نريد حكومة سياسية استثنائية.. وإعادة النظر بالنهج النيوليبرالي
أسدل الستار على الاستحقاق الدستوري الوطني، هذا الاستحقاق الذي جرى في ظل حالة من التشكيك، والفرضيات غير الدقيقية، والأحكام المسبقة، والتوقعات الانطباعية، والتحليلات التي استحضرت في مفرداتها إمكانية أن تكون هذه الانتخابات امتدادا لما سبقها، سواء بقدرة المال الملوث على العبث فيها، و/ أو من خلال تدخلات رسمية لهندسة النتائج.
جاءت الانتخابات في توقيت صعب، وفي ظل ظروف اقتصادية واجتماعية ضاغطة، وظروف سياسية اقليمية ودولية تشهد تحولات متسارعة، وتحديات وجودية.
أديرت الانتخابات بكفاءة مؤسسية عالية، وقوبلت بارتياح من الجميع أثناء وبعد إعلان النتائج الأولوية، وهو مكسب معنوي كبير، سيسهم في إعادة بناء الثقة بالمؤسسات الدستورية، التي طالها الكثير من العبث، ما أسهم في زيادة الفجوة بين المواطن ومؤسساته.
جاءت نتائج الانتخابات مغايرة للتوقعات؛ ومفاجئة للأحزاب السياسية الست والثلاثين التي شاركت فيها من خلال (25) قائمة عامة، وبعض القوائم المحلية، حيث تمكن (12) حزب من الحصول على مقاعد الدائرة العامة ( 41) مقعدا، ومقاعد على بعض الدوائر الانتخابية، وهي أحزاب: العمل الإسلامي، الميثاق، إرادة، تقدم، العمال، عزم، الوطني الإسلامي، الاتحاد الوطني، الأرض المباركة، نماء، المدني الديمقراطي، الشباب)، وكانت الحصيلة الكلية لهذه الأحزاب حوالي (104) مقاعد.
•حققت جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب "جبهة العمل الإسلامي"، حصيلة كبيرة وغير متوقعة ، - ربما حتى لقياداتها - بحصولها على ( 31) مقعدا، وهو ما سيرتب على الكتلة الحزبية الأكبر في البرلمان، مسؤوليات مضاعفة، من حيث القدرة على ترجمة الشعارات والرؤى التي قرأناها وسمعناها إلى ممارسة سياسية واقعية.
•فشلت الأحزاب اليسارية والقومية واحزاب يسار الوسط، في تحقيق أي نتيجة في الانتخابات، وربما كان من الأسباب المباشرة لذلك اخفاقها في تشكيل قوائم موحدة، إضافة إلى حجم التغيرات البنوية الفكرية والاجتماعية التي طرأت على المجتمع الأردني، وخطابها النخبوي، وتبني بعضها مفاهيم فكرية وسياسية جدلية وملتبسة،
والبطئ في قراءة التغيرات والتطورات التي اجتاحت المنطقة والعالم، وضعف القدرة على التكيف، بعد أن أخفقت في التحول من النطاق النخبوي إلى الشعبي، وعليها إن أرادت البقاء في المشهد السياسي، - وهو بقاء ضروري - أن تقوم بمراجعات جرئية وعميقة لتجربتها ووممارساتها.
•بالمجمل فإن عدد الأحزاب التي أخفقت في هذه الانتخابات كبيرا (24) حزبا، وهو ما سينعكس على خريطة الأحزاب، والتي يتوقع اختفاء بعضها، وظهور مشاريع حزبية جديدة، تأخذ بالاعتبارات جملة الأخطاء التي مورست، ابتداء من عملية بناء ونشأة هذه الأحزاب التي تشكلت على عجل، وبعقلية "الفزعة"؛ فعلى صعيد البناء كان ملاحظاً ظل المؤسسات الرسمية، وهو أمر لم يخدم هذه الأحزاب، وخاصة على صعيد السمعة الشعبية، إضافة إلى هشاشة البناء الداخلي، والفردية، وضعف المؤسسية، ونقص الخبرة الكبير، وضيق الوقت.
أما بعد
•على كل القوى السياسية والاجتماعية أن تتعامل مع الوقائع الجديدة، وأن تستفيد من هذه المحطة المهمة، وأن تبني عليها، فالنجاح الحقيقي هو في مدى قدرة هذه القوى على التعامل مع الملفات الاقتصادية والسياسية ببعديها الداخلي والخارجي. والمجلس العشرين سيحظى باهتمام ومراقبة الرأي العام، لمتابعة أداء النواب، وهو خطوة مهمة على طريق الانتقال من العمل الفردي إلى العمل من خلال كتل سياسية واضحة المعالم.
• وعلى مؤسسات الدولة أن تحمي هذا المشروع التحديثي الذي سيشكل مستقبل الدولة الأردنية، وأن تصب السياسات والممارسات الرسمية لصالح تعزيز الثقة بالمؤسسات الدستورية.
•إن إعادة النظر بالنهج النيوليبرالي السائد أصبح أكثر الحاحا، هذا النهج الذ أضعف القطاعات الاقتصادية الأساسية، ووضعها في جيوب أفراد، وكان له انعكاس كارثي على الطبقة الوسطى التي اختفت، وهي الطبقة التي تشكل صمام الأمان للدولة والمجتمع، وشيوع الفساد بكافة أشكاله، في مرحلة كثرت فيها التحديات السياسية والأمنية، وعلى رأسها المشروع اليميني الصهيوني الزاحف إلينا، وتزايد الضغوط الأمريكية على الأردن، واحتمالات عودة ترامب، وهو ما سيضعنا في مواجهة حتمية مع هذا المشروع.
•وهذا يتطلب حكومة سياسية استثنائية حقيقية، قادرة على مواجهة التحديات، وحماية الوطن، واستكمال وتعميق مشروع التحديث الشامل، وبناء جبهة داخلية متماسكة، واجراء مصالحة وطنية شاملة، واختيار نخب سياسية على درجة عالية من الكفاءة والنزاهة، قادرة على التعامل مع التحديات النوعية الجديدة، وتجديد وتوسيع قاعدة هذه النخب، لتخرج من أسر الاعتبارات التقليدية، لصالح اعتبارات الكفاءة والنزاهة.
نعم فزنا جميعا، وخسر المشككون ...