الإسلاميون والانتخابات.. القراءة الكاملة للمشهد
قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان، وتجلت نتائج الانتخابات النيابية كما توقعناها في مقال سابق هنا، بفوز كبير للإسلاميين وقد تحقق. فما هو المأمول لاحقًا؟ وهل كان وصولهم بهذا الزخم إلى البرلمان ضمن حسابات غرف القرار في الدولة؟ أم أنه نتيجة طبيعية لنزاهة العملية الانتخابية، وحتمية كذلك، نظرًا لقوتهم الشعبية في الشارع؟
بداية، يجب التسليم بنزاهة العملية الانتخابية؛ وهذا التأكيد قد حظي بإجماع شعبي تام، لا زيادة أو مزايدة عليه، ونقطة.
وإذا سلمنا بنزاهة الانتخابات، فإن غرابة حصول الإسلاميين على أكثرية برلمانية تتبدد تلقائيًا، أولًا، لشعبيتهم التي لا تخفى على أحد، والتي تجلت بأعداد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم لمرشحيهم، وثانيًا، لتاريخهم الطويل في العمل السياسي المنظم والمؤطر، وثالثًا، لإدارتهم ملف الانتخابات بطريقة تفوق النموذجية، إضافة إلى جرعات التعاطف الشعبي مع مواقفهم السياسية طيلة عام من أحداث غزة، وقبلها بعقود أيضًا، مع مختلف القضايا المحلية والعربية والإسلامية التي تستحوذ على انتباه الناس، فأصبحوا مصدر جذب شعبي بشكل مؤكد.
الفرضية الأولى تطرح معها تساؤلاً لزيادة إيضاح الفكرة:
هل كانت غرف القرار في الدولة، تضع في حساباتها نتائج الانتخابات التي أوصلت الإسلاميين بهذا الزخم إلى أهم سلطات الدولة؟ - ويفترض أن تكون كذلك - أم أن الرياح خالفت شراع حساباتها؟ مثلما خالفت أهواء الأحزاب التي بالغت في حجمها، ورفعت سقف توقعات الناخبين بوصولها إلى البرلمان بزخم كبير، وخاب ظنهما معًا؟
إذا كان استقراء نتائج الانتخابات محسوبًا ومتوقعًا لدى غرف القرار المغلقة، ومسلّم بنتائجها سلفًا، نظرًا للإرادة السياسية العليا التي حسمت إجراء الانتخابات بكل نزاهة، تنفيذًا لمشروع ملكي طموح يقضي بإصلاحات سياسية واقتصادية وإدارية، تواكب مئوية الدولة الثانية وعصرنتها، فلا مفاجأة مطلقاً، وألف خير وبركة.
الفرضية الثانية ترى وجود حسابات عميقة في عقل الدولة، تقضي بتوسيع المساحة السياسية للإسلاميين وإبراز حضورهم في واجهة المشهد، تزامنًا مع متغيرات هائلة تجري في المنطقة، تنفذها حكومة صهيونية هي الأكثر تطرفًا ودموية في التاريخ ضمن مشاريع توراتية راديكالية بالغة الخطورة، مدعومة من الغرب المتصهين والولايات المتحدة، التي يُرجح عودة رئيسها الأكثر تطرفًا وتهورًا من أصدقائه في المستوطنات الصهيونية إلى سدة الحكم في البيت الأبيض. ما يقرع جرس التهديدات الوجودية على المملكة، ويفرض معها إعادة ضبط النغمة السياسية، ومواجهة هذه التحديات بتوافقات داخلية تامة، وجبهة موحدة متلاحمة، وهو خير وبركة أيضا.
الفرضية الثالثة، ترى أن الرقم الذي حصل عليه الإسلاميون في البرلمان كان مفاجئًا لمطبخ القرار ذاته. وهنا قد تختلف قراءات المشهد برمته، وربما هذه الفرضية هي الأضعف ومستبعدة، لكن إدراجها ضمن سياقات الفهم ضرورة للإحاطة بمختلف زوايا المشهد، وتفسير مساراته ومالاته بدقة متناهية.
أما الفرضية الرابعة فهي "متصوفة" تطرح ورقة انطلاقة "مشروع سني"، بموازاة المشاريع الأيديولوجية والعقائدية التي تنفذ على قدم وساق في المنطقة، وتحيط بالاردن. غربًا بالمشروع التوراتي الذي خرج من قمقم حكومة نتنياهو وبن غفير وسموتريتش علانية، ويرفع خريطة الضفة الغربية والأردن مع خارطة كيانه المزعوم، وشمالًا وشرقًا، بموازاة المشروع الشيعي الذي له أهدافه وغاياته المعلومة، ما يرفع أسهم "اخوان الأردن" الذين أصبحوا من أقوى جبهات التنظيم السني العالمي، وربما نرى حالة موحية لشعوب ودول المنطقة المتعطشة لاحياء المارد النائم!
زد على ذلك فرضية خامسة، تُوضع في سلة العصف الذهني المطروح هنا: هل يشكل الإسلاميين جسرًا، لفتح آفاق بين الدولة وحركة المقاومة الإسلامية حماس، التي ولدت من رحم الإخوان المسلمين ذاتهم، والتي ستدشن فور وضع الحرب أوزارها في غزة، مداميك قوة سياسية ضاربة، وتغدو حصان طروادة المنطقة، أمام أطماع ومشاريع الكيان التلمودي، وهي المرشحة ايضًا لفرد أجنحتها على الضفة الغربية، في حالتي انقضاض المشروع التلمودي لإعادة ضمها، أو محاولات تهجير شعبها. وسيكون الرهان على المقاومة حينها ورقة راجحة ورابحة، خاصة وأن تنفيذ المشروع التوراتي لن يتم إلا على أنقاض سلطة أوسلو!
في خضم هذه الافتراضات المتواضعة، والسيناريوهات العابرة للأفكار، ثمة فرضية براغماتية سادسة، تصطف على الدور مع الأسئلة : هل يصبح وصول الإسلاميين بهذه القوة إلى البرلمان، وربما ترؤسهم له لاحقًا، ورقة يضعها مطبخ الدولة على طاولته أيضًا، لفتح بوابات تقارب مع طهران على سبيل المثال؟ ومن هم الأفضل لهذه المهمة المفترضة -إن صحت- أكثر منهم؟ وما المانع؟ طالما أنها نابعة من حسابات الدولة، وإرادتها، وسيادتها، وتخدم مصلحتها العليا أولًا وأخيرًا، فعلى خير وبركة.
خاتمة:
ربما هي محض افتراضات وتصورات وتساؤلات، مبالغ فيها هنا، ومنطقية هناك، يترك الكاتب مهمة الغوص فيها للقارئ والإجابة عليها. لكن الحقيقة المطلقة المؤكدة التي لا تخضع للافتراضات :
أن الدولة الأردنية أثبتت بشكل لا يقبل القسمة على اثنين أنها دولة راسخة في القوة، بإجرائها انتخابات ديمقراطية نزيهة، وسط نيران المنطقة المستعرة، رغم رهانات خبيثة هنا وهناك على فشلها في المهمة، خابت كلها. وبتنفيذها للإرادة الشعبية والسيادية، بإشراك مواطنيها في صناعة قرار الدولة بمختلف ألوانهم وأطيافهم السياسية، دون طرفة عين سياسية وأمنية واحدة، ليتحمل الأردنيون مسؤولياتهم الوطنية التاريخية في مرحلة مفصلية من عمر دولتهم والمنطقة، تقتضي منهم وعليهم، مواجهتها، بخطى ثابتة، وثقة مطلقة، وشجاعة تامة، وبمختلف الأدوات والأسلحة، حفاظًا على الداخل الأردني، مهما بلغ سيل التحديات الزبى!