نقابة المعلمين قلبت الموازين ودعمت "جبهة العمل الإسلامي"



كتب أ‌.د حسين الخزاعي * 


حصول جبهة العمل الإسلامي على هذا العدد من أصوات المقترعين متوقعا ولم يكن مفاجئا فالحزب له نشاطه وبرامجه وامتداداه وتحركاته ومشاركاته في الفعاليات الاجتماعية والسياسية والوطنية في كافة مناطق المملكة حتى البعيدة والنائية، ولا يتخلف عن التواجد في الساحات والمهرجانات والفعاليات الشعبية والندوات العلمية والثقافية حتى لو لم يكن منظما لهذه الفعاليات فهو حزب منظم تنظيما جيدا وخطواته مدروسة بعناية فائقة.

من لم يتوقع هذا الفوز فهو من (المنظرين المتفلسفين والهواة) في عالم السياسة فيما يجري من حراك داخل المجتمع الأردني، ويبدو انه يعيش في كوكب المريخ او من طبقة النخبة الغائبة عن المجتمع والمفروضه عليه ، فالنتائج التي حققها حزب جبهة العمل الإسلامي وحصولها على الترتيب الأول في عدد الأصوات الانتخابية (464350) الف صوتا بنسبة (28,3%) من اجمالي عدد اصوات المقترعين البالغة (1.638.353) صوتا فهذه المشاركة تشكل نسبة (9%) من اجمالي النسبة العاملة للمقترعين البالغة (32%) ، فلولا مشاركة جبهة العمل الإسلامي لكانت النسبة العامة للاقتراع (23%) فقط، وفي متابعة لا تحتاج الى المزيد من البحث والجهد والتمحيص ادرج (بعض) الأسباب التي أدت الى حصول الحزب على هذه النتائج المرتفعة وجلها مسلمات ومعطيات وحقائق واقعية لا يتجاهلها ولم يرصدها الا جاهل في دراسة انثروبولوجية المجتمع الأردني، وتتمثل هذه الأسباب فيما يلي:

اولاً: حزب جبهة العمل الإسلامي اعلن مشاركته في الانتخابات ولم يقاطع او يبدي رغبة في المقاطعة كما كان يجري من مقاطعات في انتخابات نيابية سابقة ، فالحزب يعرف جيدا ان الميدان الذي يبرع فيه وله قواعده وجمهوره هو المشاركة الحزبية والتنافس الحزبي، وهذه الانتخابات تجرى وفقاً لقانون الانتخاب الجديد رقم 4 لسنة 2022، الذي خصص 41 مقعدا للتنافس الحزبي، والحزب يعرف جيدا أن معظم الأحزاب السياسية حديثة التأسيس وضعيفة من حيث انتشارها وقواعدها الانتخابية واعضائها، وخاصة أن عدد الأحزاب السياسية التي شاركت في الانتخابات (36) حزبا من اصل (38) حزبا سياسيا، وكثرة مشاركة هذه الأحزاب عمل على تشتيت الأصوات بينها والنتائج جلها كانت تصب في صناديق حزب جهة العمل الإسلامي المنظم والمستعد لهذه المشاركة ، وهذا ما جرى على ارض الواقع.

ثانياً: جماعة الإخوان المسلمين في الأردن نشأت في سنة استقلال المملكة عام 1946، وعمرها التنظيمي 78 سنة، والجماعة تفهم معادلة الدولة الأردنية، كما أن الدولة الأردنية تفهم معادلة وجود الإخوان، وأنهم أحد عناصر الاستقرار في المجتمع الأردني.

ثالثاً: عندما اعلن حزب جبهة العمل الإسلامي بتاريخ 29/07/2024 في مؤتمر صحفي قوائم مرشحي الحزب للانتخابات النيابة 2024 ، اختار الحزب شعار " بالإسلام .. نحمي الوطن ونبني الأمة" ، كان هذا الشعار غزيرا في معانيه وقويا في منطلقاته الموجهة لحماية الوطن ، فالمواطن الأردني يتابع التهديدات التي يتعرض لها الأردن يوميا من قبل دولة الاحتلال ومسح خريطة الأردن من على خرائط دولة الاحتلال ، ماذا تتوقع من الأردنيين غير التخندق والوقوف الى جانب من يحمي الأردن ويدافع عن وجودة واستقلاله وحدوده ، وهذا رسالة كانت مهمه بانهم مع المجتمع ومشاركين معه في كل قضاياه وتطلعاته ورسالتهم حماية الوطن وسعيهم لخدمة الوطن وليس لمحاربة المجتمع واستغلاله ونهب وثرواته .

رابعاً : في لقاء صحفي مع المهندس مراد العضايلة بتاريخ 3/6/2024 مع الجزيرة نت أكد المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين ، أن جماعة الإخوان المسلمين لا تسعى للمغالبة ولا الاستحواذ في الانتخابات البرلمانية القادمة، التي ستجري في العاشر من سبتمبر/أيلول المقبل. وهذه رساله كانت مهمه للأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات النيابية باننا لسنا الأفضل او الأكثر عددا او المغرورين بتواجدنا ومشاركتنا في كافة النشاطات والمناسبات الوطنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، غيورين على مصلحة الوطن ورسالته العروبية والوطنية . والتركيز على أن دور الجماعة في الفترة القادمة على المسار الدعوي، والمسار المجتمعي في بناء المجتمع وإصلاحه، وإعطاء المساحة الأوسع للحزب (جبهة العمل الإسلامي) في القرار السياسي بحيث تنشغل الجماعة في الإصلاح الاجتماعي، وإصلاح المجتمع لتكون هذه أولوية ووظيفة أساسية لها. وإن مشاركة الحركة الإسلامية في مشروع التحديث السياسي وفقاً للمهندس العضايلة هدفها الحفاظ على مصالح الدولة الأردنية لضمان استقرار الأردن وتقدمه ونهضته، وان الانتخابات القادمة فرصة حقيقية لتمتين الجبهة الداخلية على المستوى السياسي والاقتصادي بشكل حقيقي وفاعل، ليكون ظهيرا للدولة في مواجهة المخاطر الجمة التي تواجه الأردن، لا سيما المشروع الإسرائيلي.

خامساً: القوة التصويتية للإخوان المسلمين حاضرة ومدروسة لا يسبقها حزب سياسي او يتفوق عليها، في كل دورة من دورات المجلس التي كان الحزب يشارك في الانتخابات النيابية وكان حضوره مميزا وفاعلا ، فمن خلال مشاركة الحزب في انتخابات المجلس الثامن عشر عام 2016 والتاسع عشر عام (2000) تبين ان القاعدة التصويتية للحزب لا تقل عن (250 ) الف مقترع منتظم ملتزم، وهؤلاء وبسبب تنظيمهم الحزبي والديني وقناعتهم الذاتية قاموا بالتصويت في الانتخابات للمجلس العشرين، واية أصوات إضافية جديدة تأتيهم فهي خير وبركه حسب تعبيرهم، فنجد دخول ازيد من (200) الف مؤازر ومؤيد لبرامج جبهة العمل الإسلامي .

سادساً : مؤشرات تواجد الاخوان المسلمين في الجامعات الأردنية لمرشحي الطلبة المحسوبين على الاخوان طفى على السطح وخرج للعيان ، فعندما أعلنت بتاريخ (21/05/2024 ) نتائج انتخابات اتحاد طلبة الجامعة الأردنية للعام 2024 حيث تصدرت كتلة "أهل الهمة" المحسوبة على التيار الإسلامي، نتائج انتخابات الجامعة الأردنية، وفازت بنحو نصف عدد المقاعد على القائمة المركزية وعلى مستوى الكليات. وشهدت الانتخابات -التي توقفت سنوات إثر جائحة كورونا (كوفيد-19)- أعلى نسبة مشاركة في تاريخ الجامعة وحصدت "أهل الهمّة" 9 مقاعد على مستوى قائمة الجامعة المركزية تلتها قائمة "النشامى" بـ6 مقاعد وقائمة "الكرامة" بـ3 مقاعد. وكانت النسبة العامة للاقتراع بلغت (52.52 %%).

سابعاً: التخطيط المتقن والمدروس بعناية من قبل جبهة العمل الإسلامي للمشاركة في هذه الانتخابات تجلى عند اشراك الحزب بقائمته الانتخابية بـ (23) معلما في الانتخابات على مستوى القائمة العامة او القائمة المحلية وهذه خطوة تنظيمية تكتيكية مدروسة بعناية حيث كان لهؤلاء المعلمين دورا كبير في رفع عدد المقترعين المحسوبين على نقابة المعلمين، وخاصة ان النقابة لها موقف مسبق مع الحكومات السابقة ولم يقف معهم او يساندهم او يدافع عنهم إلا الاخوان المسلمين في كافة مراحل قضية النقابة مع الحكومة ، وعندما نستعرض أسماء المعلمين الـ (23) نجدهم جلهم يتمتعون بقواعد شعبية وحضور اجتماعي ونقابي ومهني ومطلبي في مختلف المحافظات والألوية، وهذه ساهمت برفع عدد المقترعين المحسوبين على الاخوان المسلمين كون حضورهم لا يقل عن (100) الف ناخب وناخبة، ولعل فوزر النقابي المخضرم ناصر النواصرة نائب نقيب المعلمين الذي كان يقود حراك المعلمين ولم يستسلم، هذه رسالة واضحة وضوح الشمس نلمس دورها في دعم حراك الانتخابات النيابية ، كما أن اشراك (5) نقباء اخرين في قائمة الحزب لهم حضور شعبي ونقابي واجتماعي، بالإضافة الى مؤازري الحزب الصامتين والذي يدعمون قلبا وقالباً مرشحي حزب جبهة العمل الإسلامي وهم المحسوبين على( حماس والتنظيمات الأخرى ولا ننسى ان القاعدة الشعبية الكبيرة لهم بين الفلسطينيين داخل الضفة الغربية فقد فازت حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الثاني في عام 2006 في فلسطين وهؤلاء لهم امتداد وتعاطف خارج فلسطين والآن يتعمق الشعور والدعم للإخوان المسلمين داخل الأردن كونهم يساندون المقاومة الفلسطينية في غزة )، فالنتيجة حصول مرشحي جبهة العمل الإسلامي على هذا العدد من المقترعين واقعية جدا .

ثامناً: الاخوان المسلمين يتميزون في درجة كبيرة من الخبرة والدهاء والذكاء والحنكة والتكتيك ويقنون فنون لعبة توزيع الأدوار ودراسة الوضع قبل الإقدام على اتخاذ أي قرار، فلاحظنا انهم اخر حزب اعلن عن قوائم المرشحين وحافظ على سرية المرشحين وعدم الإعلان عنهم، وفاجأ المجتمع والمتابعين بهذا العدد من المرشحين ونوعيتهم ومكانتهم الاجتماعية وخبرتهم الحزبية ، فالمشاركة في الاقتراع تم من ناحية القائمة العامة والقوائم الفرعية، فحرصت جبهة العمل الإسلامي على المشاركة في الانتخابات النيابية من خلال قائمتين ( قائمة حزبية ) طرح تضم (38) مرشحا ومرشحة ، وقوائم محلية (11) قائمة تضم ( 64) مرشحا ومرشحة واجمالي المرشحين على هذه القوائم (102) مرشحا ومرشحة. فهذا عمل على حصد المزيد من المقاعد النيابية كون (الصوتين ) ملكا لناخب واحد منظم يتحكم في صوته كيفما يشاء حسب توجهات الحزب وتحالفاته، وهذا مكنهم من الحصول على أصوات كبيرة في الانتخابات وهذا ما جرى على ارض الواقع .

وبعد ،،، هذا تحليل محايد لواقع ( بعض ) أسباب حصد جبهة العمل الإسلامي لهذه النتيجة المتقدمة في عدد الأصوات والمقاعد النيابية، ويمكن ان ترتفع اعداد المقاعد المحسوبة على جبهة العمل الإسلامي لتتجاوز الـ (32) مقعدا مع قادم الأيام عندما تتضح الرؤية بشكل جيد من مختلف الزوايا ، فلم يزل في الجعبة أسباب أخرى نتركها لتحليل اخر لنتوقف عندها ونستفيد منها الدروس والعبر ونعرضها بشفافية وحيادية وموضوعية .

اخر الكلام،،، وسام مرضع بالفخر نعلقه على صدر رئيس مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب المهندس موسى المعايطة ، الدينامو المعتز والمحب والعاشق لوطنه وعمله ، الذي لم يدخر جهدا وعملا لإنجاح العمل، واوسمه أخرى نقدمها لكل فرد من افراد اسرة الهيئة المستقلة الانتخاب على جهودهم التي تابعناها ولاحظناها ولمسنا نجاحها وتميزها ، ولكل من ساهم وعمل وقدم أي خدمة لإنجاح هذه المناسبة الوطنية، التي افرزت نوابا لمجلس النواب ( مجلس الوطن )، بطاقة عشق وتقدير لأجهزتنا الأمنية المتناسقة والمتواجدة دوما في قلب الحدث لتامين وتوفير وتسهيل الخدمة التي تقدم للمواطنين ، بوركت جهودكم يا نشامى ( الامن العام والدرك والدفاع المدني والمخابرات ) لكم في عيوننا وقلوبنا عشق كبير . وللحديث اكثر من بقية.


ohok1960@yahoo.com

أستاذ متخصص في علم الاجتماع