حَــكَــايـــا فِـــنــجـــان قَـــهــوَتـــي (19)


 
نَــظَـــرِيَّــــة التَّـــمَـــرُّد

استَيقَظتُ هذا الصَّباح وكُلّي أَمَلٌ بِقدومِ يَومٍ جَميل ، بِتَفاصيلِه وأَحداثِه ، تَحَرَّكتُ نَحوَ سَيّارَتي لِأَنطَلِق لِعَمَلي وقَبلَ أَن أَتَحَرَّك تَوَقَّفت أَمامي سَيّارَتان وأَغلَقَت إِحداهُما الشّارِع ونَزَل مِنها شاب وبدأ بكَيل الشَّتائِم للسائِق في السَّيّارَة الثّانِيَة ، وبادله السّائِق الثّاني نَفس الشَّتائِم وكادا أَن يَتَضارَبان لَولالُطف الله وتَدَخُّل بَعض المارَّة الذين فضوا النِّزاع الذي كانَ سَبَبه قِيادَة السَّيّارَة بِطَريقَة خاطِئَة مِن أَحدهما .. تَحَرَّكتُ نَحوَ عَمَلي وأَنا أَقول:
(يا صَبّاح يا عَليم يا فَتّاح يا كَريم) لِمَ كُلّ هذه العَصَبِيَّة في هذا الصَّباح المُبَكِّر !

يَبدو أَنّ مَزاج الأَشخاص معكّر اليَوم ، فَقَد لاحَظت عَصبيّة كَبيرَة في قِيادَة بَعض السّائِقين من حَولي ، ولِأَوّل مَرّة أَتَمعّن في مَلامِح السّائِقين في السَّيارات مِن حَولي لا أَدري لِماذا انتَبَهت إِلى أَنّ مُعظمهم "مكَشِّر" وعَلى رأَي صَديق لي : مكَشِّر في وجهك وكأَنّك انتَ اللّي مصحّيه مِن النّوم ! أَو متأهب لِمُشكلة قَد تأَتي بأَي وَقت ، ابتَسمت كَثيراً .. بَل ضَحِكت لِفكرَة أَنّ الشَّخص ينزعِج مِمَّن يوقظه مِن سُباتِه ، كَما الشُّعوب المُستَعبَدَة التي تَقتُل مَن يُحاوِل إِيقاظِها مِن سُباتِها .. لِماذا مُعظَم النّاس في الصَّباح بِتكون مكَشرة ؟! هَل لِأَحلامهم في اللَّيل عَلاقَة بِذلك ؟! ولكنّ هَل جَميع أَحلامهم كَوابيس !! أَم أَنّها طَبع عِندَ غالبيَّة النّاس للأَسف ؟! وَصَلتُ مَكتَبي وتأَمَّلتُ وجوه المُوَظَّفين في المَدرَسَة ، للأَمانة كانَ مُعظَمهم يَرسم ابتِسامَة جَميلة ، حَمَدتُ الله أَنّني أَعمَل في بيئَة إِيجابيَّة دَخَلتُ مَكتَبي وانتَظَرتُ فِنجانَ قَهوتي الذي جَاءَ مُسرِعاً ابتَسَمتُ لِرُؤيَته، أَهلاً صَديقي الذي يُدخِل الفَرَح إِلى قَلبي تَحَرَّكتُ نَحوَ فَيروز وكُنتُ أُحاوِل تَذَكُّر أُغنيّتها التي تَتَحَدّث فيها عَن العَصَبِيَّة .. نَعَم سَيِّدَتي فَيروز ..

ضاق خلقي يا صبي ..
من هالجوّ العصبي ..
ضاق خلقي.. ضاق خلقي ..

فِعلاً لَقَد ضاق خلقي يا جَماعَة فِعلاً الأَجواء المَشحونَة بالعَصَبِيَّة تُسبّب ضيق الخلق والعَصَبِيّة الزّائِدة ، ولكنّ لِماذا نَعيش حَياتنا بالعَصَبِيَّة والأَجواء المَشحونَة ، بالعَمَل تَجِد أَنّ مُعظَم زُملائِك عَلى أَعصابهم ولا يَتحَمّل أَي شَخص عِبارَة لِزَميله ! في الشّارِع جَميع السّائِقين مُتأَهّبِين لِخَوض مَعرَكَة بالقِيادَة ، في السّوق كذلك الباعَة والمُشتَرين "روحهم بِمناخيرهم" وحَتّى في المَنزِل تَجِد أَنّ الأَب – غالِباً – عَلى أَعصابِه والأُم كذلك والأَبناء .. أَجواء مَشحونَة بِطاقَة سَلبِيَّة كَبيرَة جِدًّا دونَ مُبَرِّر لذلك ..

رَشَفتُ الرَّشفَة الأُولى .. مِن فِنجاني القَهوَة وتأَمَّلتُ سَطحه فَتَكَوّن رَسم شَبَّهته بِرَأسِ القَلب ولكنّه كانَ غَريباً لَقَد كانَ مشرّحاً ، نَعَم جَميع أَقسامه مُجَزَّأَة ومَليئَة بالخُطوط التي جَعَلته يَبدو كالقَلب المُمَزَّق ، قَلب ومُمَزَّق ؟!
غَريب ذلك التَّمزّق الذي يَدُل عَلى المُعاناة والقَلب يَدُل عَلى الحُبّ فَما العَلاقَة؟ أَعتَقِد أَنَّ العَلاقَة هِيَ أَنَّ الأَلَم يَكون شَديدًا إِذا صَدَر مِمَّن نُحِبّ فَهُوَ هُنا يشطر القَلب ويَقتله ويَكون أَلمه الأَشَدّ قَسوَة !

والحُزن ينتج عادَة عَن الاختلاف بالآراء وطُرق التَّعبير عَن هذا الاختِلاف واللُّغَة المُستَخدَمَة في ذلك والتي تُستمَدّ مِن طباع الشَّخص فالأَشخاص
مُختَلِفون في الطِّباع بَعضُهُم حادٌ جِدًّا وآخر عَصَبي وآخر مَزاجي وآخر لَيِّن وآخَر مُتسيّب وآخرٌ لا مُبالٍ والبَعض مُستَهان ، كَمُعظَم سياسينا هذه الأَيّام ! وكُلٌّ يُعَبِّر بِطَريقته عَن غَضَبِه واختِلاف الشَّخصيّات يَخلِق الاختِلاف في طُرق التَّعبير وهُوَ الذي يَجعَل للغَضَب مَكانًا في نَفس شخص تِجاه الآخر .. وقَد يَكون الشَّخص خَليط مِن كُل هذه الأَنواع وهذا الشَّخص مِن أَصعَب الأَشخاص الذين تَتَعامَل معهم لأَنّك لا تَستَطيع أَن تَتَوَقَّع رَدَّة فعله تِجاه نَفس المُثيرات فَفي كُل مَرَّة يَستَجيب بِطَريقَة مُختَلِفَة !
وتُكمِلُ فَيروز ..

يا صبي الـ ما بتفهم من نظرة ولا بحتّى حكي ..
مانِعْني إفْعَل أو إئتي أيّا حركة ..
بتحكي وبتصير ما بتسمع ..
وإذا جاوبتك مرّة بتفقع ..
مطوّقني بحبّك ومسيّج من حولي الدنيا وعَ جَنَبي ..

لِماذا لا نَفهم عَلى بَعَض؟! كَلامأَحدنا الواضح يكون مُبهماً للآخر! هَل السَّبَب هُوَ عَدَم الإِتّفاق عَلى التَّفاصيل الخلافيّة ، رُبَّما، فَفي بِدايَة الحُبّ تَكون المَشاعِر هِيَ المُسَيطِرَة وبَعدَ مُرور الوَقت تَبدَأ هذه المَشاعِر بالذُّبول بَعدَ الدُّخول بالتَّفاصيل والتي غالِباً ما يَحدُث فيها الخِلافات لذلك يُشاع بِأَنّ الزَّواج مَقبَرَة الحُبّ! لِمَ ذلك؟! لِأَنّ الزَّواج يشترك فيه الزَّوجان بِكُلّ التَّفاصيل ، الالتِزام وحاجيات المَنزِل والأَكل والشُّرب ويَرى فيه المُحِبَّان بَعضهما في كُلّ الأَوقات باستِعداد ودون استِعداد وإِن لَم يكن قَد بني عَلى أَساس مَتين فَلابُدَّ أَنّ نار الحُبّ سَتخف تَوَهجًّا شَيئاً فَشيئاً إِلى أَن تَنطَفِئ فالزَّوج يُريد زَوجته كالتي يُشاهدها في المُسَلسَلات والأَفلام تَلبس مَلابِس سواريه وكَعب عال وحَتّى وهِيَ تُعِدّ الطَّعام في المَطبَخ والزَّوجة تُريد ذلك الزَّوج الذي لا يسكت فَمه عَن عِبارات الحُبّ والعِشق والالهام والإعجاب مَفتول العَضلات دائِم الشّياكَة بَينَما هِيَ وَبَعد الزَّواج بِفَترَة بَسيطَة تُلازِمها " الدشداشَة الصّفراء " وهو وبِنَفسِ الفَترَة يَغزو الصّلع رَأسه ويَبدَأ (كَرشه) بالتَّضخّم وبالتّالي سيَعيش كُلًّا مِنهُما أَحلامًا يَصعب تَحقيقها في ذلك الواقِع لأنّه لَيس (برادبيت) وهِيَ لَيست (انجيلينا جولي) ومِن هُنا إِن جاوبته (بيفقع) حَسب فَيروز وهي بيضيق خلقها من جَوّه العَصَبي..

رَشَفتُ رَشفَةً أُخرى مِنَ الفِنجان .. لِتَذوب أَقسام القَلب المُجَزَّأ وتشكّل خُطوطًا حاولتُ تَفسيرها لِأَرى أَنّ أَقرَب شَيء لَها هُوَ الطّيور المُحَلِّقَة في السَّماء لم أَدرِ لِمَ اعتَقَدتُ بِأَنّ هُناك أَكثَر مِن رِسالَة بِهذا الرَّسم رُبَّما كانَت الأُولى بِأَنّك لَست شَجَرَة لِتَبقى في مَكانِك إِذا ما تَعرّضت لِما يكسر قَلبك غادِر وطِر وَحَلِّق بَعيدًا عَن كُلّ شيء يُؤذيك فَسَلامَة القَلب تُؤدّي للسَعادَة وكَسر القَلب يَنزع الجَمال مِن أَي شيء ويسرِق العُمر ويُميت الشَّغَف ، وأَحيانًا تِكرار نَفس المَوضوع الخِلافي لِمرّات كَثيرَة يُثير كِلا الطَّرَفين فَمَثَلًا إِن طَلَب الأَب مِن أَبنائِه مَوضوعًا مُعَيّنًا كالتّوَقُّف عَن إِهدار الوَقت عَلى شاشاتِ التّلفون الخَلَوي ولكنّ الأَبناء لَم يَستَجيبوا لِكَلامه وكَرّر ذلك ولكن أيضًا لَم يَستَجيبوا وكَرَّر وكَرَّر وكَرَّر وكانَت عَدَم الاستِجابَة هِيَ الإِجابَة ! فَهُنا يَبدَأ (الجَوّ العَصَبي) يَسود المَوقِف حَسَب تَعبير فَيروز ولكن لَو كُنت مَكان الأَب لَغَيَّرت طَريقَة التَّعامُل مَع هذا المَوضوع فإِصدار الأَوامِر لَم يعطِ نَتيجَة لِذا غَيّر طَريقَة الحَل فاستِخدام نَفس الطَّريقَة المُجَرَّبة والتي لَم تُعطِ ناتجًا إِيجابِيًّا لَن يُعطِ ناتِجًا مُختَلِفًا إِن كَرَّرناها مَرّات أُخرى مَثَلًا : عمل سَحب تَدريجي للخَلَوِيّات نَبدَأ بِزَمَن يَتَناقَص تَدريجيًّا إِلى أَن نَصِل للتَوقّف التّام ، أَو أَن أَتوقّف عَن شَحن بِطاقات الانتَرنِت أَو أَن أَربِط استخدام الانتَرنِت بأُمور أُخرى كَعَدَد ساعات الدِّراسَة أَو الاستِجابَة لتَعليمات الأُم أَو بالعَلامات .. وهكذا .. إِذًا الحَل لَيسَ (الجَوّ العَصَبي) وإِنَّما تغيير وتَبديل طُرق عَرض المَسائِل أَو طَرحِها ..
فَحَلّ المَشاكِل يَكون بِتَغيير الطُّرُق ورَبط المُكافَأَة بِشروط إِن تَمّت تَتِم المُكافَأَة والأَهَمّ مِن ذلك الجديّة بالتَّعامُل مَع هذه التَّعليمات ..

رَشَفتُ رَشفَةً مِنَ فِنجان القَهوة .. وإِذ بِفَيروز تُغَيّر مَزاجها وتَشدو ..


يا طير يا طاير على طراف الدني ..

لو فيك تحكي للحبايب شو بِنِي ..

يا طير يا طير ..

لِماذا تَغَيّرت الأُغنية لِوحدها ؟! هَل شَعرت سَيِّدَتي فَيروز بِكَلامي وفِنجان قَهوَتي لتبدّل كَلِماتها ولَحنِها وتَجعلني أَطير مَعها إِلى أَطرافِ الدّني هذا الطّير الحُر الذي يَطير مُرتَفِعًا مُتَعالِيًا عَن مَشاكِل النّاس البَسيطَة لٍيَراها صَغيرَة مِن فَوق فَكُلَّما ارتَفَعَتَ بِتَفكيرِك صغرت أَمام عينك وعقلك المَشاكل ، فَهِيَ دَعوَة لَنا لِنَتَحَرَّر مِن قيودنا الهّشّة ونرتفِع كالطّير لِنَراها صَغيرَة ونَرى القيود مُجَرَّد خيوط وَهمِيَّة كالحُدود التي تفصل بلدانَنَا عَن بَعضها البَعض فَهِيَ غَير مَوجودَة في عالَم الطّيور لأَنّه يملك كُلّ العالَم. وكذلك صاحِب العَقل الكَبير وصاحِب الرُّؤى الثّابِتَة تصغُر بعينه المَشاكِل ويَعيش بَعيدًّا عَن (الجَوّ العَصَبي) فَما الذي يَستَدعي عَصبيّته؟ لا شيء؟ لِأنّ لِكُل مُشكِلَة حَل ولِكُل أَزمَة فَرَج ، فأَنتَ بِحاجَة أَحيانًا لِأَن تَتَحَرَّر مِن نَفسك وأَفكارك وحتّى جسدك وتَبتَعِد لِتَنظُر إِليها مِن خارِج إِطارك الوَهمي وعِندَها فَقَط سَتَجِد حَلًّا لِكُل مَشاكلك وتَستَطيع استِصغار ما كُنتَ تراه صَعبًا ! ولكنّ : هَل يَستَطيع الإِنسان نَزع ثَوبه والخُروج مِنه والتَّحليق بَعيداً حَيثُ لا تَرى إِلّا الغُيوم والنّجوم ، تلقي تَحيّة الصَّباح عَلى الشَّمس وتَتَلقّى تَحيّة المَساء مِن القَمَر..
لا أَحَد يَصِل لَك ولا أَحَد يُعَكِّر مَزاجَك !
عِندها فَقَط سَتَختَرِق حَتّى الزَّمان وستَتَقَدَّم أَو تَرجع بالزَّمان لِتَرى الغُيّاب الذين طالَ الاشتِياق لَهُم وستَستَطيع استِقراء المُستَقبَل لِتَرى ما لا يَراه غَيرك مِن أَحداث تَنتَظِرها ، تَفرَح إِن تَحَقّق ما تُحِبّ ، وتَتَجاوَز عَن الأَحلام التي لا تَتَحَقَّق وتَغيير خُطَطك لِتَحقيقها لاحِقًا ..

رَشَفتُ رَشَفَةً أُخرى مِنَ الفِنجان الذي لَم أَستَطِع أَن أَقرَأ ملامحه جَيّدًا وتُدَندِنُ فَيروز ..

وحياة ريشاتك وإيامي سَوَا ..
و حياة زهر الشوك و هبوب الهوا ..
كنّك لعندن رايح وجنّ الهوا ..
خدني ولنّو شي دقيقة وردّني ..
يا طير ..


مَن هُوَ الطَّير الذي سيحملك عَبرَ المَكان والزَّمان .. لا بُدَّ أَنّه عَقلك فهوَ فَقَط مَن يَستَطيع تَجاوُز كُلّ العَقَبات مِن مَكان وزَمان سيحملك نَحوَ الأَحِبَّة ونَحوَ الأَحداث الجَميلَة سيحمِلُكَ ويَطيرُ بِك وَسَط مَجموعَة مِن الأَحلام لا وبَل سَيُحَقِّقها لَك لِأَنّ عقلك هُوَ فَقَط مَن يملك القُدرَة عَلى ذلك فَمَع غِياب الأَنبِياء لَم تَعُد هُناك مُعجِزات تَتَحَقَّق ، عَقلك فَقَط مَن سَيحملك فَوقَ حَسَد الحاسِدين ومَكرِ الماكرين وكُره الكارهين فَلَن تَعزو فَشلك أَو مَرَضك أَو حادِث سيرك الذي قُمتَ بِه لِعَينِ أَحَد الحُسّاد ، ولَن تَجعلك نَظرَة هذا الكارِه تَتَوَقَّف عَن مَسيرتك وإِنّما سَتُواصِل رِحلَة نَجاحك، فَقَط إِن آمَنت بِنَفسِك وقُدراتك وعَقلِك ولكنّ أَيّ عَقل يَستَطيع القِيام بِذلك؟! أَعتَقِد هُوَ العَقل المُتَحَرِّر الذي لا قَيدَ يَحدُّ تَفكيره أَو يوَقِّف خَياله العَقل المنتج والذي يَتطوّر كُلّ يَوم ويُعيد تَرتيب أَبجديّاته كُلّما اقتَضى المَوقِف ذلك ، وأَطر العَقل نَوعان فَهُناك أَشخاص هُم يَقومون بِتأطير عقولهم وَوَضع حدود لها ولطاقاتِهم فَتراه عِندَ عَرض مَوضوع مُعَيَّن عَليه يُجيب دونَ أَن يُفَكِّر : لا أَستطيع، أَو سَأَفشَل أَو وماذا سَأَستَفيد مِن ذلك ؟!

وهُناك قيود وأطر تقيدّك فيها الأُسرَة أَو المُجتَمَع أَو العَمَل أَو قانون الدُّوَل فَتَضع سِجنًا أَمام خيالك وأَغلالاً في أَفكارك فَكَيفَ نَتَحَرَّر مِن كُلّ هذه القُيود؟! القُيود الاختياريّة والقُيود الإِجباريّة ؟!

نَتَحَرَّر بإِرادَة التَّغيير وإِرادَة الحُرِيَّة ورَفض أَن تَعيش نُسخَة كَما غَيرك ، فكَون غَيرك يَقوم بِعَمَل ما لا يَعني أَنّ عَليكَ أَن تَقوم بِنَفسِ العَمَل ، فأَنتَ شَخص مُختَلِف تَمامًا عَن ذلك الشَّخص تَمرَّد عَلى واقعك وارفُض ما لا تَرغَب ، والتَّمَرُّد هُنا هُوَ التَّمَرُّد للتَطَوُّر ولِرَفض الاعتياد والقَفز فوقَ المُتَوَقِّع ، تَمَرَّد عَلى قُدرتك المَحدودَة وطَوِّرها لتُصبِح بِلا حُدود ، تَمَرَّد عَلى قيودك الوَهمِيَّة بِكَسرِها واستِبدالِها بِأَجنِحَة تَجعلك تُحَلِّق فَوقَ كُل مَشاكِلك، تَمَرَّد عَلى دَخلِك المَحدود بإِيجاد مَصادِر دَخل أَكثَر وأَكبَر ، تَمَرَّد على شهادتك الصَّغيرة واحصُد الشّهادات الأَعلى، تَمَرَّد عَلى كُل ما هُوَ سَلبي واستَبدِله بالإِيجابي ..
وتُدَندِنُ فَيروز ..

وحياة ريشاتك وإيامي سَوَا ..
و حياة زهر الشوك و هبوب الهوا ..
ان كنّك لعندن رايح وجنّ الهوا ..
خدني ولنّو شي دقيقة وردّني ..

عِندَما تَتَمَرَّد على واقعك الذي تَرفضه سَتُحَلِّق كالطَّير بَعيدًا عَن السّجن الافتِراضي وعندها سَتُناديك شَخصيّتك القَديمَة التي قاومتَ التَّغيّر والطّيران لتحَفظك بِريشاتك وأَغلى ما بينكما مِن ذِكريات وأَيّام .. وبَعدَ أَن تُسلّم بأَنّك ذاهِب للأَفضل ستلحق بِك وتَتَكامَلا جَسَدًا وعَقلًا فالحَبيب اليائِس مِن لِقاء مَحبوبته يَستَنجِد بالطّير الذي يَمرّ فَوق بِلاد حَبيبته قائِلاً له أَرجوك خُذني ولو لِدَقيقَة واحِدَة أَطمَئِنّ بِها عَلى مَن أُحِبّ ثُمّ أَعود.. ولكنّ هذا الحَبيب لو تمرّد عَلى واقعه وسافَر بأَفكاره ودِماغه وإِيمانه بالنَّجاح لَما احتاج لِلطَير في رِحلَته ولسافر نَحوَ بِلاد الأَحِبَّة دونَ عَودَة إِذاً دعوة لَك لِتَرفض كُلّ مالا تطيق وتَستبدله بِما تُحِبّ لتهجر الأَرض التي لا تقدّرك والنّاس الذين لا يُحبّونك والمِهنَة التي لا تشبع طُموحك والجيران الذين يختلفون عَنك والموسيقى التي لا تطرب لَها والبرامِج التي لا تُحِبّ اهجرهم جَميعاً واستبدلهم بِكُلّ ما تُحِبّ ..

وتَذَكَّر أنّ كُلّما حَلّقت بِتَفكيرك سَتصغر مَشاكلك وستَجِد نَفسك أَكبَر مِن أَعدائِك وأَقوى مِن قيودك..
ونَظَرتُ نَحوَ فِنجان قَهوتي وقُلتُ لَه ..

سأَتَمَرّد عَلى كُلّ شَيء إِلّا أَنتَ يا عَزيزي فأَنا مُقَيَّد بِحُبِّك سَجين يَرفُض التَّحَرُّر ..

بِقَلَم:
د.محمد يوسف أبو عمارة