الإنتخابات النيابية و التيار الإسلامي و حماس
اثنان و ثلاثون مقعدا حصدتها الحركة الإسلامية في الإنتخابات النيابية للمجلس رقم عشرين و هذا رقم خارج كل توقعات المحبون و الكارهون و اللامبالون ، لكن الرقم يشكل علامة فارقة في المشهد الإنتخابي و سيشكل علامة فارقة في المشهد السياسي و سيتعرض الإخوان المسلمون لهجوم شديد من جهات و تيارات كثيرة على نجاحهم هذا ، فكثيرون لا يحبون التيار الإسلامي ان يقترب من الحكم او المشاركة فيه و لو بالطريقة الديمقراطية التي يروج لها بعض تيارات الليبراليين أو غيرهم من تيارات متهمة بالفساد.
المعارضة الأردنية بتياراتها المختلفة لن توفر الحركة الإسلامية و سيقومون بالهجوم عليها متهمين اياها بأنها تعمل لصالح المخابرات الأمريكية و اذا لم تنجح شعارات العمل للأمريكيين فيمكن الإنتقال الى التهمة انهم صنيعة للإنجليز و هناك تهم معلبة أخرى كثيرة يمكن توجيهها للتيار الإسلامي لإثارة ذعر الدولة من النتائج التي ترتبت على عملية الإنتخاب ، و المعارضة الأردنية بأحزابها المدعومة و غير المدعومة و حراكاتها و تياراتها و زعاماتها لم تتمكن من أن تنتج حالة كالتي انتجتها الحركة الإسلامية ، و بالطبع لا يريد كثيرون أن يعترفوا بالسبب او الأسباب التي تقف وراء هذا النجاح.
أسباب نجاح الحركة الإسلامية ، اولا أن فطرة الناس و طبيعتهم في الأردن انهم ميالون بنسبة كبيرة جدا نحو الخطاب الديني و نحو الناس الذين يرفعون شعارات اسلامية ، و الأمر الثاني أن قد استقر في الوعي الجمعي الشعبي و الوجدان الوطني و بعيدا عن كل المزايدات أن الإخوان المسلمين هي الحركة التي أنتجت الواقع الجديد في القضية الفلسطينية في غزة و الضفة و هي :
•التي انتجت حركة حماس التي تقاتل العدو الصهيوني منذ سنة بينما لم تتمكن الجيوش العربية من الصمود قبل الفرار من ساحات القتال الا أيام معدودات، و أن حركة الإخوان المسلمين هي التي انتجت حركة الجهاد الإسلامي التي تقاتل بجانب حماس ايضا منذ سنة دون كلل و لا ملل.
•وأن أحمد ياسين و علي الأغا و فتحي الشقاقي و الرنتيسي و اسماعيل هنية و أبو مرزوق و خالد مشعل و محمد نزال و يحي السنوار و كل الأسماء التي بات يعرفها الناس و تقف على رأس قيادة المقاومة الإسلامية المسلحة الفلسطينية و مئات الأسماء التي لا تريد هي و لا تريد الحركة ان تكشف عنها هي أسماء تخرجت من المدرسة الإخوانية و أن حماس و الجهاد و حركات أخرى تنتظر دورها هي حركات خرجت من البيت الإخواني و في الغالب الأعم ما تزال بصورة أو بأخرى دون الدخول في التفاصيل تعمل بالتنسيق و التشاور مع الحركة الأم
•الحركة الإسلامية اثبتت مصداقية قوية و ثابتة في قدرتها و رغبتها في مساعدة الناس ، الفقراء و بناء المدارس و المساجد و دور تحفيظ القرآن الكريم و نشاطات اخرى كثيرة ، كما أن الإخوان بقوا محافظين على وعودهم الإنتخابية عبر نوابهم في قول كلمة الحق و عدم التوقيع على اي قانون او معاهدة تخالف المصالح الوطنية و المباديء الشرعية ، و لم يوقعوا على معاهدة وادي عربة مثلا ، كما أن نوابهم كانوا الأكفأ في العمل و الأجرأ في قول الحق.
كل هذه الأسباب و غيرها جعلت المفاضلة في الإنتخابات أمام الناخب الأردني تقود الى خيار دعم الإسلاميين ، و يمكن أن نشهد ايضا أن العملية الإنتخابية هذه المرة كانت الأقرب الى اسمها و حظيت بالكثير من الشفافية و النية في اخراج أو استخلاص الإرادة الشعبية و توجهاتها ، و لو كانت معايير الإستعداد و النية أعلى عند الحركة الإسلامية لربما تمكنوا من حصد نصف مقاعد المجلس بكل سهولة.
إذن لا بد ان تؤخذ نتائج الإنتخابات من قبل الدولة بعين الإعتبار و أن تتم قرائتها بعين فاحصة ناقدة بعيدا عن حسابات المناكفة السياسية و عن وساوس الشيطان العربي الرجيم الذي سيحرض النظام السياسي الأردني على الحركة و يخوفه من نتائج الإنتخابات ، و لكننا نعتقد أن الدولة و العقل الجمعي المفكر داخل الوطن أوعى و أحرص من أن يترك الأردن يقع فريسة للمزايدات السياسية الحادة في الإقليم.
و اذا ما أضفنا الى النجاح الكبير الذي حققه الإخوان المسلمون فان ما قام به ماهر الجازي في الداخل الفلسطيني و تفاعل الشارع الأردني الكبير و فيض الأردنيين الذين قطعوا مسافات بعيدة ليصلوا الى بيت العزاء في الحسينية أو بيت الفرح كما سماه الحويطات و اذا ما أضفنا الى كل ذلك الصمود الأسطوري للمقاومة و انعكاسات ما يجري في غزة على الأردن فاننا ندرك بل يجب ان ندرك أن الوضع الأردني مختلف تماما عن أوضاع كل البلاد العربية الأخرى بالنسبة للقضية الفلسطينية.
بالنسبة لنا في الأردن القضية الفلسطينية ، قضية تاريخ ، و قضية جغرافيا ، و قضية نسب و مصاهرة ، و قضية دم و شئنا ام ابينا سنجد أنفسنا أمام الخطر الصهيوني المباشر قريبا بل قريبا جدا و لذلك فالحذر واجب و استثمار كل الطاقات واجب و العمل على تسهيل عمل مشاركة التيار الإسلامي في العمل السياسي المستحق انتخابيا واجب ايضا و لذلك سيكون من المفيد حقا و بكل اخلاص تكليف رجل من التيار الفائز بالإنتخابات بتشكيل الحكومة لأن ذلك سيكون ترجمة حقيقية لما طرحه الملك في أكثر من مناسبة و بصوت عال من ضرورة الوصول الى الحكومة البرلمانية ، و الآن و بعد فوز أكثر من مائة من الحزبيين في المجلس و فوز أكثر من ثلاثين منهم من الحركة الإسلامية ربما يكون الوقت قد حان لتجريب هذه الفكرة الإبداعية المتقدمة في المنطقة.
نبارك لكل الناجحين في الإنتخابات ، و نبارك للدولة أيضا ، و ننتظر عل أملنا في أن تخطو الدولة خطوة نحو تحقيق تقدم آخر بتشكيل حكومة يرأسها لأول مرة رئيس اسلامي اصلاحي يتحقق ، و القضية ما بتخوف يا اخوان فقد جربها ملك المغرب و نجحت معه نجاحا باهرا و لم ينتج عنها اي خلل سياسي او أمني.
في النهاية للسادة القراء أنا لست منتظما في الحركة الإسلامية و قراءتي قراءة تحليلية بحتة و ان كنت لن أغضب اذا اتهمني أحد أنني من الإخوان أو " اخونجي " حسب تعبير الشتم المستخدم... و للحديث بقية ..