الكيان الصهيوني فوق الامم المتحدة.. والشرعية الدولية "على ناس وناس"!
التصعيد الصهيونيّ في لبنان، والذي فيه استنساخ لجرائم الكيان في غزّة والضفة: قصف كثيف وعشوائيُ وتعمُّد استهداف المدنيّين لحجّج واهية وممجوجة من أجل ترويعهم وخلق حالة من الهلع والقنوط والنكوص..
وتوقيت هذا التصعيد بالتزامن مع انعقاد اجتماعات الجمعية العامّة للأمم المتحدة بمشاركة قادة وزعماء العالم..
هذا الشكل من الإجرام وهذا التوقيت فيهما رسالة صريحة من الكلب المسعور "تتنياهو" وعصابة حربه بأنّهم لا يأبهون بما يسمّى المجتمع الدوليّ والشرعيّة الدوليّة والأمم المتحدة وما يفترض أن تمثّله، وأنّهم يستخفّون بهذه المسمّيات والقوالب والهياكل، وبأنّهم لا يُقيمون وزناً لها في مقابل امتلاكهم "القوة" و"إرادة القوّة"!
باللهجة الدارجة، وكأنّ "نتنياهو" وعصابة حربه يقولون للمجتمع الدوليّ والشرعيّة الدوليّة والأمم المتحدة: "على صرمايتي"!
ردّ الفعل المباشر على مثل هذا الوضع ينحو في العادة نحو اجترار خطاب ممجوج وعبارات كلاشيه مستهلكة مثل وصف السلوك الصهيونيّ بـ "الانتهاك الصارخ" للقانون الدوليّ، و"التحدي السافر" للشرعيّة الدوليّة.
وبعض المحلّلين الجهابذة يجرفهم الحماس، فيدعون إلى "تحرّك صارم" من قِبَل "المجتمع الدوليّ"، محذّرين أو مستبشرين بأنّ "نتنياهو" وعصابته إذا لم يرتدعوا فإنّهم سيدفعون ثمن تحدّيهم هذا "للإرادة الدوليّة"!
مثل ردود الفعل هذه، ومثل هذه الكلاشيهات، تُغفل الجانب الآخر أو الاحتمال الآخر من المسألة، وهو أنّ المجتمع الدوليّ والشرعيّة الدوليّة والأمم المتحدة هي فعلاً على صرماية "نتنياهو"!
فالمجتمع الدوليّ هي الكذبة التي اخترعتها منظّمات إقليميّة هزيلة ودول قطريّة ركيكة لتختبئ وراءها، ولتداري تهافتها وتخاذلها أو حتى تواطؤها.
والشرعيّة الدوليّة هي سيف مسلّط على "ناس وناس" تستخدمه الدول التي تتحكّم بتعريف هذه الشرعيّة وتوجيهها وتوظيفها.
والأمم المتحدة هي مظلّة جامعة لمؤسسات الاستعمار غير المباشر الحديثة، والتي أتت لتديم وتعيد إنتاج علاقات الهيمنة والاستلاب والتبعيّة الموروثة عن مرحلة الاستعمار المباشر التقليدي.. ولكن بكفاءة أكبر وكلفة أقل.
وبما أنّ الكيان الصهيونيّ هو واجهة للمشروع الاستعماريّ الرأسماليّ الغربيّ، فهو قطعاً فوق الأمم المتحدة وفوق جميع الهياكل التي تندرج تحت هذا المشروع.
وبالنسبة للمطالبات بتجديد الأمم المتحدة ووكالاتها ومؤسساتها، أو حتى تأسيس كيان وهياكل جديدة تحلّ محلها، فإنّ البديل المُجدّد أو الجديد سيكون مثل البديل القائم انعكاساً لموازين القوّة وعلاقات القوّة القائمة في النظام الرأسماليّ العالميّ.
بمعنى، مَن خرج من النظام السابق ضعيفاً سيدخل إلى النظام الجديد ضعيفاً، وما كان "على الصرماية" سابقاً سيبقى "على الصرماية" تالياً!
الحلّ بالنسبة لأي دولة تريد حقيقةً التحرّر الوطني والانعتاق هو ألّا ترضى بأن تكون "على الصرماية" ابتداءً، بغض النظر عن مقاس هذه الصرماية ونوعية جلدها وإتقان مصنعيّتها.
ولو أنّ "نتنياهو" وعصابة حربه ولوبيات المال والأعمال الأمريكيّة والدوليّة التي تقف وراءهم وتدعمهم قد وجدوا مَن "يلطّهم بالصرماية" على وجوههم، لما تجرّأوا على التعامل مع العالم بهذه الطريقة.
وهذا مظهر آخر من مظاهر عبقريات "طوفان الأقصى" وبركات "المقاومة"، أنّهما يعرفان قدر العدو تماماً، ويُنزلانه المنزلة التي يستحقها: شبشب مقطّع!
ومن هنا إلى أن يأتي زعماء وقادة دول العالم الـ "نص نعل" بأفعال حقيقيّة عدا الشجب والندب والتحذير، ويجترح محلّلو الكعب المكسور تحليلات لا تفوح منها رائحة "ضبان" قديم.. حبذا لو صمت هؤلاء وعضّوا بأسنانهم على "حفّاية عتيقة"!
وبهذه المناسبة نهدي المسؤولين العرب أغنية "بويا بويا بويا" لـ "نصري شمس الدين" و"نوال الكك"، ونذكّرهم بأنّ الرحابنة وفيروز الذين لم يتغنّوا يوما بزعيم قد غنّوا لـ "البويجيّة"!
أو للدقة، الزعيم الوحيد الذي غنّى له الرحابنة وفيروز هو "علي" و"عوده الرنان" الذي "يوعّي كلّ البشر".. وعيدا كمان.. وعيدا كماااان!
ووسط زحمة "المداسات" و"المركوبات" و"الزرابيل" هذه يبقى حذاء "منتظر الزيدي" هو التوظيف الأبلغ لثيمة "الصرماية" في التاريخ العربي المعاصر، وبما يتجاوز كثيراً "حذاء الطنبوري" و"خُفيّ حُنين".
وبالنسبة لـ "نتنياهو" وعصابة حربه وقطعان مرتزقتهم ومستوطنيهم وشذّاذ آفاقهم.. فهم جميعاً بـ "شِسْع نعل" أصغر طفل في "بيت لاهيا" أو "دير البلح" أو "مواصي خان يونس".
أمّا الحذاء الوحيد الذي نقرّ جميعاً بشرعيّته وطهارته من المحيط إلى المحيط (وليس الخليج) دون وضوء أو تيمّم أو "ورنيش" فهو الحذاء الذي ناجى "مريد برغوثي" صاحبَه في قصيدة "طال الشتات":
((أعطني حذاءك أيّها الشهيد
أعطني نطاقك العسكريّ
أعطني مطرتك الفارغة
أعطني جوربك المُشبع بالعرق
أعطني نصف الصفحة المتبقي من رسالة خطيبتك
أعطني ملابسك المبتلّة بالأرجوان
أعطني رشّاشك الذائب
أعطني نظرتك الأخيرة، هاجسك الأخير
شجاعتك.. تردّدك.. ندمك
رغبتك العابرة في الهرب
قرارك بالبقاء
رعشتك عندما مزّقت الطائرة رفيقك
أعطني دمعتيك اللتين لم يلحظهما أحد
أعطني عنوان بيتك في المخيّم
سوف أبحث بين بقيّة البيوت
بين بقيّة الناجين/ عن بقيّة عائلتك
سوف أخبرهم كم كنتَ وحيداً
سوف أعطيهم أشياءك كلّها
هذا إن لم يكونوا ماتوا في المذبحة))!
وظنّي لو أنّ مُريداً كان حيّاً بيننا يرى ما نرى لحذف من مقطعه هذا سطرا واحداً: سوف أخبرهم كم كنتَ وحيداً..
ليس بعد اليوم!
ليس بعد اليوم!