إنّهم يختبئون خلف الملك" مرةً أخرى!



قبل حتى أن يتم الإعلان رسميّاً عن نتائج الانتخابات النيابيّة أو بمجرد الإعلان عنها، أنبرتْ مجموعة من الأقلام للتقليل والتهوين من دلالات هذه النتائج..

سواء من حيث انخفاض نسب المشاركة رغم استنفاد السلطات وسعها في تحشيد الناس وحثّهم للذهاب إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتهم (تخيّلوا لو أنّ الإسلاميّين قد قاطعوا الانتخابات) ، أو من حيث اكتساح حزب جبهة العمل الإسلاميّ منافسيه بفوارق كبيرة ، أو من حيث الإخفاق الكبير الذي مُنيت به الأحزاب البرامجيّة الجديدة رغم الهالة و"الهُلّيلة" التي أحاطتْ نفسها بها قبل الانتخابات باعتبارها بزعمها تجسّد الرؤية الملكيّة "للتحوّل السياسي" المنشود. والقلّة القليلة من بين هذه الأحزاب التي يُزعَم أنّها وُفّقت قد لجأتْ إلى الحيلة والتمويه، أي إخفاء الانتماء الحزبيّ لمرشّحين بعينهم طرحتهم عبر القوائم المحليّة لينجحوا لاعتبارات عشائريّة وجهويّة بحتة، ومن ثم الإفصاح عن انتماء هؤلاء المرشحين الحزبيّ بعد أن كانوا قد نجحوا بالفعل!

وغالبية هذه الأقلام ذهبت إلى اعتبار نزاهة وشفافيّة الانتخابات الحاليّة بمثابة إنجاز وفضل يسجّلان للأجهزة والمرجعيّات المعنيّة، وأنّ على الفائزين، خاصةً من الإسلاميّين، إبداء خالص الامتنان والعرفان نظير ذلك، وكأنّ الأصل في الانتخابات أن تكون مزوّرة ومُتلاعَب بها، والاستثناء أن تكون نزيهة وشفّافة!

أحد الكتّاب ذهب حدّ التأكيد أنّ الملك هو من "سمح بهذه النتيجة"، أي حصول الإسلاميّين على هذا العدد من المقاعد، وعدم حصول تزوير "كما في أكثر من انتخابات"!

بل إنّ هذا الكاتب قد استطرد في "تحليله" أكثر عازياً نزاهة وشفافيّة الانتخابات إلى رغبة الملك بتوجيه عدد من الرسائل للداخل والخارج، ومن بينها رسالة إلى دول عربية شقيقة من أجل منح الأردن "مساعدات حقيقيّة مؤثّرة وإلّا فإنّ الشارع مع الإسلاميّين".

لو أردنا التعامل مع مثل هذه الكتابات بمنهجيّة علميّة، وسبر "الخارطة الذهنيّة" و"النموذج الإدراكيّ" الكامن وراءها، أي مجموع المقولات والمسلّمات والأفكار الأساسيّة والتأسيسيّة التي ينطلق منها هؤلاء الكتّاب ويبنون عليها منطقيّة وحُجيّة ما يكتبون، لوجدنا أنّ كلامهم وطروحاتهم تنضوي على الافتراضات والتضمينات التالية:

أولاً: كما أنّ الملك هو من سمح بأن تكون هذه الانتخابات نزيهة وشفّافة، فإنّ الملك هو من كان يسمح بالتدخّل والتلاعب في الانتخابات السابقة. أو البديل الآخر أنّ الأجهزة المعنيّة كانت تقوم بالتدخّل والتلاعب من تلقاء نفسها دون علم الملك ومن وراء ظهره.. وكلا التضمينين فيهما إساءة مباشرة لشخص الملك!

ثانياً: أنّ الملك هو بمثابة "حاكم مطلق" يتصرّف بالانتخابات وغير الانتخابات كما يشاء من أجل توجيه ما يرتئيه من رسائل إلى مَن يريد.. وذلك خلافاً للمادة الدستوريّة التي تنص على أنّ نظام الحكم في الأردن هو "نيابيّ ملكيّ وراثيّ"، وخلافاً لمبدأ "الفصل بين السلطات" الذي يقوم عليه الدستور الأردنيّ والدولة الأردنيّة، وخلافاً لمبدأ أنّ الملك "يملك ولا يحكم" الذي يقوم عليه "العقد الاجتماعيّ" المُبرم بين الشعب الأردني بكافة عشائره وأطيافه والنظام الهاشميّ، أي أنّ الملك لا يُمارس الحكم مباشرةً إلا في حدود حالات وصلاحيّات محدّدة نصّ عليها الدستور، وباستثناء ذلك فإنّ مباشرته للحكم تكون عبر السلطات الدستوريّة الثلاث القائمة و"الولاية العامّة" الممنوحة لكلّ منها حسب مجال اختصاصها.

ثالثاً: أنّ الأردن بلد متسقّط للمساعدات والمعونات، وأنّه لا يتوانى عن مناورة أشقّائه أو حتى "ابتزازهم" في سبيل ذلك!

والمدهش أن تجد مواقع إخباريّة ومستخدمي منصّات اجتماعيّة يتداولون كتابات وتحليلات أمثال هؤلاء الكتّاب، ويحتفون بها، ويعتبرونها شيئاً يُسجّل لهم لا عليهم، رغم ما تنضوي عليه هذه الكتابات من إساءة ضمنيّة لجموع الناخبين/ الشعب مصدر السلطات بتصويرهم أصحاب إرادة وهميّة، وإساءة للدولة الأردنيّة وأجهزة الدولة ورأس الدولة، وإساءة لعلاقة الأردن مع دول شقيقة وتعكير صفو هذه العلاقة.. في حين أنّ كاتباً مثل الأستاذ "أحمد حسن الزعبي" يقبع في السجن بسبب إدراجات كان يمكن أن تُحمَل على محمل المجاز، ولا تنضوي على معشار الإساءة والتشكيك والشحن والتجييش الذي تنضوي عليه كتابات هؤلاء الكتّاب!

هذه النوعية من الكتّاب تذكّر بالمقال المشهور الذي كتبه الأستاذ "فهد الخيطان" قبل حوالي (15) سنة بعنوان: "إنّهم يختبئون خلف الملك"، لكن الفرق بين المسؤولين الذين تطرّق إليهم "الخيطان" في حينه وهؤلاء الكتّاب، أنّ المسؤولين المشار إليهم كانوا يحاولون استغلال مكانة الملك لدى الناس وحصانته الدستوريّة لمداراة عجزهم عن تبرير إخفاق سياساتهم ومشاريعهم، في حين أنّ هؤلاء الكتّاب يسيؤون للملك وينتقصون من مكانته وحصانته من حيث يظنّون أنّهم يمتدحونه ويُعلون من شأنه، ومن حيث يظنّون أنهم بكتاباتهم يتودّدون إلى دوائر صنع القرار ويستجلبون لأنفسهم الرضا والحظوة!

قاسم مشترك آخر بين كتابات هؤلاء الكتّاب أنّها تحاول خلق جوّ استباقيّ من الحذر أو القلق أو الرهبة أو التوجّس إزاء فوز الإسلاميّين بعدد كبير من مقاعد مجلس النوّاب، وكأنّ الإسلاميين قد حصلوا على هذه المقاعد عن طريق انقلاب وليس عبر انتخابات حرّة مباشرة يُجمع الجميع على نزاهتها وشفافيّتها، أو كأنّهم (أي الإسلاميّين) غزاة أتوا من الخارج أو هبطوا من المريخ وليسوا مواطنين أردنيّين وحزباً أردنيّاً مرخّصاً، أو كأنّهم قد انتزعوا هذه المقاعد غصباً أو عنوةً ولم ينتخبهم الشعب/ المواطنون بملء إرادتهم!

ومرّة أخرى، الذي يحزّ بالنفس أنّنا لا نسمع بإجراءات قانونيّة أو حتى معنويّة تُتّخذ بحق أمثال هؤلاء الكتّاب الذين يصولون ويجولون عبر المواقع والمنصّات الاجتماعيّة، ويختبئون وراء موضوعيّة مصطنعة وولاء غائيّ.. في حين أنّ كاتباً لم يُعرف عنه إلّا كلّ انتماء للوطن وحرص على الصالح العام مثل الأستاذ "أحمد حسن الزعبي" وغيره من الناشطين، خاصةً ما بعد انطلاق معركة "طوفان الأقصى" وحرب "الإبادة والتهجير" الصهيونيّة، يقبعون وراء القضبان!