الخُنفشاريون ...؟؟؟؟

 

 
قيل أن رجلًا كان يفتي كل سائل دون توقف أو تردد، فكان الناس في القرية البسيطة التي يعيشون فيها يعجبون بمنطقه وطلاقة لسانه وسرعة البديهة في الرد، كان هذا المراوغ يستقوي على عقولهم بمعسول الكلام وتلاعبه بالألفاظ وبقليل من العلم الذي يمتلكه على الكثير من جهلهم...

كان يدعي الحكمة والفهم والمعرفة بكل شيء وما أكثر من يدعي الحكمة في هذا الزمان، ولكن ومع تبدل الأيام والأزمان لاحظ أهل القرية ذلك منه، فأجمعوا أمرهم لامتحانه، بنحت كلمة ليس لها أصل بمعجم أو قاموس يتم نسج حروفها فيما بينهم، لكشف زيفه وكذب معرفته واقسموا فيما بينهم أن تكون هذه الكلمة دون معنى ولا سياق فخرجت معهم الحروف المتقاطعة بكلمة «الخُنفشار» فسألوه عنها، فأجاب على البديهة: نبات طيب الرائحة، ينبت بأطراف اليمن، إذا أكلته الإبل عقد لبنها، أو كما قال الشاعر:
لقد عقدت محبتكم فؤادي

كما عقد الحليب الخنفشار..
ومنذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا، أصبح ذلك الاسم مضرب المثل فيقال خنفشاري لمن يتكلم فيما لا يعلم، وياالله ما أكثرهم في هذه الزمان، فلست بحاجة إلى أكثر من أن تسأل عن شيء ما حتى تجد ألف ألف متكلم بألف ألف جواب وتحليل، تجد أحدهم قرأ معلومة أو اقتنصها من العم جوجل أو من جريدة أو قناة تلفزيونية أو تطرق إليها أحد أمامه، حتى يصبح بها منظرًا وقد ختم العلم كله حتى وإن كانت المعلومة التي حصل عليها أصلاً لا أساس علمي لها ولا عنوانا، أو قد تكون ملهاه أو خُرافة صدقها البلهاء من أمثاله وشاعت بينهم لا أكثر...

خلال الأيام القليلة الماضية تابعت كما تابعتم الكثير مما قِيل ونشر في موضوع المناهج فأصبح لزامًا أن نكتب ونوضح الكثير من الحقائق وأن نضع الأمور في نصابها الحقيقي وخصوصًا مع تحول الأمر إلى صراع قوى ونفوذ وأشخاص، وللأسف الشديد ركب المواطن الموج من حيث يدري ولا يدري ومن هنا أقول:--

أولاً: -- بالله عليكم، قبل أن نتحدث عن المناهج ومدخلاتها ونتحدث عن مواطن القوة والضعف فيها، أليس من الواجب أن نتحدث عن مخرجات التعليم والذي تحول جزء منه إلى سلعة عند البعض يلعب فيها تجار الأوطان كيفما يشاؤون دون حسيب أو رقيب؟؟؟

ثانياً:--:- من المعيب أن يكون أصدقاء الأمس في تعديل المناهج وتزويقها وهندستها ودس السم فيها والصمت المطبق على كل حرف نسخ أو كتب ومنذ سنوات هم أعداء اليوم عبر منصات التواصل الإجتماعي لكسب تأييد هنا وتعاطف المجتمع هناك فالكل شارك بما وصلت إليه الأمور فرادى كنا أو جماعات والكل عليه واجب وطني في الحفاظ على سمعة التعليم في وطننا ومعالجة مواطن الخلل حيثما وجدت دون ارباك أو تسجيل مواقف...

ثالثا: - كلنا يعلم أن تغيير المناهج وتطويرها وجعلها تتماشى مع الواقع ضرورة نتفق معها بشرط أن تلتزم بالقيم والعادات والأخلاق التي نريدها لبناء الأردن الغالي القوي، وهذا لن يتحقق إلا باتفاق أهل الاختصاص على ذلك وأن تكون مرجعيتهم الوطن أولاً وآخراً، وفهم صناع القرار لما يحيط بالأردن من تحديات، عندها سيتحقق لنا الهدف الذي نريد بإنتاج جيل واع فاهم منتم إلى تراب الوطن يستمد قوته من رموزه الحقيقيين...

رابعاًً: -- كم خنفشاري قام بنسخ صور ومرفقات من مناهج دول عربية أخرى وقام بنشرها على أنها من مناهجنا وروج لها من باب خلق حالة من التشويش والاستنفار وتأجيج الشارع والتشكيك بالتعليم، والمعيب أكثر أن نقوم بنقلها كمواطنين دون أن نتأكد من مصدرها...
خامساً: -- كم خنفشاري انتقد المناهج بهدف ركوب الموج لا أكثر وجمع اللايكات وهو مقصر بحق أقرب الناس إليه، فهو لا يعلم عن أبنائه بأي صف يدرسون وما هي المدرسة التي يدرسون فيها ومن هم أصدقاء أبنائه وما هي أخلاقهم وما هي علاماتهم طوال العام، أليس من الواجب أن يقوم بذلك ويراقب تصرفاتهم في البيت وخارج أسوار المدارس أولا ؟؟؟

سادساً: -- كم خنفشاري لا يميز بين الغث والسمين: صور لنا ردات الفعل على أنها هجوم على الفن والفنانين مع أن الأمر دون ذلك بكثير، فالفن الراقي يحترم طالما تحترم فيه العادات والقيم والتقاليد ولمن يجهل جزء من المنهاج المعدل احتوى إلى جانب سميرة توفيق مثار الحديث والنقد أيضًا على معلومات من سير حياة الفنانين الأردنيين مثل جولييت عواد، وموسى حجازين، وعبده موسى، إضافة إلى عادات وتقاليد القهوة العربية في الأردن، والإيقاع الموسيقي للطبلة، وآلتي القانون والمجوز، وسير رياضيين أردنيين مثل موسى التعمري وعامر شفيع وجوليانا الصادق، ولمن لا يعرف جولييت عواد وأدرج عنها منشورا من باب التهكم والسخرية وركوب الموج هي صاحبة «التغريبة الفلسطينية» ودورها في الحديث عن الاحتلال وجرائم العدو الغاصب يشهد له ويدرس وهذا الصوت الرافض للتطبيع والتعامل مع الكيان الغاصب يحترم محليًا وعربيًا ...
وأما من تشدق بالحديث عن (أبو صقر) موسى حجازين ابن قرية السماكية التي تشبهنا ولم يعلم بأن موسى أسس لفن أردني وازن ناقد يوجع قلوب الفاسدين به وهم يضحكون فهو جاهل كذلك ...

سابعاً: -- وليس من باب النقد المبهم بالله عليكم كم خنفشاري، درس القضية الفلسطينية قبل سنوات لعام كامل وهتف وتغنى بالوطنية والقومية العربية وصدح صوته بالطابور الصباحي لسنوات وسنوات وهو يمتدح الوحدة العربية ويردد «بلاد العرب أوطاني صباح مساء» وعند الحقيقة حتى كلمة شجب لم تخرج من لسانه لما يحدث في غزة وفلسطين...

في الختام، ولكي لا نتحول إلى إمعات نلحق بالآخرين دون تفكير أو وعي، ينبغي أن نكون ذوي رأي وعزيمة، فما هي إلا إنارة صدق سنسأل يوم القيامة أمام الله عنها.

اليوم علينا أن نربي أبناءنا في البيت قبل المدرسة على دعامات أهمها أن الوطن أهم ما في الوجود وأن الأخلاق لا تدرس وأن الدين والقيم يولدان بالفطرة فلا نعبث بهما وأن مصير فلسطين والمقدسات ليس مرتبطًا بكتاب رسم أو أغنية أو كتاب ينشر وحديث ينقل...

يقول العلامة بكر أبوزيد: فلاح الأمة في صلاح أعمالها وصلاح أعمالها في صحة علومها وصحة علومها في أن يكون رجالها أمناء فيما يروون أو يصفون فمن تحدث في العلم بغير أمانة فقد مس العلم بقرحة ووضع في سبيل فلاح الأمة حجر عثرة.
حمى الله الأردن وطنا وملكا وجيشا وشعبا وسخّر له الصادقين المصلحين ليكونوا عونا له لا عليه..