عملية ماهر الجازي الإستشهادية.. قراءة واستشراف
نعلم اي حرج وقعت فيه الحكومة الأردنية بعدما قام الشهيد ماهر الجازي بتنفيذ عملية استشهادية و قتل فيها ثلاثة من جنود العدو الصهيوني ، و استشهد على أثرها فورا ، و سجل موقفا ربما كانت الحكومة تتخوف من حدوثه و ربما لم تكن تدرك أنه يمكن أن يحصل ، و نعلم أن اسرائيل المتوحشة و التي بدأت بشتم الأردن و الشعب الأردني و سوف يتصاعد تهديدها لوطننا و شعبنا و نظامنا ، و كنا نعلم و قد كتبنا كثيرا أن الأوضاع تتغير و أن انعكاسات الهجمة الهمجية الصهيونية على ابناء غزة و فلسطين قادمة لا محالة ، و أنه سيكون هناك شيء ما لأن المزاج الشعبي الأردني و اسمحوا لي أن أحدد هذه المرة المزاج الشرق الأردني بات يتخوف من عدوان اسرائيلي يحرق اخضرنا و يابسنا ، و يعلم أن اتفاقية وادي عربة قيدتنا و منعتنا من التجنيد الإجباري و تعليم شبابنا على السلاح و القتال ، و استباحت اراضينا و مياهنا و سمائنا دون أن تجد من يوقفها .
العملية أثارت فرحا و بهجة في أوساط الشارع الأردني الذي ربما تنفس الصعداء بهذه العملية التي بعثت الأمل في أن تقوم الحكومة الأردنية باجراءات سياسية ملموسة لمواجهة الغطرسة الإسرائيلية كوقف العمل بمعاهدة وادي عربة او تجميدها او الإقتراب من حركة حماس و انهاء الجفاء معها و البقاء في مربع التنسيق فقط مع السلطة الفلسطينية التي ضعفت و تلاشت قدراتها على أي فعل بل يتهمها الفلسطينيون بالوقوف مع العدو بالتنسيق الأمني معه و كبح نشاط المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية.
المواقف الإستراجية للدول تخضع للتغيير و اعادة النظر عند وقوع متغيرات محلية أو اقليمية او دولية و ارى أن الوقت قد حان لإعادة النظر في منظومة المواقف و التعامل سواء مع اسرائيل او حماس او السلطة ، لأن المنطقة ذاهبة الى أبعد مما يعتقد كثيرون ، و التعويل على بقاء الأردن سالما معافا بسبب وجود قواعد أمريكية ليس هو الخيار الصحيح لأن الأمريكيون تجار في الأمن و السياسة و قد باعوا كثيرا من حلفائهم في افغانسان و ايران و مصر و تونس و مناطق أخر كثيرة ، و لا بد من العودة الى فقه الأولويات و دراسة الأولويات الأكثر الحاحا بالنسبة للأردن و الأردنيين.
ان البقاء متمترسين وراء ما تريده واشنطن و لندن ليس خيارا صائبا ، و المقاومة الفلسطينية ماتزال صامدة في شهرها الثاني عشر و ثابتة بل و ترفض اي شروط او املاءات من اي طرف مما يشير الى أنهم واثقون من قدرتهم على الصمود ، و قد بات الكثيرون من الساسة الأمريكيين و الإسرائيليين يصرحون علنا و بوضوح من أن فكرة القضاء على حماس ليست أكثر من وهم ، حماس باتت العامل الأكبر تأثيرا في المنطقة ، و الأكثر اقترابا من نبض الشارع العربي ، و الذين يريدون أن يقوموا بالتحليل السياسي و استشراف المستقبل يجب ان يفهموا من هي حماس و كيف تعمل و ما هي الإستراتيجية التي تمتلكها و تعمل بموجبها.
لست خبيرا في الشؤون الأمنية و لكنني استطيع أن اؤكد دون تردد أن المشهد العربي الأمني الداخلي للدول العربية ، و الوضع الأمني للمصالح الأمريكية و الغربية لن يبقى على حاله و أن استعمال الضغط الهمجي الإسرائيلي على المقاومة و تقتيل الأطفال و النساء لن يحقق نصرا لإسرائيل و لن يعيد المياه الى مجاريها و أن برنامج التطبيع و مشروع الديانة الإبراهيمية و كتائب الطبل و الزمر و كتاب الدعسة السريعة و المتعلقين بأهداب السفارات و الأجهزة العربية لن يكون لهم فائدة ترجى ، فما يحصل هو محرقة نازية ضد الفلسطينيين و حرب ضد المسلمين و تهديد وجودي لبعض الدول العربية ايضا و هذا يستفز كل العرب و المسلمين.
ماهر الجازي بمسدس صغير و بضع طلقات غير الكثير و سواء كان ذئبا منفردا حسب الوصف الإسرائيلي او جزءا من حالة غضب شعبي قد تنتج الكثير من مثل هذه العمليات فانه قدم الدليل القوي على أن النظام الرسمي العربي الذي عجز عن فعل اي شيء لمساعدة المقاومة و المدنيين في غزة و انقاذهم من الهمجية الصهيونية قادر لو أراد على فعل الكثير و لكنه لا يريد و لا يرغب في الخروج عن ارادة المشروع الغربي الصهيوني ، و اذا كان مسدسا يستطيع فعل كل هذا الهلع في الجمهور و الحكومة الإسرائيلية فكيف سيكون شكل اسرائيل لو ان الجيوش العربية بدلت تصويب مدافعها الى بعضها البعض و الى شعوبها لتتجه نحو العدو السهيوني الهمجي المحتل.
فلسطين ستتحرر ، هذا أمر الهي لا نختلف عليه و نحن واثقون منه ، و لكن اليس من الحكمة و العقل أن يتغير مزاج الأنظمة العربية لتتماهى مع مزاج شعوبها ...
الله أعلم و في هذا القدر كفاية
اللهم ارحم ماهر الجازي و تقبله عندك مع الشهداء و مبروك للجازي و الحويطات شهيدهم.