لِنَسْتَخْرِجَ الصَّفَحَاتِ السَّوْدَاءِ لِمَجَالِسِنَا النِيَّابِيِّةِ ،لِنَعْكِسَهَا علَى حَاضِرِ مِجْلِسِنَا الذِي يَعِيشُ مَعَنَا ،وَنَعِيشُ مَعَهُ مَخَاضًا عَسِيرًا،حَتَّى أَصْبَحْنَا نَكْرَهُ سَمَاعَ اسمه، لِأنَّه أصْبَحَ عِبْئًا نَفْسِيَّا ،واجْتِمَاعِيًّا،وَمَالِيَّا عَليْنَا وَعَلَى مُسْتَقْبَلِ وَطَنِنَا، ودولتنا.
وبما أن صلاحية مجلسنا النيابي قد انتهت ،وحاله ليس بأحسن من حال من قبله، ومردُّ ذلك يعود إلى الجينات المُكَوِّنةِ لهذهِ المجالسِ، الذي دفع ضعفها الوطن إلى الهاوية والإفلاس والفشل.
وبما أن مجلس النوّاب لا يملك قراره ،ويقع تحت وصاية جهات متنفذة ،تأمر فتطاع ،وتدير المجلس من وراء حجاب ،وبمقدورها تغيير قراره في أي لحظة تشاء، فما جدوى هكذا مجالس نيابية؟ وهل نحن بحاجة لمثل هكذا مجالس؟
باعتقادي انه لا داعي لمثل هكذا مجالس، بمثل هكذا مواصفات بعدما أصبحت عجينة بيد السلطة التنفيذية تشكلها كيفما تشاء ،وقت تشاء ،فأي قانون ترضى عنه الحكومة تحيله إلى مجلس النواب للتصويت عليه ،بعدما تضمن الموافقة عليه مسبقا ،وإذا لم ترض عنه ويخالف رغباتها تبقيه حبيس أدراجها.
البرلمان الذي يدار بالريموت كنترول ،لا يمكن أن يكون برلماناً فاعلا ،يضع الشعب ثقته فيه ،ويأمن على مصالحه معه.
نحن في وضعٍ لا يمكنُ أنْ نتحدثَ فيهِ إلا عنْ برلمانات(مُشَفَّرة) تأتي به الحكومةُ وتصطنعهُ على عينِها وبمقاسها، لا علاقةَ لهُ بالرقابةِ ولا بالتشريعِ ،ولا حتى بالسياسة، له علاقةٌ بقولِ واحدٍ أنْ يقولَ : آمين لا لله ،وإنَّما للحكومةِ فقطْ.
لقد دأبت كل الحكومات وأعوانها من "النواب" على إبقاء الناس في مستوى متردٍّ من الفكر والثقافة والوعي، لتجعلهم غرقى في حالٍ من الغفلة عن الوقائع والحوادث والحقائق، وتُنَصِّب لهم قيماً وموازين زائفة بدلاً من الموازين الحقّة ،كما يقومون بعملية خطيرة ،وهي غسلُ دماغٍ للشعب.
إن التزاوجَ المزدوجِ غير المشروع بين النواب والحكومة، اعتراه ولادة منبوذة من المجتمع! كونه أنجب قوانين سفاح في كثير من الأحيان، عادت بالضرر على البلاد والعباد.
لقد عاشت مجالسنا النيابية جميعُها حالةَ موتٍ سياسيّ ،بسببِ عجزِهاِ عنْ تقديمِ أيِّ إشباعٍ ديمقراطيّ أو اقتصاديٍّ ،أو حتى مِنْ زَاوِيَةِ الكرامةِ الوطنيِّة.
فلم تعد أكثرَ من إطارٍ أو بروازٍ للحكومةِ ،أو ديكورٍ للزينةِ ،وأعضاؤه دُمىً لتجميلِ وجهِ الحكومةِ.
هذه كلُها مجتمعةٌ ،دفعتني لأقول:لا نريد برلمانًا يشبه أفراده الدمى المتحركة، ويناصبُ أفرادُه العداءَ لأبناء شعبهم ،لكي لا تصدمُنا خيبةُ الأملِ، ولكننا نريدُ برلمانًا يعبر بالوطن "بر الأمان".