هل تسرع عملية ماهر الجازي اتفاق وقف إطلاق النار؟



في محرقة غزة ثمة عملية عضّ أصابع مؤلمة وحاسمة ما بين المقاومة والاحتلال؛ نتنياهو يراهن على إجرامه الذي لا يعرف الحدود، والذي يشاركه فيه غالبية العالم بالتواطؤ أو بالصمت؛ أملًا بأن التجويع والتدمير وقطع كل شرايين الحياة والقتل والمجازر ستحقق لإسرائيل ما عجزت عنه عسكريًا أمام المقاومة، مع الفارق الهائل ما بين قدرات الفريقين وإمكاناتهما وعديدهما.

بإطالته أمد الحرب، وصور المعاناة القاسية التي تخلفها، ورفضه عقد أية صفقة في غزة، يخوض نتنياهو رهانًا خطِرًا، ويمضي بسياسة حافة الهاوية إلى ما يمكن أن يكون منزلقًا حادًّا ومسارًا لا رجعة فيه

أما المقاومة، فتراهن أساسًا على العامل الرباني، مع إيمان شبه مطلق بأن الله ناصرها، وأن صمودها الأسطوري وإنجازاتها الباهرة وعجز الصهاينة عن حسم المعركة، أو تحقيق أهدافها المعلنة، إنما يرجع بالأساس إلى التوفيق الرباني ونصرته وتأييده.

ويرى كثيرون من أنصار المقاومة أن العوامل التي تصبّ في صالحها تتجدد يومًا بعد يوم، وذلك بفضل من الله وتأييده، ومن بعد ذلك بصمودها وتضحيات حاضنتها الشعبية. ومن تلك العوامل المظاهرات الشعبية والطلابية في الغرب، وخروج أصوات تتعاظم غربًا وشرقًا، ضد الروايات الصهيونية، وتعلن رفضها لها، وتندد بجرائم إسرائيل.. كل ذلك يزداد ويزدان بمواقف جديدة وأصوات متجددة.

آخر هذه الأصوات والمواقف -على سبيل المثال- ما كان من المخرجة اليهودية سارة فريدلاند، التي أهدت جائزة حصلت عليها في مهرجان البندقية السينمائي الدولي في إيطاليا للشعب الفلسطيني، وأعربت في كلمتها عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني قائلة: " أتلقى هذه الجائزة في اليوم الـ336 للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وفي الذكرى الـ76 للاحتلال"، منددة – بصفتها فنانة أميركية يهودية – بالإبادة الإسرائيلية في غزة، لتلاقي كلمتها تصفيقًا حارًا من الحاضرين في القاعة. كما أدان عديد من الفائزين بشدة الهجمات الإسرائيلية على القطاع خلال تسلُّم جوائزهم على منصة التكريم.

بإطالته أمد الحرب، وصور المعاناة القاسية التي تخلفها، ورفضه عقد أية صفقة في غزة، يخوض نتنياهو رهانًا خطِرًا، ويمضي بسياسة حافة الهاوية إلى ما يمكن أن يكون منزلقًا حادًّا ومسارًا لا رجعة فيه. وهو أمر يحذّر منه كثير من المفكرين والمنظرين اليهود في دولة الاحتلال وخارجها، خصوصًا مع تصريحات ومواقف وزراء نتنياهو الموغلين بالتطرف كـ "بن غفير" و"سموتريتش"، التي تستفز الضمير المسلم بفظاظة وبشدة.

تقف الدولة العبرية ورعاتها في حيرة بشأن التعامل مع ظاهرة تنامي غضب عربي إسلامي مفاجئ على المستوى الفردي، قد يتحول إلى شعبي وجماعي

ما يحدث في غزة من صمود واحتساب غير طبيعي، بالإضافة إلى بطولات أسطورية تعرض بالصوت والصورة من المقاومة، تعيد صياغة الثقافة والمفاهيم لدى قطاع عريض من الشعوب العربية والإسلامية، وتعيد إليها وإلى مفاهيمها ألق النضال، بعد عقود من محاولات محمومة لتشكيل العقل العربي والمسلم من خلال تغيير المناهج الدراسيّة، والتوجيه الإعلامي، والإنتاج الفني والدرامي.

هذه المفاهيم التي يتلقفها العقل العربي والمسلم، مع صور القتل والمعاناة الكبيرة، التي يراها على الهواء مباشرة، تصنع مزيجًا قابلًا للانفجار والفعل المفاجئ، والذي من الصعب التنبؤ بسلوكياته أو أفعاله أو تصرّفاته.

بتقديري، سيقف السياسيون والجهات الاستخباراتيّة مطولًا عند عملية ماهر الجازي، فالرجل أردني بدوي، يعيش حياة اجتماعية واقتصادية مستقرة، وله خمسة أطفال، وليس منتميًا إلى جماعة إسلامية أو حزب سياسي، غير أن في قلبه إيمانًا فطريًّا، وحماسة لنصرة المظلومين، وثأرًا لمقدسات تُنتهك من صهاينة متطرفين يتحدثون بلغة متعالية، فكانت تلك العملية التي هزّت الشارع الأردني بكل أطيافه اعتزازًا وافتخارًا.

تقف الدولة العبرية ورعاتها في حَيرة بشأن التعامل مع ظاهرة تنامي غضب عربي إسلامي مفاجئ على المستوى الفردي، قد يتحول إلى شعبي وجماعي. وكما تحتاج دولة الاحتلال إلى السلاح في يد عناصر السلطة الفلسطينية لتمنع المقاومين والغاضبين من مواجهة الصهاينة عسكريًا، فهي لا يمكنها أن تتنبأ بإمكانية تحول ذلك السلاح في يد شرطي فلسطيني- على سبيل المثال- من مدافع عن أمنها إلى سلاح يضرب أمنها في الصميم.

حتى ردّات فعل الصهاينة على الأحداث تزيد من مشاعر الغضب والحنق عليهم.. فحين وقوع العملية، عوقب جميع السائقين والعرب والمصريين ممن تواجدوا في الجسر؛ بسبب فعل بطولي فردي.

عملية ماهر الجازي ربما تدفع بعقلاء اليهود للضغط من أجل وقف محرقة غزة، والتي تستنزف دولة الاحتلال بشريًّا وقِيَميًّا وإعلاميًّا واجتماعيًّا، فيما تشعل مشاعر الغضب والسخط في الرأي العام العربي والإسلامي، والذي يصعب التنبؤ بمآلاته وسلوكياته ومواقفه وتصرفاته

ما يحدث في غزة غيّر الكثير من المفاهيم الشعبية العربية الإسلامية، وزرع قناعات عميقة في عقول وأذهان كثيرين، منها:

الصهاينة وجيشهم من الضعف والخور بحيث يعجزون عن مواجهة المقاومة، برغم الدعم العالمي غير المحدود، وحتى العربي الرسمي في جانب منه.
المعركة بين العرب والصهاينة دينية، ولك أن تسمع تصريحات المتطرفين من وزراء نتنياهو واقتحاماتهم للأقصى لتدرك ذلك.
نجحت المقاومة بهويتها الإسلامية والقرآنية عسكريًا وسياسيًا- رغم إمكاناتها المحدودة جدًا- فيما عجزت عنه أنظمة عربية بجيوشها الجرارة وإمكاناتها الدبلوماسية والإعلامية (إذا سلمنا أنه كانت هناك مواجهات حقيقية).
إطالة محرقة غزة تزيد من مستوى الغضب العربي والإسلامي الشعبي، ما قد يفجّر عمليات فردية، هذه العمليات ستشكل نموذجًا يُقتدى به ويحتذى، وقد يكون لها وقع أحجار الدومينو، لتنتقل من دولة إلى أخرى، خصوصًا مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ولا يُستغرب أن تشكل شرارات لثورات عربية شعبية.

عملية ماهر الجازي ربما تدفع بعقلاء اليهود للضغط من أجل وقف محرقة غزة، والتي تستنزف دولة الاحتلال بشريًّا وقِيَميًّا وإعلاميًّا واجتماعيًّا، فيما تشعل مشاعر الغضب والسخط في الرأي العام العربي والإسلامي، والذي يصعب التنبؤ بمآلاته وسلوكياته ومواقفه وتصرفاته.

 الجزيرة.- ياسر سعد الدين